القيود الصارمة التي تفرضها ألمانيا على الاتصال بين الأشخاص لم تنتصر على الفيروس -لقد اشترت للبلد المزيد من الوقت فحسب. ويعتقد علماء الأوبئة أن موجة ثانية من تفشي الوباء سوف تأتي.
كان العمل الشاق والإغلاقات والقيود لمكافحة الفيروس التاجي في ألمانيا صعبة: لا رعاية نهارية؛ لا تسوق؛ لا عطلات ترفيهية، ولا حفلات موسيقية. لكن التدابير تُحدث تأثيراً في الحقيقة. الآن، يطلق البلد تنهيدة ارتياح ويتنفس الصعداء، ويتطلع العديد من الألمان للعودة إلى الحياة الطبيعية. ولكن، بدلاً من مطالبة الناس بالاسترخاء، يدق الخبراء ناقوس الخطر، ويقولون إن موجة ثانية من الوباء سوف تنتشر في جميع أنحاء البلد. وقد تحدث العودة هذا الصيف، أو أنها ستأتي، كما حذر معهد روبرت كوخ، المراكز الألمانية لمكافحة الأمراض، في آذار (مارس)، “في الخريف أو الشتاء على أبعد تقدير”. وسوف تكون تلك هي النقطة التي يمكن أن تصل فيها العديد من المستشفيات إلى أقصى حدودها.
يتفق عدد من كبار علماء الأوبئة على أن الأمر ليس مسألة إذا، وإنما متى. وعندما يعود فيروس (سارس-كوف-2) شديد العدوى، يمكن أن تكون العواقب أسوأ مما كانت عليه خلال الموجة الأولى. وقال كريستيان دروستين، رئيس قسم الفيروسات في مستشفى شاريتيه الجامعي في برلين، في برنامجه التلفزيوني الشهير الأسبوع الماضي: “إن موجة من الإصابات مثل هذه، سيكون لها بالطبع تأثير مختلف تمامًا”.
ولكن، كيف يمكن أن تكون إجراءات الطوارئ هذه -التي تضمنت آثارها الجانبية تركيع أكبر اقتصادات العالم على ركبتيها- غير كافية للتصدي لعدوها الضئيل؟ لماذا لم تتمكن عمليات الإغلاق، التي كلفت اقتصادات العالم مليارات الدولارات، من إيقاف انتشار المرض؟ من الممكن أنها تبطئ انتشاره فقط قبل أن يستجمع الزخم ويندفع مرة أخرى.
قد يكون التفسير مفاجئًا في البداية، ولكنه بسيط أيضًا. حتى الآن، كانت سلاسل العدوى متركزة في مناطق معينة في ألمانيا -في مجتمعات مثل هاينسبيرغ في ولاية شمال الراين الغربي-وستفاليا، أو روزنهايم في بافاريا. لكن الموجة الثانية لن تظهر على الأرجح في عدد صغير من المواقع، وإنما في جميع أنحاء البلاد.
لا يعرف “كوفيد-19” ترسيم الشوارع أو الحدود البلدية أو الحدود الوطنية -إنه ينتشر بشكل غير مرئي من مدينة إلى أخرى، حتى يصبح موجوداً في كل مكان. وقال دروستين: “سوف يستمر الفيروس في الانتشار عبر ألمانيا خلال الأشهر والأسابيع القليلة المقبلة وخلال الصيف كله”.
لا يبدو هذا سيئًا على السطح -إنه كما لو أن كل مقاطعة ستشهد ببساطة ظهور عدد قليل من مرضى “كورونا”، لا توجد مشكلة. لكن الأمر ليس بهذه البساطة. إن انتشار المرض #باحثونعلى الصعيد الوطني يعني أن الوباء يمكن أن يندلع في أي مكان في البلاد -فجأة وبسرعة فائقة.
إطفاء حريق في غابة
سيكون الأمر كما لو أن مجموعة من المتنزهين أشعلوا ناراً في الغابة، وأشعل الشرر المتطاير جذوة نار في شجرة تنوب مجاورة. وبعد أن يتمكنوا من إخماد اللهب، يعتقدون أنهم كانوا محظوظين، ولكن أثناء نومهم، يشتعل الجمر تحت الشجيرات المتشابكة وينتشر أكثر فأكثر. وفي وقت قصير، يكون كل ما يلزم هو هبة ريح خفيفة لإشعال حريق كبير في الغابة من حولهم.
يمكن أن تحدث الموجة الثانية من تفشي فيروس كورونا بطريقة مماثلة. كان هذا هو ما حدث خلال تفشي الانفلونزا الإسبانية قبل قرن من الزمان. بعد الموجة الأولى، عادت العدوى المميتة إلى العديد من المدن في الخريف، واجتاحتها تماماً في هجومها الثاني.
يصف علماء الأوبئة تأثير هذه النوبة الثانية باستخدام عدد تكاثر عدوى الفيروس، أو “R”، الذي يصف عدد الأشخاص الذين يمكن أن يصابوا بالعدوى من شخص واحد مصاب بالمرض. من دون تدابير السيطرة، سوف يصيب شخص مصاب بـ”كوفيد-19” ما يقدر بثلاثة أشخاص أو أكثر. وفي ألمانيا، تقف هذه النسبة حاليًا عند أقل من واحد. وهذا نجاح مؤقت، لكنه ليس انتصارًا. إن سلاسل العدوى تستمر في الانتشار، بصمت، وأبطأ قليلاً من ذي قبل فحسب.
لن يكون الهدف المستقبلي مجرد إبقاء الانفجارات المفردة للعدوى تحت السيطرة، وإنما سيشمل أيضًا إبقاء الحرائق المحتملة تحت السيطرة. ووفقًا لبيان صدر عن “مبادرة هيلمهولتز”، وهي مجموعة بحثية ألمانية، فإنه إذا سمحت الحكومة بالكثير من التواصل والاختلاط بين الناس، “سيُستأنف نشاط العدوى بشكل حتمي وسوف يثقل النظام الصحي في غضون بضعة أشهر”. ويوصي الباحثون باستخدام فرصة التقاط الأنفاس التي تم الحصول عليها اليوم بشق الأنفس لتوسيع قدرات إجراء الاختبارات وتمكين السلطات الصحية من تعقب الاتصال بشكل كبير حتى “يكون بالإمكان السيطرة على الوباء على المدى الطويل”.
قد لا تحدث الموجة الثانية من الفيروس لعدة أشهر. لكن الإجراءات التي يتم اتخاذها اليوم هي التي ستحدد ما إذا كانت البلاد ستكون قادرة على السيطرة عليها عندما تفعل.
*محرر في قسم العلوم في “ديرشبيغل”.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: “The Virus Will Continue To Spread” Why Researchers Fear a Second Wave
المصدر: (ديرشبيغل) / الغد الأردنية