نجحت الدورية الروسية التركية المشتركة بقطع مسافة 15 كم، الخميس الماضي، حيث وصلت إلى مشارف مدينة أريحا الشرقية متجاوزة، حرش مصيبين وهو أخطر أجزاء الطريق بسبب تمركز تنظيم أنصار التوحيد فيه. وتعتبر المسافة المقطوعة أخيرا تطورا لافتا على صعيد تحقيق اختراق معضلة فتح طريق M4 حيث زادت سبعة أضعاف المسافة التي قطعتها الدوريات المشتركة من مفرق بلدة الترنبة غربي سراقب إلى مدينة ألعاب الرابية الخضراء شرقي النيرب.
واقتصر خط الدوريات السبع على قطع مسافة 2كم فقط، فيما نجحت الدورية الثامنة في 5 أيار (مايو) باجتياز 13 كم، من مفرق الترنبة إلى تقاطع حرش مصيبين-المسطومة مع طريق الترانزيت حلب-اللاذقية M4. وتمكنت الدورية التاسعة من تجاوز التقاطع ومصيبين وصولا إلى حدود مدينة أريحا، وتوقفت على بعد 400 م من جسر أريحا الواصل بين أريحا ومدينة إدلب.
ورافقت الدورية المشتركة قوة جوية تركية وروسية، وبدأ طيران الاستطلاع بمراقبة الطريق قبل يوم من تسيير الدورية الأخيرة واستمر إلى ما بعد انتهاء الدورية ومغادرة الشرطة العسكرية الروسية باتجاه مدينة سراقب.
واتهم ناشطون هيئة تحرير الشام بإقامة حواجز ومنعهم من الوصول إلى الطريق للاعتصام. ونفت تحرير الشام صحة الادعاءات، يوم الجمعة، وقال مسؤول العلاقات الإعلامية في الهيئة، تقي الدين عمر في بيان “ننفي تغيير موقف الهيئة بشأن الدوريات الروسية ونجدد دعوتنا لكل شرائح المجتمع، كل في ميدانه، للوقوف في وجه قوات الاحتلال” مضيفاً “تحرير الشام لم تمنع أحداً من الذهاب للتعبير عن رأيه وموقفه ضد العدو الذي ارتكب المجازر المروعة ودمر البيوت والمشافي والبنى التحتية وعذب وقتل آلاف السوريين”.
ولفت إلى أن “الهيئة لم تعرقل وصول المتظاهرين إلى الأوتوستراد (M4) وإنما منعت مرورهم عبر أحد الطرق لأسباب معتبرة لدى إدارة الحواجز” وأشار إلى أن الطرق الأخرى “كانت مفتوحة وتم تحويل الأهالي إليها”. وذكر البيان “بعد توقيع الاتفاق الأخير بخصوص إيقاف إطلاق النار، والذي حوى بنوداً تضرب تضحيات عشر سنين متواصلة بعرض الحائط، خرج عدد من الأهالي والناشطين والإعلاميين في اعتصام الكرامة ووقفوا بوجه عدوهم، وعبروا عن رفضهم مرور قوات الاحتلال الروسي، وقد باركنا هذا الاعتصام، الذي عبّر عن النبض الثوري الحي لدى أبناء المحرر”. وشدد المكتب في بيانه على أن موقف الهيئة بشأن مرور الدوريات ثابت لم يتغير، مجددا دعوته لكافة شرائح المجتمع للوقوف في وجه قوات الاحتلال، مؤكدا على أن تحرير الشام لم تمنع أي شخص من الذهاب للتعبير عن رأيه وموقفه ضد العدو.
وتشير التغيرات الحاصلة، وعدم اعتراض الدوريات الروسية المشتركة مع تركيا، إلى رغبة تحرير الشام بتجنب إغضاب أنقرة، ولكن في الوقت نفسه، إرسال رسالة واضحة للأخيرة، أنها تملك أوراق قوة عدة بيدها، في حال تم تجاوزها والبحث عن وكلاء آخرين كالجبهة الوطنية للتحرير أو الجيش الوطني. وانه في وقت التفاهم معها، فإنها ستسهل الحركة على الطريق كما اختبرت الدوريتان الثامنة والتاسعة. وهو ما يمكن اختباره مع حفظ أمن الطريق وصولا لأريحا وما بعدها.
على صعيد منفصل، تعرضت مقرات فيلق الشام القريبة من طريق الترانزيت إلى هجوم منظم من قبل مجهولين، قاموا بتكبيل العناصر النائمة وسلب المقرات سلاحها وذخيرتها وآلياتها وأجهزة اتصالها. وبدأ الاستهداف في الهجوم على أحد المقرات بالقرب من قميناس، ثم مقر في بلدة بنش وثالث في مزرعة الصواغية شرقي الفوعة، وفشل المهاجمون في مداهمة مقر للفيلق في بلدة تفتناز، فجر السبت، وحصل اشتباك بينهم وبين عناصر الحراسة الذين فاجأوا المهاجمين، وتم جرح اثنين من المهاجمين على الأقل حسب ما أفادت مصادر محلية، إثر الحادثة.
وتأتي الاستهدافات المتوالية لفيلق الشام المقرب من تركيا بمثابة تحذير من أجل ابتعاده عن طريق الهيئة في مسألة التواجد على طريق حلب – اللاذقية (M4) وتسعير الفوضى الحاصلة في الأيام الأخيرة، واضطراب الشمال، وإظهار الفيلق بمظهر الضعيف الذي لا يستطيع حماية نفسه، فكيف ستوكل إليه حماية الدوريات وثاني أهم طريق ترانزيت في سوريا، وذلك، بهدف الفوز بوكالة السيطرة الأمنية من قبل تركيا. ويستعبد أن يكون أحد الفصائل المتطرفة وراء الهجمات المتلاحقة، فالهجوم المكثف في المنطقة القريبة من طريق حلب-اللاذقية (M4) هو تحد كبير يحتاج إلى سيطرة أمنية لا يملكها حراس الدين أو أنصار التوحيد مطلقاً، والتنظيم الوحيد القادر على فعلها هو هيئة تحرير الشام، على اعتبار أنه المتحكم الرئيسي في إدلب.
واندلعت مواجهات بين تحرير الشام والمعتصمين المقربين منها مع القوات التركية، في 23 نيسان (أبريل) الماضي، أسفرت عن مقتل عناصر من الشرطة في حكومة الإنقاذ إضافة إلى عنصرين من عناصر تحرير الشام. وعرقلت الهيئة تطبيق اتفاق موسكو منذ توقيعه بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان قبل شهرين، ومنعت تسيير الدوريات المشتركة تطبيقاً لملحق الاتفاق في إدلب، من خلال دعم “اعتصام الكرامة” الذي استغلته قبل أن تفضه نهاية نيسان (أبريل) إثر مقتل عناصرها وعناصر شرطة الإنقاذ.
وفشلت تحرير الشام بفتح المعبر المقرر في معارة النعسان في ريف إدلب الشمالي، إثر احتجاج أهالي البلدة وسقوط قتيل من النشطاء المحتجين وإصابة آخرين. وتربط الهيئة الملفات المعقدة في إدلب ببعضها البعض ولا تفضل التفاهمات الجزئية هنا وهناك أو الحصول على مكسب صغير فقط. فقادة الهيئة يدركون أن خسارة أي مكسب صغير سيؤدي إلى إخراجها من ملعب الكبار. وتدرك أن المنافس الوحيد هو فيلق الشام بعد أن حجمت أدوار الفاعلين العسكريين الآخرين وقضت على قسم كبير منهم.
وفرضَ تسارع الدوريات الروسية التركية على طريق حلب-اللاذقية السريع، حركة احتجاجات للمهجرين من أجل عودتهم تحت شعار “نريد العودة إلى بيوتنا وقرانا بحماية دولية أو تركية” وتظاهر المئات في عدة بلدات في ريف حلب الشمالي وإدلب مساء يوم الجمعة، مطالبين بتطبيق الوعود التركية القائلة بعودة النظام السوري إلى حدود اتفاق سوتشي أيلول (سبتمبر) 2018. ووجهوا دعوات للتظاهر يوم الأحد أيضا. وكان الرئيس اردوغان قد طالب قوات النظام السوري، في نهاية شهر شباط (فبراير) بالتراجع إلى حدود نقاط المراقبة التركية، قبل أن يعدل عن تحذيره ويوافق بخطوط التماس الجديدة التي فرضها الرئيس بوتين، والقاضية بإحداث ممر أمني بعرض 12كم على طول طريق M4 وإعادة حركة الترانزيت على الطريق، وإبعاد الفصائل الراديكالية.
المصدر: القدس العربي