في الجلسة الشهرية الأخيرة لمجلس الأمن الدولي يوم 28 أيلول/سبتمبر لمناقشة «الوضع في الشرق الأوسط بما في ذك القضية الفلسطينية» حدثت سابقة لم أسمع بمثلها من قبل وربما من بعد. كان السفير الفرنسي، نيكولاس دي ريفيير، يترأس الجلسة بحكم رئاسة بلاده للمجلس خلال هذا الشهر. وقد طلب من تور وينيسلاند، منسق عملية السلام في الشرق الأوسط ومبعوث الأمين العالم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن يقدم تقريره الدوري حول تنفيذ القرار 3234 (2016) المتعلق أساسا بتجميد الاستيطان. والتقرير هذا عادة يغطي فترة الشهور الثلاثة السابقة، كما نص على ذلك نفس القرار المذكور. بدأ وينيسلاند كعادته يسرد تفاصيل الانتهاكات التي تعرض لها القرار في مجال الاستيطان واعتداءات المستوطنين والمواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، ويعدد بعض الحوادث المهمة وعدد من استشهد في الضفة الغربية وقطاع غزة مقدما بعض التفاصيل عن عدد الضحايا من الفلسطينيين وخاصة الأطفال. وإذا بالسفير الفرنسي يضيق ذرعا بهذه التفاصيل ويقاطع وينيسلاند ويطلب منه أن يختصر ويقدم هذه المعلومات مكتوبة. استمر وينيسلاند بالسرد وعاد وقاطعه مستغلا رئاسته للمجلس. فإذا علمنا أن أكثر من تسعين في المئة من سرد الحوادث والانتهاكات تقوم بها قوات الاحتلال والمستوطنون تعجبنا من موقف السفير الفرنسي وكأنه يريد أن يغطي على جرائم الكيان. أما ما يقوم به الفلسطينيون من انتهاكات يرى وينيسلاند ضرورة لذكرها من أجل التوازن والموضوعية فتتعلق باستهداف المدنيين والقصف العشوائي بالصواريخ وخطابات التحريض والتي يمكن ذكرها في فقرة أو فقرتين.
تشير هذه الحادثة، إلى أن أعضاء مجلس الأمن أو على الأقل بعضهم، لا يريد أن يسمع سردا بجرائم إسرائيل ولو مرة في الشهر بدون أي طائل قانوني أو خطوة عملية. فقط سرد أحداث وبعض الملاحظات والتوصيات. حتى وينيسلاند نفسه انساق في ممارسة سنتها سفيرة الولايات المتحدة السابقة، صاحبة الكعب العالي المخصص لركل منتقدي الكيان الصهيوني، نيكي هيلي، بتقديم التقرير الدوري حول القرار 2334 شفهيا وليس خطيا يوزع على أعضاء المجلس قبل الجلسة بأيام لتحضير مداخلاتهم. وهذه السنة السيئة تعتبر انتهاكا لبنود القرار المذكور الذي ينص على تقديم تقرير دوري كل ثلاثة شهور عن مدى تنفيذه والتزام الأطراف به.
ملاحظات مكررة من كلمات الوفود
في تلك الجلسة والتي جاءت بعيد انتهاء المداولات رفيعة المستوى للدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة، التقط معظم إشارة يائير لابيد لحل الدولتين والتي ذكرت بطريقة مواربة ولا تعني شيئا ولا تلزم أحدا بشيء. كل ما قاله إنه يبحث عن «سلام مع جميع العرب ومع جيراننا الأقرب الفلسطينيين. الاتفاق مع الفلسطينيين بناء على حل الدولتين للشعبين هو الشيء الصحيح لأمن إسرائيل واقتصادها ولمستقبل أطفالنا». وبعد الخطاب بيوم أو يومين تم اغتيال أربعة مناضلين في جنين تبع ذلك اغتيالات في نابلس وبلدة تقوع ومخيم الجلزون.
لكن الوفود لم يروا ولم يسمعوا إلا إشارة لابيد وراحو يتغزلون بها ويطرون عليها. لكنهم ضاقوا ذرعا عندما قال وينسيلاند في تقريره الذي يغطي ثلاثة أشهر والتي شملت الهجوم التدميري على غزة قال:
«خلال الفترة المشمولة بالتقرير من 17 حزيران/يونيو إلى 20 أيلول/سبتمبر قتل (لا نتوقع منه أن يقول استشهد) في الضفة الغربية 29 فلسطينيا، بينهم ستة أطفال، وأصيب 1813 فلسطينيا، بينهم 27 امرأة و 194 طفلا، على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية. كما نفذ المستوطنون الإسرائيليون وغيرهم من المدنيين 128 هجوماً على فلسطينيين، أسفرت عن مقتل شخص واحد وإصابة 51 بجروح. في غزة، أثناء تصعيد التوترات بين الجماعات المسلحة (لاحظوا أنه أخفى كلمة إسرائيل هنا) في آب/أغسطس، قُتل 49 فلسطينيًا، من بينهم 26 مدنياً على الأقل، بينما قُتل مدني إسرائيلي وعنصر من قوات الأمن الإسرائيلية، بالإضافة إلى إصابة 50 إسرائيليا وجرح ثمانية من أفراد قوات الأمن».
لكن الإطراء على ما جاء في خطابي لابيد وعباس حول الالتزام بحل الدولتين كان القاسم المشترك في جميع الكلمات. السفير الصيني، زانغ جون، أثنى على ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي عن حل الدولتين لكنه أكد أن أمن طرف إذا كان قائما على حساب أمن الطرف الآخر فلن يستتب الأمن للطرفين، وطالب بكل وضوح إسرائيل بالوفاء بكل التزاماتها بموجب القانون الدولي بتوفير الأمان للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وأن توقف فوراً جميع الأنشطة الاستيطانية التي تنتهك القانون الدولي والتي «تضغط على الحيز المعيشي للشعب الفلسطيني».
مندوبة الإمارات العربية المتحدة، أميرة عبيد محمد، رحبت بدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي لحل الدولتين، مضيفة أن وفدها يتطلع إلى رؤية جهود مكثفة لتهيئة بيئة سياسية مناسبة لاستئناف المفاوضات السياسية الجادة بين البلدين. كما ذكرت المندوبة الإماراتية باعتداء المستوطنين على الفلاحين الفلسطينيين خلال موسم قطاف الزيتون الذي سيبدأ بعد أيام.
السفير الروسي، ديمتري، بوليانسكي، نائب الممثل الدائم، وحده دخل في تفاصيل الممارسات الإسرائيلية مثل اقتحامات الأقصى واستخدام القوة ضد المدنيين. وقال جملة مهمة تثير حنق الولايات المتحدة وتشير إلى نفاقهم حين قال: «يبدو أن إسرائيل تتمتع بتفويض مطلق لاستخدام القوة ضد الفلسطينيين». ثم أعرب عن قلقه من الاستفزازات المحتملة في الحرم القدسي خلال الأشهر المقبلة بسبب الأعياد والانتخابات، وأشار إلى أن إسرائيل قامت باعتقالات جماعية وانتهاك حرية الصحافة وقيدت عمل المنظمات الحقوقية وما زالت أنشطتها الاستيطانية مستمرة في انتهاك واضح للقانون الدولي. وقال: «إن إسرائيل تخلق حقائق لا رجوع عنها على الأرض» مشيرًا إلى زيادة بناء المستوطنات، وعمليات الإخلاء القسري، وهدم المساكن ومصادرة الممتلكات. علاوة على ذلك، تتجاوز الأعمال الإسرائيلية غير القانونية الضفة الغربية وقطاع غزة وتنتهك سيادة الدول المجاورة – لا سيما سوريا ولبنان». ولم ينس بوليانسكي أن يوجه نقده لدور الولايات المتحدة في تعطيلها حل الدولتين: «كانت جهود الولايات المتحدة تؤدي إلى نتائج عكسية من خلال محاولاتها استبدال تلبية تطلعات الفلسطينيين المشروعة إلى إقامة دولة مستقلة وذلك من خلال إكراههم على القبول بسلام اقتصادي».
وحدها سفيرة النرويج، منى جول، احتجت على انتهاكات إسرائيل على مواطني وطلاب مسافر يطا. أما فريد خوجا، سفير ألبانيا، وجد الحل بعد أن كاد يزغرد ترحيبا بتصريحات لابيد قائلا: «إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، أعاد التزامه بحل الدولتين، وهذه أكثر من نهاية واعدة للصراع المستمر في الشرق الأوسط». والحل كما قال: «تمسكوا بوقف إطلاق النار. التقوا وتحدثوا وابحثوا عن حلول» فالحل هو البحث عن حل. وكأن الفلسطينيين لم يلتقوا ولم يتحدثو لأكثر من 25 سنة. سفير أيرلندا، فرجال توماس مايثين، قدم تفاصيل عن مناطق التوسع الاستيطاني التي تنوي إسرائيل مباشرة البناء فيها وأثر ذلك على حل الدولتين. وبعد أن أدان حركة حماس لإعدامها خمسة مواطنين طالب مجلس الأمن بالكف عن الحديث عن حل الدولتين والتوجه فورا لاتخاذ خطوات نحو السلام الشامل والدائم. أما باربرا وود، سفيرة المملكة المتحدة، فقد أكدت على أهمية السلام الاقتصادي حيث طالبت في كلمتها «اتخاذ إجراءات أكثر جرأة لإحداث تغيير اقتصادي حقيقي على الأرض الفلسطينية المحتلة وإعادة تفعيل دور اللجنة الاقتصادية المشتركة الإسرائيلية الفلسطينية».
ليندا توماس-غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة أكدت على دعم بلادها لحل الدولتين لكنها حذرت من الخطوات الأحادية التي تعثر أو تعطل هذا الحل: «إننا نعارض الإجراءات الانفرادية التي تؤدي إلى تفاقم التوترات وتحريك المؤشر بعيدا عن حل الدولتين، وبالتالي الابتعاد عن السلام. وتشمل هذه الإجراءات الهجمات الإرهابية والتحريض على العنف ضد الإسرائيليين، وكذلك العنف الذي يمارسه المستوطنون وخطط التنمية التي من شأنها أن تفكك الضفة الغربية. عدم الاستقرار في الضفة الغربية لا يخدم الإسرائيليين ولا الفلسطينيين».
النقاط المشتركة
– كل الأعضاء يؤيدون حل الدولتين
– يطالبون بوقف العنف وعدم استهداف المدنيين
– يطالبون بوقف الاستيطان
– يطالبون بدعم وكالة الأونروا
– ويطالبون بالعودة للمفاوضات وبسرعة
وينفض الاجتماع ويذهب كل في سبيله وتتحرك قوات الأمن الإسرائيلية نحو مخيم جنين ونابلس ودير الحطب وتقوع والدهيشة والجلزون ويسقط مزيد من الشهداء وتهدم البيوت ويتابع المستوطنون اقتحاماتهم للأقصى والإبراهيمي وتلاحق مجموعة الطفل ريان سليمان ابن السبع سنوات إلى أن يخر صريعا. رسالة بليغة لمجلس الأمن الدولي والمراهنين على المجتمع الدولي.
المصدر: «القدس العربي»