يحتفل العالم الإسلامي في 12 ربيع الأول من كل عام هجري بميلاد النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهو بالطبع تاريخ مهم، فلكل أمة عظماؤها ورموزها الذين تحتفل بميلادهم وكبير انجازاتهم.
ومع إيماني الكبير بأهمية وعظمة هذا اليوم من التاريخ، أعتقد أن ثمة يومٌ آخر شكل نقطة مضيئة على مر الزمن بعد ذلك هو لحظة البعثة ، في الأولى- التي صادفت كما اسلفت سابقاً- 12 ربيع الأول وُلد محمد بن عبد الله اليتيم الضعيف والذي عانى بعد يُتمه من مرارة فقد الأم، ثم الجد، وهو لم يتجاوز الثامنة من عمره، والذي أصبح فيما بعد معروفاً في وسط قومه بأمانته وصدقه وشهامته، أي أن المحطة الأولى أنجبت فيزيائياً محمد الصادق الأمين، أما المحطة الثانية وهي لحظة البعثة والتي يعتقد أغلب المؤرخين أنها كانت في 21 رمضان والموافقة للعاشر من آب 610 ميلادية تلك التي بدأت بـ ’’ إقرأ ‘‘ أساس المعرفة وسرّها، إقرأ لتعرف عن بدء الخلق، إقرأ لتبدأ رحلة المعرفة والنور، وتَعلَّمْ بالقلم والكتابة ما لم تكن تعلم، وكافح ضد الظلم والطغيان وضد التمييز والعبودية والأصنام المادية والمعنوية؛ وهنا وفي هذه اللحظة ولد محمد النبي الرسول.
الميلاد الأول وبحكم طبيعة الأشياء قدّر له أن يغيب ويوارى الثّرى بعد ثلاثة وستين عاماً، قضى ثلثيها صادقاً أميناً مدافعاً عن المظلومين، ومؤسساً للميلاد الثاني الذي قضى فيه ثلاثةً وعشرين عاماً مكافحاً ومناضلاً لتعيش دعوة ’’ اقرأ ‘‘ و’’ تعلّمْ ‘‘ واكتشفْ أسرار الكون وعظمة الخالق ولا تسجدْ لصنم أو بشر، تلك الدعوة التي أوجدها ذلك الميلاد وُجدت لتستمر بالحياة وتشق طريقها نحو الأبدية والخلود، ما دام الانسانُ موجوداً على هذا الكوكب، لأنها أفكار لا تتعلق بشخص ما عاش في زمان ما ثم قضى، ولكنها تتعلق بجدل الإنسان بعلاقة الانسان مع نفسه ومع محيطه، تتعلق بنزوع النفس البشرية للتغيير نحو الكمال.
لكن أين نحن الآن وأين مبادئ تلك الدعوة التي بدأت بـ ’’ إقرأ ‘‘ و’’ تعلم ‘‘ ونحن أبعد ما نكون عن العلم والقراءة؟!
هدمت الدعوة كل الأصنام، ونحن اليوم نصنع طغاتنا وأصنامنا بأيدينا، كانت الأصنام حول الكعبة- كما تقول المصادر- 360 صنماً، اليوم لدينا الآلاف المؤلفة منها، لا أتحدث فقط عن الطغاة الذي استعبدوا الناس ولكن أيضاً كل حزبٍ وكل جماعة بما لديهم فرحون.
نعيش حالة من العماء والخواء والتقليد تصعب على الكافر كما يقول المثل الدارج، رغم أن تلك المبادئ حثت على التفكير النقدي والتدبُّر والتَفَكر.
علمتنا تلك المبادئ أننا بشر نخطئ ونصيب، وأن الخطأ صفة بشرية بدأت مع أبو البشرية، حتى أن القرآن الكريم نفسه عاتبَ محمداً الرسول على بعض الأخطاء، لكن و بكل أسف يكاد يصعب إلى درجة الاستحالة أن تقنع جماعة ما، أو حزباً ما، بخطأ ارتكبه زعيمهم أو رمزهم وهم يقرؤون بين دفتي الكتاب ’’ عبس وتولى ‘‘ و’’ عفا الله عنك لِمَ أذنتَ لهم …‘‘.
فصلى الله عليك يا صاحب الميلادين والخلود.
المصدر: موقع (الحرية أولًا)