تأتي ذكرى رحيل جمال عبد الناصر ، وانفصال سورية عن الجمهوريّة العربيّة المتّحدة ، والعرب – جملةً وتفصيلا – من سيّء الى أسوأ ؛ فالقضايا العربيّة الأساسيّة الكبرى ، كفلسطين والوحدة والحضور الفاعل في العالم ، اختفت من اهتمامات المشهد الرسميّ العربيّ ممّا جعلها خارج الاولويّات في كلّ المستويات المحلِّيّة والاقليميّة والدوليّة .
كان عبد الناصر طودًا عظيمًا يحاول أن يجعل من العرب ، الذين كان مايزال جزء منهم تحت نير الاستعمار والجزء الآخر قد خرج – حديثًا – من تحت هذا النير ، أمّة لها حضورها ومكانتها ودورها على مسرح العالم وأحداثه المتشابكة والمتدافعة في تلك المرحلة من التاريخ ..
نجح الرجل في كثير من مساعيه ، رغم المعوِّقات الهائلة وموروثات التخلُّف والجهل التي خلّفتها عدة قرون من الاستعمار بما مثّله من برامج منهجيّة مركّزة للقضاء على كلّ ما يتعلّق بالعرب من ثقافة وتاريخ وأرض ولغة .. لكنه أخفق ايضًا في العديد من الطموحات والأهداف التي عمل لها في طريق النضال العربيّ .
كانت نجاحات عبد الناصر ، في النهوض والتنمية الشاملة وبلورة الوجدان العربيّ وزرع قضيّة فلسطين في صلب حركة التحرُّر العربيّ وتحرُّر شعوب العالم الثالث وايقاظ روح النضال عند الشعوب المقهورة حول العالم وإنشاء منظمة الدول الاسلاميّة ودول العالم الثالث وغير ذلك من الحضور العربيّ والاقليميّ والعالميّ ، علامات فارقة في التاريخ المعاصر لا يمكن لأحد الّا أن يقف عندها ويقدِّرها . هي انجازات خلّدت ذكرى هذا الرجل العظيم ورصّعت اسمه في ذاكرة التاريخ والأجيال إلى ما شاء الله ..
أمّا اخفاقاته فكان يتفاعل معها ويحاول أن يجعل منها منصّاتٍ للانطلاق بدلًا من الوقوع في متاهاتها – وهذا هو نهج العظماء في مقاربة الاخفاقات والعوائق والصدمات والانكسارات والهزائم ..
ذهب جمال عبد الناصر في ٢٨ أيلول ٥٢ سنة وكانت قد ذهبت قبله أوّل تجربة وحدويّة عربيّة ، في العصور الحديثة ، بين مصر وسورية ، في ٢٨ أيلول ١٩٦١ وذهب معهما ، للأسف الشديد ، مشروع النهضة والوحدة في العصر الحديث .
ألسؤال الذي يطرح نفسه بقوّة في مثل هذه المناسبة هو : هل سيتمكّن العرب من بلورة مشروع نهضة ووحدة معدَّل أوجديد يتوافق مع قضايا اليوم !؟
موقعي: “المدارنت” و”ملتقى العروبيين“