في خطاب ألقاه يوم 21 سبتمبر (أيلول) بشأن الخطوات التي اتخذها من أجل كسب حربه في أوكرانيا، كان على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يشرح سبب عدم فوزه حتى الآن. والمذنب في ذلك هو “الناتو”، الذي وقع عليه اللوم بسبب الدعم الهائل الذي قدمه لكييف. وعندما قال بوتين “سنستخدم بالتأكيد كل الوسائل المتاحة لنا” في حال انتهاك وحدة أراضي روسيا، رأى بعضهم في ذلك صلةً بالجزء السابق من خطابه حينما أشار إلى الاستفتاءات المقترحة في الأراضي المحتلة، بيد أن هذا التصريح ترك مبهماً. في الواقع، من الصعب رسم خط أحمر في المناطق التي يكون فيها الوضع على الأرض شديد التقلب. وتماشياً مع جميع البيانات السابقة، وجه تهديده النووي إلى حلف “الناتو”، بهدف ردعه عن المشاركة بشكل أكثر مباشرةً في دعم أوكرانيا.
أما بالنسبة إلى قلب مجرى الحرب فعلياً، فالحل الذي اقترحه هو زيادة القوات. وأصدر مرسوماً جاء فيه أنه على جميع الروس الذين تلقوا تدريباً عسكرياً سابقاً أن يلتحقوا بالخدمة، وهي تعبئة وصفت بأنها “جزئية” ولكن ضرورية على ما يبدو. واتضح أنه تم حشد الرجال الذين لم يتلقوا تدريباً سابقاً، بمن فيهم الطلاب الذين كان من المفترض أن يستثنوا. لا شيء في الخطاب الذي استمر سبع دقائق أزال رائحة الفشل النتنة التي أحاطت بالمشروع. وفي حين لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا التجنيد الإجباري قد يحدث أي فرق في النتيجة، فقد فاقم المخاطر بالفعل على بوتين في الداخل. وفيما يُجمَع عدد كبير من الرجال المتجهمين في حافلات من أجل إرسالهم إلى الحرب، يسعى آخرون إلى الفرار من البلاد أو – في تحد للإجراءات الأمنية الصارمة- الخروج إلى الشوارع للاحتجاج.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الفشل ليس بالشيء الذي يمكن لبوتين ودائرة المقربين منه الاعتراف به. في كل مرحلة، على غرار إحباط هجومه الأولي على كييف في فبراير (شباط) والتقدم البطيء المحدود الذي حققته القوات الروسية في لوهانسك في الصيف والنجاحات المفاجئة من قبل القوات الأوكرانية في خاركيف في سبتمبر، كان بوتين يعاند ويتشبث برأيه. وعوضاً عن البحث عن طريقة لتقليص خسائره والخروج قبل أن تزداد الأمور سوءاً، فقد أصر باستمرار على تحقيق أهدافه، على الرغم من أن الطبيعة الدقيقة لتلك الأهداف قد تقلبت، والسيطرة المتواضعة على الأراضي استغرقت وقتاً أطول وتكبدت تكلفة أكبر بكثير مما كان يمكن توقعه في البداية من ناحية القوات والمعدات.
في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” في يوليو (تموز)، جادلتُ أن قسماً كبيراً من المشكلات التي تواجه روسيا خلال الأشهر الأولى من الصراع يمكن أن تعزى إلى الجهة العليا التي تدير الحرب. في الحقيقة، واجه التسلسل القيادي الروسي بأكمله صعوبة في التغلب على عدو قاوم بعناد وإبداع، ما أدى إلى مشكلات تنفيذية غير متوقعة لم تكن القوات الروسية مجهزة بشكل مناسب للتعامل معها. والأهم من ذلك هو الطبيعة الوهمية لقرار بوتين الأساسي بشن غزو. بصفته القائد الأعلى لروسيا، نظر بوتين إلى العدو في صورة كاريكاتورية [بسخرية]، ولم يتم اختبار افتراضاته استناداً إلى المعلومات الاستخباراتية المتاحة بشأن الاستعداد العسكري الأوكراني والمواقف الشعبية في أوكرانيا نفسها. إذاً، أدى فهمه المشوه إلى الاعتقاد المتغطرس أن المقاومة الأوكرانية ستنهار مع الهجوم الروسي الأولي، وأنه يمكن إخضاع البلاد بسهولة. في الواقع، لم يتطلب الأمر معرفة كبيرة في التاريخ الأوكراني لتقدير مدى صعوبة هاتين المهمتين. وحتى لو كانت التحركات العسكرية الأولية قد نجحت، فالقوات الروسية كانت تفتقر إلى القدرة على تهدئة هذا العدد الكبير من السكان في مثل هذا البلد الكبير.
كما أصبح واضحاً الآن، خلقت تلك الافتراضات الخاطئة مشكلة أعمق. نظراً لأن بوتين لم يعترف قط بالغزو على أنه نزاع عسكري كامل، ورفض الإقرار بهذه الحقيقة للشعب الروسي، وجد نفسه مع عدد قليل جداً من الموارد البشرية فيما تحول الهجوم الأولي إلى حرب بطيئة وطاحنة وشديدة الفتك. ونتيجة لذلك، صار مجبراً على البحث عن وسائل جديدة لإعادة تعبئة قواته، ولكن في مرحلة سيكون من الصعب جداً تغيير الزخم فيها. إذاً، فإن كيفية وصول روسيا إلى هذا المنعطف غير العادي، يجب أن تُفهم ليس فقط باعتبارها نتيجة للقوة والصمود الأوكراني والدعم الغربي، على الرغم من أنها كانت عوامل مهمة للغاية، بل أيضاً كنتيجة لسلسلة من الأخطاء العسكرية من جانب القيادة الروسية، بدءاً باستراتيجية الغزو الأولية.
ضرير في المعركة
في الأيام الأولى من الحرب، كان من الصعب تخيل فكرة أن روسيا تفتقر إلى القوات اللازمة من أجل إكمال المرحلة الأولى من السيطرة على أوكرانيا. وكان التعزيز العسكري الروسي الهائل جارياً لأشهر عدة قبل بدء الغزو في 24 فبراير. ولكن، نظراً لأن بوتين قد أبقى الجميع تقريباً، بما في ذلك كبار القادة، في حال تخمين حول طريقة استخدام تلك القوات، لم يتم التفكير ملياً في الاستراتيجية وبالتالي كان التخطيط غير كاف حتماً. جاء إبلاغ قادة الخطوط الأمامية بوجود نية الغزو بشكل متأخر جداً ما منعهم من القيام بالاستعدادات المناسبة. وتم اختيار خطوط تقدم متعددة ومختلفة، بشكل تخاض فيه سلسلة من الحروب المنفصلة فعلياً، لكل منها هيكل قيادي خاص بها ومن دون آلية مناسبة للتنسيق ومشاركة الموارد مع الآخرين. نتيجة لذلك، سرعان ما تعرضت التحركات الروسية الأولية للصد.
والأهم من ذلك، فشلت روسيا في الاستيلاء على كييف وعجزت عن زعزعة استقرار القيادة الأوكرانية. لم يكن الرئيس فولوديمير زيلينسكي قادراً على الصمود فحسب، بل تحدى بجرأة وحشد شعبه من العاصمة، وتمكن من الضغط بسرعة ونجاح على الدول المتعاطفة من أجل الحصول على الأسلحة والذخيرة. هكذا، علق الروس في حرب مختلفة عن تلك التي توقعوها. وعلى الرغم من تمتعهم بالتأكيد بميزة العدد الأكبر، فقد كان التحفيز غير متناسق بشكل أساسي. وبينما كانت القوات الروسية غير متأكدة من أهدافها في أوكرانيا وتنتظر الأوامر، كان الأوكرانيون يقاتلون من أجل وطنهم مستعدين لفعل كل ما يلزم لتحريره من الاحتلال.
من المتوقع أن تمتلك القوى العظمى التي تقاتل البلدان الأصغر احتياطات كافية من أجل مواجهة النكسات المبكرة. لكن بالنسبة إلى روسيا، فقد عرضت القيادة العسكرية الرديئة تلك الميزة الطبيعية للخطر. ونظراً لأن موسكو لم تهتم كثيراً بما إذا كان الأوكرانيون سيقاتلون وكيف سيفعلون ذلك، سرعان ما وجدت القوات الروسية نفسها تتكبد خسائر فادحة وأصبحت أنظمتها اللوجستية والقيادية ضعيفة بشكل تدريجي. وبعد شهر من الحرب أجبرت على الانسحاب من الشمال من أجل التركيز على العمليات في الشرق والجنوب. وكانت دونباس هي المنطقة التي اعتبرتها موسكو قلب النزاع، وبدا لفترة من الوقت أنه بينما ركزت القوات الروسية على السيطرة على المنطقة، باستخدام تكتيكات مألوفة إضافة إلى قصف مدفعي ثقيل يستنزف الدفاعات الأوكرانية، اكتسبت الأفضلية ربما. وعلى الرغم من أنه لم يتم غزو الأوكرانيين بالكامل، كانت هناك مخاوف في كييف وبين حلفائها الغربيين من أن الجهد الدفاعي سيتركهم مع قدرة غير كافية لشن هجمات مضادة خاصة بهم. ونتيجة لذلك، بدأ بعض المحللين الغربيين في التسويق لحجة الإنهاء المبكر للحرب من طريق التفاوض، وهو أمر من شأنه أن يؤدي إلى التنازل عن بعض الأراضي لروسيا مقابل السلام. لكن نادراً ما كانت تسمع أصوات مؤيدة لهذه الفكرة في أوكرانيا، إذ إن المعاملة الرديئة للأوكرانيين العالقين في الأراضي التي تحتلها روسيا واستعداد روسيا لقصف المناطق المدنية زادت تصميم الأوكرانيين على مواصلة القتال. في المقابل، لم يكن هناك عنصر “الفوز بالقلوب والعقول” في الحملة الروسية.
وما زاد من إصرار الحكومة الأوكرانية على مواصلة القتال، هو حقيقة أن جهودها الرامية إلى إقناع الدول الأخرى بتوفير أسلحة أكثر ملاءمة للهجوم المضاد بحلول شهر يونيو (حزيران) بدأت تؤتي ثمارها. وتكبدت القوات الأوكرانية خسائر فادحة في إبطائها التقدم الروسي، بيد أن الوقت الذي اكتسبته تلك المقاومة الشديدة كان كافياً للسماح بوصول مزيد من الأسلحة القوية من الغرب، بما في ذلك على وجه الخصوص نظام الراجمات الصاروخي العالي الحركة المعروف باسم “هيمارس” (HIMARS)، ولتدريب القوات الأوكرانية على استخدامها. بحلول ذلك الوقت، عندما كانت أوكرانيا تكتسب القدرة على ضرب أهداف على مسافات طويلة بدقة عالية، كانت القوات الروسية قد استهلكت بسرعة أو تهور كثيراً من مخزوناتها من الذخائر الدقيقة التوجيه. طوال شهر يوليو، تعرضت مستودعات الذخيرة الروسية ومراكز القيادة والمراكز اللوجستية وأنظمة الدفاع الجوي للقصف بشكل منتظم، ما أدى إلى تقويض قدرة روسيا على مواصلة هجماتها ومن ثم تمكين أوكرانيا من بدء هجومها الخاص، من أجل تحرير منطقة خيرسون في الجنوب. وبدا أن هذا الهجوم كان يحقق تقدماً بطيئاً ولكن ثابتاً عندما فوجئ الروس في أوائل سبتمبر، بهجوم أوكراني حازم سحق قواتهم المنتشرة بشكل ضئيل حول خاركيف وأدى إلى هزيمة القوات الروسية في 10 سبتمبر وإلى تراجع غير منظم. بعد ما يقرب من سبعة أشهر في الحرب، أصبح زمام المبادرة في يد أوكرانيا.
ولدت هذه الأحداث الأزمة التي سعى بوتين إلى معالجتها في بيانه الصادر في 21 سبتمبر. والأهم من ذلك كله، أن الأزمة جاءت كنتيجة مباشرة لقراره الأساسي بشن الحرب. ولكن كيف تسببت قراراته اللاحقة كقائد أعلى في تفاقم المأزق الذي تواجهه القوات الروسية الآن؟ لقد فعلت ذلك بأربع طرق.
الأخطاء تولد مزيداً من الأخطاء
الخطأ الأولي الذي ارتكبه بوتين هو أنه حين تبين إلى أي مدى تسير الحرب بشكل سيئ، لم يلجأ إلى الوسائل الدبلوماسية لكي يضع حداً لها ويظهر أنه نال بعض المكاسب مقابل كل الجهود المبذولة. في الواقع، في الأسابيع التي أعقبت بدء الغزو، لم يحرم بوتين من فرص إجراء مناقشات مع قادة العالم الآخرين. وفي الفترة الممتدة من فبراير إلى أبريل (نيسان)، أُجريت محادثات مباشرة بين وفدين من روسيا وأوكرانيا، بما في ذلك محادثات على مستوى وزراء الخارجية برعاية تركية. وقد تم إحراز بعض التقدم في الأفكار المتعلقة بالحياد الأوكراني في المستقبل مقابل ضمانات أمنية. لكن لم تحدد التفاصيل قط، وفشلت روسيا في إقناع الأوكرانيين بأن أي تنازلات من جانبهم ستؤدي إلى انسحاب روسي.
بعد كل ما حدث، بما في ذلك الفظائع الروسية في ضواحي العاصمة الأوكرانية، فإن قدرة كييف على الثقة في كلمة روسيا بشأن أي شيء، التي لم تكن كبيرة أصلاً، تبخرت تماماً. وبطريقة موازية، أدت أكاذيب بوتين المستمرة وإخفاؤه للأمور إلى تقويض مصداقيته أمام المحاورين الدوليين، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وما لا يقل أهمية عن ذلك، هو أن بوتين لم يستطع مطلقاً أن يجد طريقة لتقديم تنازلات ملموسة خاصة به، لأن قبوله بأقل مما طالب به في الأصل يعني الاعتراف بنوع من الهزيمة. في الصيف، حينما كان من الممكن أن تتعاطف العواصم الغربية مع اقتراح الكرملين وقف إطلاق النار، لم تقدم روسيا قط اقتراحاً من هذا القبيل لأنها لم تكن قد تمكنت من السيطرة على دونباس بالكامل بعد.
ثانياً، أخطأ بوتين في تقدير النفوذ الذي يمكن أن يحصل عليه من النفط والغاز الروسي، إذ راهن بشدة على أن أزمة الطاقة التي أحدثها، من خلال قطع إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ستقنع الحكومات الغربية بممارسة مزيد من الضغط على كييف من أجل تقديم تنازلات، كما ستقنعها بالتوقف عن دعم أوكرانيا عسكرياً. ونجم عن قطع إمدادات الغاز هذا آثار وخيمة على الاقتصادات الأوروبية، تجلت في نقص الطاقة وزيادة التضخم، بيد أن النتائج كانت عكسية من الناحية السياسية. لم ترتفع أصوات الأوروبيين من أجل المطالبة بالتخلي عن أوكرانيا بغية تخفيف المعاناة الاقتصادية. عوضاً عن ذلك، بذل القادة الأوروبيون جهوداً هائلة لتقليل اعتمادهم على الغاز الروسي، بالتالي أفقدوا روسيا سوقاً حيوية على المدى البعيد.
ثالثاً، بعد فشل هجوم كييف الأولي، صب بوتين تركيزه على المكاسب الإقليمية في دونباس. كانت الحملة في الشرق أكثر منطقية من الناحية السياسية ويمكن تنفيذها بطريقة مدروسة ومنهجية. لكنها كانت تعني أيضاً تركيز الموارد الروسية المتاحة على ما أصبح الآن جزءاً ضيقاً من خط مواجهة طويل جداً، وتكبُّد خسائر كبيرة من أجل تحقيق مكاسب متواضعة. في غضون ذلك، واصلت القوات الروسية التقليل من شأن الأوكرانيين. ومع تحسن القدرات الأوكرانية، أصبحت نقاط الضعف الروسية مكشوفة، سواء من ناحية الأصول الحيوية التي لا يمكن حمايتها بشكل صحيح مثل مستودعات الذخيرة، أو عدد المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية التي صار الدفاع عنها ضئيلاً. كانت موسكو تفتقر إلى الاحتياطات من أجل تعزيز الدفاعات في كل من المنطقتين في شمال دونباس وجنوبها، أي خاركيف وخيرسون على التوالي، وبما أنها اختارت الدفاع عن خيرسون لأن أوكرانيا لم تبذل أي جهد لإخفاء هجومها المقبل، فقد تُركت القوات الروسية مكشوفة في خاركيف.
لقد سلطت دفاعات روسيا غير الملائمة والفقيرة الضوء على المشكلة الرابعة التي سببتها خيارات بوتين. وبما أن الغزو صمم ليكون عملية محدودة وسريعة كما كان يأمل بوتين، فهو لم يكن مصحوباً بتعبئة كاملة، بل لم يعتبر حرباً. وهذا يعني أنه منذ البداية لم يكن لدى روسيا عدد كاف من المشاة، وبمرور الوقت أدت الخسائر الفادحة في جميع الأقسام إلى تفاقم الوضع سواء من الناحية الكمية أو النوعية. وبدلاً من الاعتراف بالصعوبات، شجع بوتين الجهود المبذولة من أجل العثور على مجندين جدد في أي مكان يمكن العثور عليهم فيه، باستخدام وسائل مختلفة لرشوتهم واستدراجهم وإجبارهم على الخدمة. وهكذا، تلقى عدد من المنتمين فعلياً إلى السلك العسكري، على سبيل المثال القوات البحرية، أوامر تنفيذ أدوار لم يخضعوا لأي تدريب على القيام بها. وبطريقة موازية، فإن مجموعة “فاغنر”، وهي جماعة المرتزقة الروسية ذات العلاقات الوثيقة بالكرملين التي استخدمت الصراع من أجل بناء قاعدة قوتها الخاصة، عرضت على السجناء طريقة للتخلص من عقوباتهم من خلال التطوع في القتال على الجبهة. بالتالي، زادت صعوبة إدارة العمليات المعقدة لأن الوحدات المقاتلة أصبحت غير متماسكة ومؤلفة من مجموعات ضعيفة التدريب ولم تعمل معاً من قبل. وتُرجمت تلك النقائص في قدرة أوكرانيا على التحرك بسرعة أكبر حتى، وفي كثير من الأحيان في ظل مقاومة روسية ضئيلة، عندما شنت هجومها في خاركيف في سبتمبر.
الطريق نحو الخسارة
يسعى بوتين إلى معالجة النقص المزمن في القوى البشرية من خلال تعبئة فئة واسعة جداً من الرجال، بغض النظر عن خبرتهم العسكرية الفعلية وأدوارهم المهنية. ويتمثل الهدف الأولي بـ 300 ألف جندي إضافي، على الرغم من أن العدد النهائي قد يكون أعلى من ذلك بكثير. والجدير بالذكر أن تسريع إرسالهم إلى الخدمة من دون المعدات المناسبة (مع اقتراب فصل الشتاء) والأدوات والتدريب والضباط القادرين على قيادتهم، يخاطر بوقوع مجزرة في المعركة ورد فعل عنيف في الوطن. وفي الوقت نفسه، يمنع مرسوم بوتين أيضاً مغادرة أولئك الموجودين بالفعل في الخطوط الأمامية بعقود قصيرة الأجل. وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم مشكلات نقص المعنويات العالية والانضباط التي عانى منها الجانب الروسي منذ البداية.
وتجدر الإشارة إلى أن أولئك الذين يخشون من تحركات روسيا في المستقبل يرددون العبارة الشائعة بأن خسارة بوتين أمر مستحيل، ولكن في الواقع هزيمته ممكنة وقد تحصل. وقد أدت به سلسلة من القرارات الرهيبة إلى تقويض مكانة روسيا الدولية وآفاقها الاقتصادية، وتحطيم سمعة الاتحاد الروسي كقوة عسكرية جدية، والفشل في أهم مجازفة في حياته المهنية. وكما هي الحال مع جميع الحروب، فإن المسار المستقبلي لهذه الحرب ستكون له جوانب لا يمكن التنبؤ بها، لكن أوكرانيا، باستراتيجية واضحة، وأسلحة أفضل، وقوات ملتزمة، استولت على زمام المبادرة. والتعبئة التي أعلن عنها بوتين لن تغير هذا الوضع، كما أن استخدام الأسلحة النووية سيجعل من الوضع السيئ كارثياً. إذاً فهو في طريقه إلى الخسارة، وبالنظر إلى الآلاف من الأرواح التي ضُحي بها فعلاً، فإنه يستحق هذه الهزيمة تماماً.
لورنس فريدمان أستاذ فخري في دراسات الحروب في كينغز كوليدج لندن، ومؤلف كتاب “القيادة: سياسة العمليات العسكرية من كوريا إلى أوكرانيا.”
عن فورين أفيرز، 23 سبتمبر 2022
المصدر: اندبندنت عربية