عن دار موزاييك للدراسات والنشر في اسطنبول صدرت رواية رماد الذاكرة للكاتب السوري محمد السلطان. هذا أول عمل أدبي أقرأه له.
تعتمد رواية رماد الذاكرة على حضور الكاتب بصفته السارد والمتابع للحدث الروائي.
تبدأ الرواية من لحظة معاشة دون مقدمات لما قبلها. وكأنّ ما قبلها أحداث يعرفها بالبديهة القارئ والمتابع.
علي الشاب الإدلبي العربي الذي يسكن مع أمه وجدّه في عين عرب – كوباني – منذ زمن بعيد، يعمل في متجر عند تاجر كردي، والزمان في عام ٢٠١٣م وما يليها، حيث تهيمن على المدينة قوات وحدات حماية الشعب الكردية، ال ب ي د وتفرعاتها، والأجواء العامة متوترة حيث كانت قد ظهر تنظيم الدولة بعملياته وما صاحبها من مأساة على حياة الناس، وبدأت تجتاح العراق وسوريا وهي على تخوم الرقة وقريبا قد تجتاح عين العرب…
من البداية… ما لم تقله الرواية:
لقد قامت الثورة السورية على إثر الربيع العربي في ربيع ٢٠١١م، تحركت كل البلدات والمدن السورية في تظاهرات سلمية مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة والمشاركة السياسية. النظام لم يقبل هذا الحراك ورفض الاستجابة لمطالب الشعب الثائر، واجه الحراك السلمي بالعنف المسلح. عامل كل منطقة وفق بنيتها المجتمعية. وكان أسلوبه في مناطق الشمال والشمال الشرقي السوري حيث يتواجد الأكراد بصفتهم أحد مكونات الشعب السوري، واجه المتظاهرين بالعنف ذاته، ومن ثم استحضر عناصر حزب العمال الكردستاني الذين كان قد طردهم الى جبال العراق والبعض اختفى كخلايا نائمة، اعطاهم صلاحيات السلطة السورية هناك، سلمهم السلاح والمال وتركهم يسيطرون على الارض وينكلون بالمتظاهرين و الاحزاب الكردية الاخرى. وسرعان ما زادت قوتهم عندما اعتمدهم التحالف الدولي بقيادة الأمريكان، الذي تشكل ضد تنظيم الدولة الإسلامية التي ولدت في العراق وتمددت إلى سوريا. عند ذلك توسعت طموحات ال ب ي د واصبح يفكر بدولته الكردية المنفصلة عن سوريا، أعلنها واسماها روج آفا. وزاد توسعهم بحيث ضموا إليهم بعض العرب وسموا أنفسهم قوات سورية الديمقراطية لكن البنية الأساسية فيها هي للأكراد ال ب ي د الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني.
في هذا المناخ وضمن هذه الأجواء تتحدث الرواية عن عين العرب التي يسيطر عليها ال ب ي د ، قوات سوريا الديمقراطية، والتي تدعمها أمريكا وحلفاؤها. والتي تحسب حساب تنظيم الدولة الاسلامية الذي أعاد الهيمنة على أغلب البلاد التي حررها الجيش الحر من سيطرة النظام في سنوات الثورة السورية الاولى.
نعود للرواية:
علي العربي هو وعائلته لم يغادروا عين عرب الى ادلب بلدهم الأصلي وارتضوا أن يستمروا بالعيش بين أكراد عين عرب و يصيبهم ما يصيب الجميع. كان علي يعمل عند أحد التجار بائعا بعدما يئس من يحصل على وظيفة لدى الدولة كمدرس للغة العربية فهو يحمل الشهادة العالية في اللغة العربية، عمل في المتجر، المهم أن يؤمن لقمة العيش، في الحارة حيث يعمل توجد فتاة كردية، رآها ورأته وتعلق هواه فيها، وهي بادلته الحب بعد ذلك. لكن البنية المجتمعية لا تقبل التزاوج بين العرب والأكراد، لكن للقلب قوانينه واحكامه. علي استمر وفيا لحبه، وكذلك الفتاة، عاشوا حالة حب فيها الشوق واللوعة والمغامرة والتحدي. كانوا خارج معادلة الواقع وخوف الناس من تقدم تنظيم الدولة الإسلامية و احتمال اجتياح عين العرب. وكذلك تعدي قوات سورية الديمقراطية من قبل قياداتها وعناصرها الكردية التي تختطف الشباب والصبايا وتلحقهم في دورات تدريبية ومن ثم زجهم في معارك الموت في مواجهة تنظيم الدولة. كان الناس يعيشون الخوف المزدوج من تنظيم الدولة ومن ال ب ي د المهيمنة على الأرض. وبدأوا عملية هروب شبه جماعي من عين العرب خوفا من القادم الأسوأ…
خطط علي لترحيل والدته وجدّه خارج عين العرب وارسالهم الى ادلب بلدهم. وفي أثناء ذلك يكتشف أن هناك من يستثمر هذه الحرب ويحولها لتجارة بدماء وحياة الناس. هناك شبكات لتهريب البشر بين المتقاتلين، يتقاسمون الغنيمة، وهناك خطف للفتيات سواء للابتزاز المالي من اهاليهم لكي لا يرسلونهم الى العمل العسكري أو للإساءة الجسدية الذي قد يصل للزنى. واكتشف علي ان هناك تجارة أعضاء حيث يستأصل عضو مثل الكلية مقابل خدمة ما، كما فعل علي عندما تخلى عن كليته لإنقاذ حبيبته وتهريبها الى تركيا. الحالة تزداد سوء عائلة علي تهرب الى ادلب وعائلة حبيبته تهرب إلى تركيا والثمن كليته. الشباب يضيع في غمرة هذه الحرب التي أطاحت بالكل. بعض اصدقائه التحقوا بتنظيم الدولة وشاركوا أعمالها الوحشية، والبعض التحق بال ب ي د وقسد ليكون في معسكر الانفصاليين الأكراد ويمارسوا ظلمهم وليموتوا جميعهم او أغلبهم في معارك الآخرين المنتفعين من هذه الحرب. يقبض تنظيم الدولة على علي عندما يهاجم عين العرب ويسيطر عليها، حيث كان مازال يُعالج من عملية استئصال كليته. عين العرب التي تدخّل التحالف الدولي بقيادة أمريكا لينقذها من احتلال تنظيم الدولة. حصل ذلك بعد أن احتلت تنظيم الدولة الرقة وجعلها عاصمة خلافته. لم يتمكن تنظيم الدولة من احتلال عين العرب وبدأ ينهزم أمام الغرب بقيادة أمريكا. وبدأ ينحسر تنظيم الدولة بدء من عام ٢٠١٥م.
علي وقع في أسر تنظيم الدولة ساعده أصدقاء له كانوا قد التحقوا بالتنظيم وساعدوه على الهرب من قبضته على ان يعود الى ادلب ملتحقا بأهله، ليلتحق بعد ذلك بحبيبته في تركيا. لكن سائقا يعمل في نقل المحروقات بين الأطراف المتصارعة، صعد علي معه للوصول إلى إدلب، وأمّن له وحدثه عن حاله. كان السائق يعمل مخبرا لدى احد الأجهزة الأمنية السورية، فأخذه الى حلب التي كانت تحت سيطرة النظام بدل إدلب وسلمه للأمن العسكري هناك. ليقع ضحية اعتقال و تعذيب ووحشية لا مثيل لها. المعتقل المستباح جسدا وروحا. التعذيب والتفنن بالتعذيب، القتل كهواية، التجويع، الخنق، الحرق، التغريق، اغتصاب النساء، تقطيع الأعضاء، كل ذلك عايشه علي ومن معه، وكان قدره أن يُقتل في لعبة بين سجانين. لم يكن التحقيق مهما لذاته، كان الظاهر أن الهدف هو قتل المعتقل كل معتقل ومهما كان سبب اعتقاله، ظهر الحقد الطائفي لدى ضباط النظام وعناصره على الشعب السوري وكأنهم أعداءهم الذي يجب أن يُستأصلوا. لم يهتموا بما لدى علي وما قال، طالبوه أن يقول ما لم يفعله. ومزيد من التعذيب الذي لا مثيل له على الإطلاق بحيث يعجز العقل عن فهم المغزى من ذلك سوى أن هناك أوامر من السلطات العليا باستباحة كل الناس وهدر كرامتهم وحياتهم، دون محاسبة أو أي تبعات جنائية تطالهم ولو بعد حين.
عند هذا المفصل في الرواية وفعل النظام ووحشيته، نعرف ان أُس بلاء سوريا والسوريين هو النظام السوري المستبد الطائفي الوحشي القاتل.
تتابع الرواية سرد تطور أحوال شخصيات الرواية. علي يموت قتلا في المعتقل ويخرج أحد المعتقلين ليوصل خبر مقتله لأمه التي كانت تنتظر حضوره، ليحضر خبر مقتله، وتموت من المفاجأة . اما حبيته فقد قررت ان تتابع دراستها حيث وصلت الى تركيا، وتزوجت بعد ذلك طبيب كان يعالج المصابين في عين عرب وكان يخدم أحد قيادات ال ب ي د في استئصال الأعضاء لبيعها تحت تهديده بالقتل هو عائلته. كان صديقا وفيا لعلي. تزوج من حبيبته بعد التأكد من موته وانجب طفلا …
تنتهي الرواية عام ٢٠١٨م حيث كانت قد اندحر تنظيم الدولة ولكن أغلب الناس كانوا قد غادروا بلادهم هاربين في كل الدنيا.
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها اقول:
نحن أمام رواية أخرى ترصد تبعات ما حصل من عنف وقتل وتدخلات اقليمية ودولية في منطقة عين العرب والجزيرة والشمال السوري في السنوات الأولى للثورة السورية، نظام طائفي قمعي مستبد يتوحش بحق الشعب، ويستدعي حلفاؤه الإيرانيين والميليشيات الطائفية حزب الله اللبناني والعراقيين والأفغان وغيرهم. وكذلك روسيا بآلتها العسكرية التدميرية التي دمرت المدن وقتلت أهلها وهجّرتهم. وكذلك أمريكا التي حضرت مع الغرب، غضت الطرف عن النظام السوري وأفعاله، قاتلت تنظيم الدولة ودعمت القوى الانفصالية الكردية ال ب ي د جناح حزب العمال الكردستاني في سوريا التي هي عصب قوات سورية الديمقراطية، سيطرت على شرق وشمال شرق سوريا. احتكرت النفط والمناطق الزراعية الخصبة في الجزيرة والشمال السوري.
لقد ورثنا سوريا محتلة من دول عدة، مئات الآلاف الضحايا ومثلهم مصابين ومعاقين، ملايين السوريين اللاجئين داخل سورية وخارجها، وما تبقى من الشعب السوري في الداخل في مناطق سيطرة الأطراف كلها يعيش حياة الفقر و الذل والفاقة.
كما أن الرواية تمس مشكلة التنوع العرقي السوري في موضوع العرب والكرد في سوريا، وأن المطلوب هو العودة لمفهوم المواطنة المتساوية لكل السوريين بغض النظر عن العرق والدين والطائفة. لنبني دولة الشعب السوري الواحد المتساوي أمام القانون والدستور. في دولة عادلة.