هل يمكن اعتبار التعاون الوثيق بين روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية تحالفاً ضد الولايات المتحدة الأميركية والغرب؟ وهل ما يجمع قادة تلك الديكتاتوريات الأربع أكثر مما يفرقهم؟ والسؤال الأساسي هنا، أبعد من التوصيف، ومما يقوله الأطراف عن تعاونهم هو: هل ستنتج العلاقة بين هذه الدول الأربع تعاوناً حقيقياً كافياً لتغيير المشهد الاستراتيجي العالمي؟
برنامج “عاصمة القرار” على قناة “الحرة”، طرح هذا الموضوع على ضيوفه: إدوارد جوزيف، الأستاذ في “جامعة جونز هوبكنز” الأميركية في واشنطن، وعلى مايكل سوبوليك، الباحث في “المجلس الأميركي للسياسة الخارجية” في واشنطن، كما شارك في جزء من الحوار من موسكو الخبير الروسي ستانيسلاف بيشوك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو.
“لا نصف تحالف الصين وروسيا وإيران على أنه محور جديد”. يقول جون كيربي، منسق التواصل الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي الأميركي. ويضيف “تعي روسيا أنه تم عزلها نتيجة ما تقوم به في أوكرانيا، لذلك تتجه إلى الدول القليلة التي يمكنها التوجه إليها طلبا للمساعدة. التوجه إلى إيران ليس مؤشرا فقط على مدى عزلة روسيا، ولكن أيضا على مدى كون إيران تقوم بعزل نفسها عن المجتمع الدولي، من خلال توفير قدرات عسكرية لروسيا”.
يعتقد إدوارد جوزيف أن هناك ثمة “تحالف والتقاء بين روسيا والصين في المواقف المعادية لأميركا والغرب. لكن هناك اختلافات رئيسية بينهما في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، وموقف الصين الأول هو حماية السيادة الوطنية. فالحرب سيئة لعلاقات الصين مع الدول الأخرى ، والغزو الروسي لأوكرانيا أغضب الصين”.
في المقابل، يقول مايكل سوبوليك إن روسيا والصين تحدثتا عن شراكتهما غير المحدودة. نعرف أن الصين لم تقدم الأسلحة إلى روسيا، ولكن هناك تدريبات مشتركة وتعاونا مشتركا وبيعا وشراء للنفط بالعملة المحلية”.
ويضيف الباحث الأميركي “أننا سنكون سذجا إن لم نرى أهمية هذا التموضع بين روسيا والصين حاليا. طبعا هناك اختلافات تاريخية، لكن الدولتين تريدان مواجهة النفوذ الأميركي العالمي”.
من جهته، يشكك الخبير الروسي، ستانيسلاف بيشوك، بنشوء هكذا تحالف بين روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، لآن ” لكل دولة سياستها ووضعها وعلاقاتها مع بعضها ومع الغرب، فهذا التحالف يؤثر سلباً على إيران والصين، فلا يمكن للصين أن تجبر شركاتها على وقف التجارة مع الولايات المتحدة للمتاجرة مع روسيا مثلاً”.
هل لبايدن استراتيجية واحدة تجاه الصين وروسيا وإيران؟
يقول سيث كروبسي، نائب وكيل وزارة البحرية الأميركية سابقاً، إن “إدارة بايدن شددت سياستها تجاه الصين وروسيا، لكنها لا تزال تسعى للتوافق مع إيران رغم تواطئ طهران مع بكين وموسكو”.
ويعتبر الكاتب الأميركي، ريتشارد هاس، أن واشنطن “أمام لحظة تاريخية قد تكون هي الأخطر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”. فواشنطن ” تواجه تهديدات عدة أبرزها عودة الطموحات الإمبريالية ممثلة بسعي بوتين إلى توسيع نفوذ روسيا، ورغبة الصين في الهيمنة الإقليمية وربما الدولية، مما سيضعها في مواجهة مع الولايات المتحدة، كما أن تنامي قدرة إيران على خلق مزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط “، برأي ريتشارد هاس.
فيما يعتقد الباحث الأميركي هال براندس أن “الصين وروسيا وإيران تتآمر على الولايات المتحدة” ويضيف أن “خصوم أميركا يتعاونون في ما بينهم بما يكفي لتغيير الخارطة الجيوستراتيجية ، وذلك من خلال دعم أنظمة دكتاتورية في آسيا والشرق الأوسط، ومساعدة بعضهم البعض على تفادي العقوبات الدولية، وإضعاف حقوق الإنسان في العالم وتسوية خلافاتهم للتركيز على العدو الأميركي المشترك”.
ويخلص براندس إلى أن “بكين وموسكو وطهران تعي أن بإمكانها وضع واشنطن تحت الضغط من خلال فتح جبهات عدة في وقت واحد”.
ويقول الكاتب في واشنطن بوست جوش روغين إن “بوتين يجتهد في بناء محور جديد يجمع روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، لتكوين كتلة كبيرة من الدكتاتوريات في مواجهة الغرب الذي تقلل دوله من شأن هذا المحور” . وفيما يشكك جوش روغين بإمكانية قيام هذا المحور “لعدم وثوق الدكتاتوريين ببعضهم”.، يدعو “الولايات المتحدة والدول الغربية إلى تكثيف تعاونها والتوصل إلى استراتيجيات عسكرية ودبلوماسية واقتصادية جديدة ومبتكرة لمكافحة التعاون المتزايد بين المستبدين”.
روسيا “دولة راعية للإرهاب”… بين رفض بايدن وإصرار الكونغرس
يتزامن تعزيز التقارب بين روسيا والصين وإيران مع جدال بين الكونغرس الأميركي والرئيس جو بايدن حول تصنيف روسيا كـ”دولة راعية للإرهاب” من جراء غزوها لأوكرانيا. حيت يصر بايدن على رفض التصنيف، ويصر أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على إصدار تشريع يقنن تصنيف روسيا هذا.
يقول السناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنثال إن “شراء روسيا أسلحة فتاكة ومسيرات وأسلحة مدفعية من دول منبوذة وراعية للإرهاب مثل إيران وكوريا الشمالية يظهر لماذا تستحق روسيا بجدارة نفس التوصيف كما يدعم ذلك مجلس الشيوخ. على الإدارة أن تتحرك باتجاه تسمية روسيا كدولة راعية للإرهاب”. فيما تدعو النائبة الجمهورية آن واغنر وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى “الاستمرار في معاقبة بوتين وروسيا على وحشية غزوهما أوكرانيا وجرائم الحرب المحتملة التي يقومان بها. أحثكم على منع دخول أي مسؤول روسي إلى الأراضي الأميركية”.
من جهتها، تقول المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيار:”لا نعتقد أن تصنيف روسيا كدولة راعية للإرهاب أفضل وسيلة لمحاسبتها. تصنيف من هذا النوع ستكون له تبعات غير مرجوة على أوكرانيا والعالم. ويمكن أن يقوض هذا التصنيف قدرتنا على دعم أوكرانيا على طاولة المفاوضات”.
العودة للاتفاق النووي.. في مصلحة الغرب أم الصين وروسيا؟
يرى الكاتب الأميركي كريغ سينغلتون أن أي اتفاق جديد مع إيران بشأن برنامجها النووي “سيُنهي تحفظ الصين على تعزيز التبادلات التجارية مع إيران خشية العقوبات الغربية، وقد تجمع الطرفين استثمارات بقطاعات مهمة مثل الغاز، وقد تستفيد إيران من تطوير شبكة الاتصالات والحصول على تكنولوجيا المراقبة الصينية، مما يعني مزيدا من القمع لملايين الإيرانيين. أضف إلى ذلك أن الاتفاق سيوفر عائدات مالية كبيرة يمكن لإيران إنفاقها على وكلائها في المنطقة”.
بينما يناشد 50 نائبا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري الرئيس بايدن “ألا يسمح بأن تكون روسيا هي من يخزن اليورانيوم الإيراني المخصب، وألا يكون لروسيا الحق في أن تقوم بأنشطة نووية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بما في ذلك مشروع توسيع البنية التحتية النووية الإيرانية بقيمة عشر مليارات دولار أميركي، لا ينبغي أن نسمح لمجرم الحرب بوتين بأن يكون هو الضامن لاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، أو أن يحتفظ باليورانيوم الإيراني المخصب”. ويضيف المشرعون الأميركيون أن “إيران عرضت مساعدة روسيا في التهرب من العقوبات من خلال شبكة تمويلها غير الشرعية في العالم”.
يعتقد مايكل سوبوليك أن الصين وروسيا وإيران تتعاون مع بعضها بشكل كبير. وأن “إدارة بايدن مخطئة في محاولة الانخراط مع إيران بشأن الملف النووي وبالتالي العودة إلى الاتفاق مع دولة لا يمكن بناء السلام معها. ولا يمكن أن ننسى أن هذه الدول تريد القضاء على النفوذ الأميركي في العالم”.
لا يوافق إدوارد جوزيف على توصيف مايكل سبوليك، ويقول إن “إدارة بايدن تحاول العودة إلى الاتفاق النووي لكن ليس بطريقة متهورة. في النهاية الحل الوحيد لمنع حصول إيران على سلاح نووي هو في تحالف غربي قوي وهذا ما تبنيه إدارة بايدن . لدينا حلفاء والاتحاد الأوروبي معنا لتطبيق حزمة عقوبات قوية ضد إيران”.
من جهته، يقول السِناتور الجمهوري جيم ريش :”بينما تواصل إدارة بايدن السعي وراء اتفاق بشأن برنامج إيران النووي لا يستجيب لمصالح الأمن القومي الأميركي، تسهل إيران اعتداء بوتين على أوكرانيا من خلال المسيرات. إن تخفيف العقوبات عن إيران لن يساهم سوى في تزايد الإرهاب الإيراني ومزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط”.
فهل يجعل إحياء الاتفاق النووي إيران أقرب إلى روسيا والصين وليس إلى أميركا والغرب؟. إن تزايد التعاون بين الصين وروسيا وإيران قد يقوض سعي واشنطن إلى معاقبة روسيا على غزو أوكرانيا، وإحياء الاتفاق بشأن برنامج إيران النووي. لا تجمع بين هذه الدول قيم مشتركة، بل رغبة في تحدي واشنطن والنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
المصدر: الحرة. نت