تشاء الصدفة في هذا الصباح المكفهر الذي لا تظهر فيه الشمس التي تحجبها السحب السوداء ، والتي تتمنع ان تسقط خيرا على الارض ، تشاء ان تسقط على صفحتي هذه خبرين كريهين ، في عصرنا ، عن اخراج استاذين من جامعة دمشق _ كلية الاقتصاد ، بسبب محاضرتين قدماهما مدعوين من قبل جهتين رسميتين في صلب اختصاصهما وواجباتهما العلمية والوطنية : الثانية ، بالتاريخ ، وهي محاضرة الزميل الدكتور زياد زنبوعة التي القاها بدعوة من غرفة تجارة دمشق في مقر الغرفة تحت عنوان ” الطبقة الوسطى من وجهة نظر اقتصادية_تداعيات الازمة ” ، والتي قرأت الان القرار القضائي الخاص بها الصادر بناء على إحالة من رئيس جامعة دمشق للمحاضر الى القضاء يطلب اخراجه من الجامعة بتهمة ” الاستهزاء من الخطوات التي تقوم بها الدولة منذ بداية الازمة في مجال الاصلاح السياسي والاقتصادي ” ؛ اما الاولى ، بالتاريخ ، والتي يذكرني بها الفبسبوك هذا الصباح ، فكانت مقالي المنشور هنا منذ عام حول محاضرتي التي كان مرسوما ان القيها في المركز الثقافي بالمزة تحت عنوان ” عجز الموازنة وسبل مواجهته ” ، وقصة الامر بإغلاق المركز الثقافي لإلغاء المحاضرة ، والتي كانت احدى المقدمات الفكرية الكثيرة لصرفي من الخدمة وتجريدي من كل حقوقي المادية والمدنية( بعد ٢٥ عاما استاذا جامعيا في الاقتصاد في جامعتي حلب ودمشق ) والذي صدر قراره بعد القائي محاضرة تحت عنوان ” التنمية وحقوق المواطن الاقتصادية في الدستور ” ، بدعوة مما يسمى ” اتحاد الكتاب العرب ” في مكتبه بالمزة _ دمشق ، ثم ، وبعد اشهر ، عدت وقدمتها ، موسعة ومعمقة ، في برنامج ” ندوة الثلاثاء ” بالمركز الثقافي بالمزة !
المحاضرتان في الاقتصاد ومن قبل استاذين جامعيين في الاقتصاد ، والتهمة هي نفسها ” الاساءة الى سمعة الدولة !!!” ، ونسأل ، انطلاقا من اخبار صراعات مافيات السلطة التي صرفتنا من الخدمة التي تجري كالنار في هشيم وسائل التواصل الاجتماعي نقلا عما يقوله رجال السلطة بلسانهم عن فسادهم هذه الايام ، فهل هناك في سورية من يحيل مسؤولي السلطة الكبار وحواشيهم الى القضاء , ليس بناء على اتهامات من ” مغرضين يسيؤون الى الدولة” ، بل بناء على اعترافاتهم المتبادلة على الشاشات بإساءات للدولة والشعب لها اول وليس لها اخر ، ويندر لها مثيل في التاريخ العالمي ، واكثر من ذلك ، باعتبارها لم تبقى محصورة في الكلام بل اودت عمليا الى تدمير الدولة بكاملها ومسحها وشعبها من الوجود ، بسبب ما يعترفون به ، بعضمة السنتهم ، من ارتكابات اين منها اتهامات ” المغرضين “المتواضعة؟
ترى اذا لم يكن في سورية قضاء يحق الحق ، واذا كان الدستور الواقعي المعمول به هو معكوس الدستور المكتوب الذي اصدروه بنفسهم ، كما اثبت في محاضرتي عن الدستور ، و الذي فشلت في ان اشتري من اي مكتبة في دمشق نسخة منه عندما كنت اعد محاضرتي عنه ، لانه كان ممنوعا من الطبع والتداول ، حتى اعارني صديق نسخة من مكتبته ، اذا كان ذلك كذلك ، فاي قضاء ، ومتى ، سيبت في احقاق الحق بشأن مرتكبي الارتكابات المهولة في حق الدولة والشعب ، ام انه سيبقى فعل” العقاب الالهي الحتمي ” ، كما يقولون لبعضهم علنا ؟؟؟
في مايلي صورتان : الاولى ،صورة المقال الذي كتبته سابقا هنا ، والذي يستعيده الفيسبوك اليوم ،
والثانية صورة قرار اخراج د زياد زنبوعة من جامعة دمشق ، والذي علمت به هذا الصباح ، بعد ثلاث سنوات من صدوره .
بين الواقعتين اختلاف بسيط لابد من الاشارة اليه ، رغم انه شكلي وتافه جدا بالنسبة لجوهر الموضوع ، وهو ان إبعاد الدكتور زنبوعة جرى بقرار من لجنة التأديب في الجامعة بعد رفع القضية لها بإحالة من رئيس الجامعة نفسه ، الذي يفترض انه اول من يدافع عن استاذ في جامعته على راي يقوله ، والذي يحصنه قانون تنظيم الجامعات ، وهو يمارس اختصاصه وبدافع الواجب والضمير والحرص على مصير الدولة ( والدولة شيء والسلطة شيء اخر ، بل في واقعنا هي نقيض الدولة !) ، اما بشأن اخراجي من الجامعة فلم يضيعوا الوقت بانتظار احالته الى لجنة تأديب جامعية طبقا لقانون تنظيم الجامعات ، وانما تم بشحطة قلم من رئيس وزراء اتهمته سلطته نفسها لاحقا ، كما يدينون ويتهمون انفسهم وبعضهم هذه الايام ، بارتكابات مهولة ، وقبيل تهديده بإحالته للقضاء ، والذي تبعه فورا الاعلان عن ” انتحاره بثلاث رصاصات !” . ويبقى ان نشير هنا الى ان جميع قرارات الصرف من الخدمة غير قابلة للتقاضي والنقض !
١_صورة مقالي السابق الذي يذكرني به الفيسبوك اليوم:
نشرت على “موقع الصناعي السوري”، تعليقا حول تعليق لاحد الاقتصاديين بخصوص “السياسات المدمرة للصناعة الوطنية”، ما يلي :
ياما حكينا، ليس فقط عن دور السياسات والادارات الاقتصادية والمالية الفاسدة المدارة من قبل المخربين، ” الرفيعي المستوى” ، وليس فقط في تدمير الصناعة الوطنية ، بل و في تدمير الوطن “بشكل مخطط هادف وواع “، والذي تحقق حتى الان” بنجاح منقطع النظير” يستحق جائزة كونية على “المهارة في تخريب الأوطان” بيد القائمين القاعدين عليها، قبل وبعد وصول اعدائها، وبتخطيط مشترك معهم !
وعلى سبيل المثال، وليس الحصر، انظر : محاضرتي في ندوة الثلاثاء الأقتصادي في اواسط التسعينات “عجز الموازنة وسبل مواجهه”، المحاضرة المطبوعة في جمعية الاقتصاديين السوريين لتوزع ، كالعادة في كل محاضرة في برنامج الندوة ، على جمهور المهتمين الحضور ، والتي جاء امر من “الأعلى” لمديرة المركز الثقافي بالمزة بدمشق بإغلاق المركز وإخراج الجمهور من القاعة قبل 15دقيقة من بدء المحاضرة في الساعة السادسة! وقد ادهشتني ، عند وصولي للمركز قبيل السادسة ، رؤية جمهور المهتمين مجتمعين في الساحة الخارجية، والذين طالبوني _جكارة _ بالقاء المحاضرة في الهواء الطلق !!! ولربما لو حصل ذلك لكان باكورة براعم ربيع دمشق الزاهر ، ولكني اختصرت الأمر بتوزيع النسخ العشر التي كنت أحملها على بعض القادمين من مدن أخرى، ولتنشر الفقرات ال 14 للمحاضرة ذات الصفحات الأربعين، تقسيطا، في صحيفة محلية غير حكومية، بعد أن لم يستطع وزراء المالية والاقتصاد ومستخدموهم الاوصياء تحمل شحنة التحاليل العلمية الناقدة والكاشفة ل “التخريجات والتحايلات” ( على الشعب، هنا، وليس على الله جل جلاله، كما في المصطلح الفقهي الشهير !) في المنهجية الفريدة من نوعها في تنظيم الميزانيات الحكومية، والفضائح في الإدارة الاقتصادية _المالية العامة ، المتآمرة الاخطر على التنمية الاقتصادية وعلى مصالح الوطن والمواطنين المستضعفين المجردين من الحقوق في سوريا.
ولعلها كانت المرة الوحيدة في تاريخ سورية التي تلغى بأمر رسمي، محاضرة علمية علنية كانت مدرجة في برنامج معلن مسبقا لجمعية مشهرة قانونا، وتقدم ضمن جدران مركز ثقافي حكومي ، يقدمها عميد لكلية الاقتصاد في جامعة دمشق، وهذا بدلا من الاستفادة من الفرصة وتحويلها إلى ندوة للحوار العقلاني المفتوح الهادي (لو كان هناك حدا أدنى من الحرص على المصلحة الوطنية لدى أصحاب الأمر بالغاء المحاضرة) بين المسؤولين وبين جمهور رفيع الوعي من آلمطلعين والمهتمين بالشان العام في إطار المنبر الوحيد في سورية للنقاش العام والعلني المفتوح، رغم الجو الخانق المحيط، وهو” ندوة الثلاثاء الاقتصادي ” التي كانت تعقدها كل ثلاثاء على مدى عدة أشهر كل سنة جمعية الاقتصاديين السوريين، الرسمية قانونا ، ولكن ،المحاصرة فكريا وماليا ، والتي أصبحت (تسللا!) المنبر الوحيد للحوار حول الخطأ والصواب في السياسات والممارسات في الشأن العام، وبالأخص، الاقتصادي _الاجتماعي ، وإيجاد المخرج من العطالة العامة والتردي والاختناق الشامل ، خدمة للاقتصاد الوطني والشعب والدولة السورية !
ويقولون :لم يكن هناك أي مبرر للربيع، للاحتجاج على اي شيء، وإنما كان هناك النعيم الطافح فقط !
٢_ صورة قرار اخراج د زياد زنبوعة من جامعة دمشق والذي صدر قبل ثلاث سنوات ، ولكني لم اطلع عليه إلا اليوم .
المصدر: صفحة الدكتور عارف دليلة