تحفر آليات الهندسة التركية خنادق عميقة في محيط نقاطها التي تشبه الجدار الناري الذي أُنشئ على كامل خطوط التماس من ريف حلب الغربي مروراً بريف إدلب الجنوبي وصولاً إلى شمالي حماة، في مشهد قد يكون ترسيخاً لوجود لن يتغيّر في القريب، وقد يكون تمهيداً لأي ظرف طارئ يهدّد هذا الوجود أو الموجودين ضمن النقاط التي تجاوز عددها الستين.
في إدلب وأرياف حلب وحماة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية، يجري حراك يوازي ما تعيشه أرياف حلب والرقة والحسكة الشمالية تناغماً مع قرع طبول الحرب التي تعتزم تركيا إطلاقها شمالي سوريا، ضمن ما تسميه تأمين الحدود مع سوريا من الجماعات التي تصنفها على قوائم الإرهاب.
الحراك في إدلب، على وقع التصعيد المتصاعد كل يوم أكثر من الذي قبله، لا تفسير واضحاً تبعاً لكل المصادر على الأرض، فتضارب المعلومات حول خندق عظيم يُحفر في عدة مناطق جنوبي إدلب، يُشبه إلى حد كبير تلك الخنادق التي حُفرت وتُحفر شرقي حلب، وفي تادف على سبيل المثال لا الحصر.
أحد التحليلات يقول إن هذه الأنفاق (التي يبلغ عمقها نحو ثلاثة أمتار بعرض أربعة تقريباً) يجري العمل عليها بشكل منفصل تمهيداً لوصلها ببعضها البعض، فتكون خط فصل وتأميناً نهائياً لأي محاولة تقدّم قد لا تكون النقاط التركية وحدها كافية حينذاك لردعها، وإن كان هناك مَن يؤكّد أن كل ما يحدث هو عبارة عن تأمين للنقاط التركية فحسب دون كامل خطوط المواجهة، وفق مبدأ التحصين منعاً لأي أسر أو صدام مباشر مع القوات التركية.
إدلب اليوم، إلى جانب ما تعايشه من تصعيد قد يكون تمهيدياً، مع حضور طائرات الاستطلاع الذي يكاد لا يغادر المنطقة، يُجري النظام السوري تدريبات قال إنّها مشروع تكتيكي عملياتي سوري ـ روسي مشترك بالذخيرة الحية.
ونشر إعلام النظام صوراً لتلك التدريبات يَظهر فيها سهيل الحسن وأمامه كامل خريطة سوريا، وبشكل مصغّر خريطة إدلب، مما يثير الكثير من التساؤلات حول أسباب هذا الإظهار رغم أن التدريبات جرت شرقي حلب، وفق غالبية المعلومات المتداولة.
وأشارت وسائل إعلام روسية، يوم السبت الفائت، إلى القوات الروسية أشرفت على تدريبات عسكرية في شمال شرقي سوريا، بهدف التصدي للعملية العسكرية التركية المرتقبة.
مع كل ما ذُكر آنفاً، تقول مصادر على الأرض إنّ تركيا بدأت بالفعل بزيادة ثلاث نقاط جديدة في منطقة تُوصف بالحسّاسة وشديدة القرب من مواقع النظام وحلفائه في سراقب شرقي إدلب، مما يزيد من حجم الثغرات التي بحاجة لتفسيرٍ يكون أقرب من التحليل، مع صمت الفاعلين على الأرض سواء عن جهل أو بناء على طلبٍ من الحكومة التركية.
والشيء بالشيء يُذكر، سرَت في جبل الزواية خلال الفترة الماضية، أحاديث عن لقاء جدي جمع ضباطاً أتراك مسؤولين عن النقاط في المنطقة برؤساء المجالس المحلية، دعوا فيها الأهالي للعودة إلى بيوتهم، مع سعي لتأمين أسباب الاستقرار والدعم للعائدين، فضلاً عن تعهدات بحماية المنطقة على الأقل من أي توغل بري.
لكن تبقى الخروقات خارج السيطرة كونها صادرة من الجهة المقابلة، وعلى ذكر الجهة المقابلة كان ضمن الطرح التركي للأهالي، ضرورة التعامل مع أي متغيّر قد يطرأ بشيء من العقلانية والهدوء تمهيداً للقبول لفتح ثلاثة معابر مع النظام عُرف منها (الترنبة – ميزناز)، وذلك لغايات متعددة كطريق للمساعدات عبر خطوط التماس وحركة تجارية مستقبلاً.
لا يتفق الجميع على أنّ الأمور تتجه نحو الهدوء بعد اللقاء والحديث عن عودة الأهالي والمعابر، فيقدم البعض نظرة مخالفة تماماً، ويرون أن ما يجري هو تحضير لمواجهة قد تتسع أكثر من جغرافية العملية التركية المرتقبة التي حُدّدت خطوطها بمدينتي تل رفعت ومنبج شمالي وشرقي حلب، فهنا قد تسير الأمور بما لا يشتهي العازمون، وقد يلجأ المتضرر لخلق جبهات إشغالية، قد تكون إدلب ومحيطها واحدة منها، كما قد يكون غربي حلب وصولاً إلى نبل والزهراء في الريف الشمالي، المقابل لها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا