رغم مرور قرابة 10 أشهر على الأزمة السياسية في العراق، عقب إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، لم تتدخل مرجعية النجف، ممثلة بالمرجع الديني الأعلى علي السيستاني، في الأزمة، وفضلت البقاء بعيداً عنها، كما أغلق مكتبه الباب أمام محاولات زعماء أحزاب وقادة كتل سياسية للقائه.
وفُهم من موقف السيستاني أنه اعتراض على ما آلت إليه الأوضاع السياسية والمعيشية في البلاد، وإخفاق قادة الأحزاب السياسية الشيعية التي تولت عملياً إدارة البلاد بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وزاد ذلك مع تأييد مرجعية السيستاني التظاهرات الشعبية التي تفجرت في البلاد في الربع الأخير من عام 2019، واعتبارها مطالب مشروعة، محذرة ومنددة بعمليات القمع التي تعرّض لها المتظاهرون والناشطون فيها على حد سواء.
غير أن تطورات المشهد السياسي العراقي في الساعات الماضية، عقب اقتحام أنصار الصدر للمنطقة الخضراء وسيطرتهم على البرلمان، وصدور ردود فعل مقابلة من القوى الحليفة لإيران، ممثلة في تحالف “الإطار التنسيقي”؛ دفع إلى العودة لمطالبة النجف بالتدخل لمنع انزلاق الأوضاع إلى مراحل أسوأ، قد يكون من بينها مواجهات واحتكاك بين جمهور وأنصار الصدر وقوى “الإطار التنسيقي”، التي تمتلك عملياً العديد من الفصائل المسلحة، وأبرزها “كتائب حزب الله”، و”النجباء”، و”عصائب أهل الحق”.
واليوم الأحد، كشفت مصادر مطلعة في مدينة كربلاء، جنوبي العراق، لـ”العربي الجديد”، عن مساعٍ لشخصيات دينية وسياسية معتدلة لدفع المرجع الديني علي السيستاني إلى التدخل لمنع تفاقم الأزمة بين الأحزاب السياسية الشيعية في البلاد، خاصة بعد تعثر الحل والوساطات السابقة طوال الأشهر الماضية.
وقال مصدر مطلع في العتبة الحسينية بمدينة كربلاء، لـ”العربي الجديد”، إن التحرك جاء من “شخصيات مستقلة دينية وسياسية وقبلية، تجاه تدخّل المرجعية الدينية في الأزمة ومنع تطورها”.
وأكد المصدر أن “هناك قرارا مسبقا من المرجع علي السيستاني بعدم التدخل في أزمة تشكيل الحكومة”. لكنه استدرك بالقول إن المرجعية “ستتصدى حين تكون الحاجة موجودة فعلاً لذلك، أما الآن فلن يسمع لها أحد كما كان سابقاً”، وفقاً لقوله.
عضو في البرلمان العراقي، طلب عدم الكشف عن هويته، قال لـ”العربي الجديد” إن “مراجع دينية أخرى في النجف أغلقت أبوابها أمام زعماء الأحزاب الشيعية أيضاً، وليس السيستاني فقط”، مضيفاً أنه “لا أحد يرغب في مواجهة انتقادات الشارع العراقي الذي يعاني من أداء تلك الأحزاب وما أوصلت إليه البلاد”، معتبراً أن سبب الأزمة الحالية هو “محاولة الالتفاف على نتائج الانتخابات من قبل تحالف الإطار التنسيقي، منذ اليوم الأول لإعلان النتائج عبر التشكيك فيها”.
لكن عضو تحالف “الإطار التنسيقي”، أحمد العوادي، قال لـ”العربي الجديد” إن تحالفه سيقبل بأي توجيه لمرجعية النجف في هذه الأزمة، مضيفاً: “نأمل من القوى الأخرى الآن الالتزام بالتوصيات السابقة للمرجعية، حين طالبت بعدم زج الشارع في فعاليات قد تهدد السلم الأهلي”، في إشارة للتيار الصدري.
ويكشف العوادي عن حقيقة سعي الجهات السياسية للحصول على موقف من المرجعية الدينية بالقول: “نحتاج لموقف وتوجيه من المرجعية، فهي ذات الثقل الأكبر، وهناك شخصيات تحاول أن توصل مطالب القوى السياسية للمرجعية حتى تبدي موقفها، ولم تنجح أي منها إلى غاية الآن. وبحسب علمنا، فإن من يقود هذه الوساطات شخصيات غير مشتركة في العملية السياسية، وإنما حريصة”.
بدوره، قال المقرب من التيار الصدري أحمد التميمي، لـ”العربي الجديد”، إن مواقف المرجعية الدينية العليا، وتحديداً المرجع الأعلى السيد السيستاني، واضحة منذ سنوات، أغلقت أبوابها ورفضت استقبال كل السياسيين، وخطب الجمعة كانت مزدحمة بالمواقف الساخطة والرافضة لأحزاب السلطة وأفعالها”.
وأضاف التميمي أنه “لو أصدرت المرجعية الدينية العليا موقفاً في هذه المرحلة، فلن يكون مختلفاً عن مواقفها السابقة، وربما سيكون هذه المرة أقوى. المرجعية، التي لست متحدثاً باسمها، تنتظر أن يكون الشعب أكثر وعياً وملتفاً حول القوى الوطنية”.
وتابع: “نتحدث عن موقف المرجعية الذي ربما سيصدر مع تسارع الأحداث، والذي لن يكون مختلفاً عن موقف التيار الصدري، فهنالك تطابق واضح في المواقف، كما أن أي موقف ستصدره المرجعية سيلتزم به الصدر وتياره بشكل حتمي”، وفقاً لقوله.
المصدر: العربي الجديد