أشاد بالموقف العربي “المتزن” من الأزمة الأوكرانية وتعهد بـ”تعزيز الشراكة والتعاون”. ضمن جولته الأفريقية بحثاً عن تعزيز الشراكات وبناء تحالفات جديدة، حطت طائرة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأحد 24 يوليو (تموز) في القاهرة، حيث أجرى مباحثات رفيعة المستوى مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير خارجيته سامح شكري، فضلاً عن إلقاء كلمة أمام مجلس المندوبين الدائمين بالجامعة العربية، قبل أن يتوجه إلى كل من إثيوبيا وأوغندا اللتين توترت علاقاتهما مع الغرب أخيراً، وكذلك جمهورية الكونغو، وكلها دول تربطها علاقات استراتيجية واقتصادية مهمة مع روسيا.
جولة لافروف التي يحاول من خلالها “تأكيد الوجود الروسي في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، والاستفادة من رغبة بعض الدول في الانضمام إلى تحالفات غير غربية، في الوقت الذي تقاوم فيه بلاده الانتقادات الدولية بشأن الحرب في أوكرانيا” جاءت بعد أكثر من أسبوع على الجولة الأولى للرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط، كذلك في أعقاب قمة ثلاثية استضافتها طهران وجمعت قادة كل من روسيا وتركيا وإيران.
موقف “متوازن وعادل”
وسط تقديرات غربية تشير إلى أن الموقف الأوروبي والأميركي من الحرب الروسية في أوكرانيا “لم يكتسب سوى قدر محدود من الزخم في العالم العربي وأفريقيا، وهما منطقتان تبدي الحكومات فيهما استعداداً لقبول البدائل غير الغربية”، بدا واضحاً خلال لقاءات وزير الخارجية الروسي في القاهرة محاولته كسب مزيد من الدعم باتجاه موقف بلاده من الأزمة.
وفي الوقت ذاته، أشار لافروف خلال خطابه أمام مجلس المندوبين بالجامعة العربية، إلى ما اعتبره “موقفاً متوازناً وعادلاً لأعضاء الجامعة العربية من الأزمة الأوكرانية”. وشدد على تصميم موسكو “على تعزيز الشراكة والتعاون الاقتصادي والتجاري مع دول الجامعة، وكذلك التعاون على المستوى السياسي، لا سيما في ما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية”.
وفيما خيم شبح الحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها العالمية على الزيارة، كان لافتاً محاولات لافروف تطمين “الشركاء العرب” بشأن أزمة الغذاء العالمية التي سببتها الحرب، وقال إن موسكو منفتحة على الحوار مع العالم العربي ومع جميع دول العالم.
وذكر لافروف في خطابه أمام الجامعة العربية، أن العلاقات الروسية العربية قائمة على “الصداقة والود”، لافتاً إلى أنه اتفق مع أمين عام الجامعة أحمد أبو الغيط على تحديد خطط إضافية لتعزيز العلاقات بين الجانبين في مختلف المجالات. وأشار إلى أنه يتم التخطيط لعقد منتدى التعاون العربي الروسي في دورته السادسة قريباً.
وعن الموقف الروسي من الحرب والأسباب التي دفعت موسكو لبدء ما تسميه “عملية عسكرية في الجارة الأوكرانية شرح لافروف “الرؤية الروسية للأحداث”، موضحاً “كانت لدينا مخاوف مشروعة حول أمننا، وتم تجاهل مخاوفنا بشأن توسع حلف شمال الأطلسي (ناتو) وحصول أوكرانيا على كثير من الأسلحة الغربية”. وأضاف “تم خرق اتفاق مينسك، وقصفت كييف المناطق الرافضة لها بالمدفعية، فيما فشل الاتحاد الأوروبي بشكل كامل في الوفاء بتعهداته”.
وبحسب تصريحات لافروف، فإن “الأوروبيين اعتبروا أن من حق الناتو الهيمنة وفعل ما يحلو له على حساب الآخرين وخصوصاً روسيا”، مؤكداً أن موسكو ترفض هذه السياسة. وتابع “سنوات كثيرة من الإهمال كانت سبباً في الحرب، إضافة إلى وعود أخلفها الناتو كان قدمها للاتحاد السوفياتي قبل تفككه”، مشيراً إلى أن بلاده تريد “مزيداً من النقاشات مع الأصدقاء العرب والإنصات لهم، معرباً عن استعداده للحوار وإرضائهم في النقاط المختلفة وتوضيح الحقائق”.
تعزيز “الشراكة والتعاون”
وحول أزمة الغذاء رفض لافروف ربطها بالحرب الروسية في أوكرانيا، مؤكداً أنها بدأت منذ “كوفيد-19” إضافة إلى أزمة الجفاف. متهماً الغرب بأنه السبب الرئيس في الأزمة بوضع عقوبات على الغذاء والسماد والحبوب، وتساءل “كيف نسمح بالتصدير ولم يتم الدفع والسداد؟”.
وعن التعاون العربي الروسي أكد لافروف أن بلاده تريد “تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، وذلك بعد رفع التبادل التجاري العربي الروسي إلى 20 مليار دولار”، معرباً عن أمله في ارتفاعه بالعملات المحلية”. وتابع “نريد أن نحيي اتفاق القدس (اتفاق أقرته اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية) وحل الأزمة الفلسطينية حيث تحل القضية المركزية”، مضيفاً أن “النصيحة التي تقدمها الجامعة العربية ننصت لها جيداً”.
وكان الوزير الروسي قد اجتمع مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، فقد أجرى المسؤولان “مباحثات مهمة شملت الأزمة الأوكرانية وسوريا وفلسطين”، بحسب بيان الجامعة العربية.
وقبيل محطة الجامعة العربية، عقد لافروف محادثات مع نظيره المصري سامح شكري بعد أن التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وسعى خلال مؤتمر صحافي لطمأنة مخاوف المصريين المرتبطة بأزمة الغذاء، قائلاً “أكدنا تمسك المصدّرين الروس للحبوب بالإيفاء بجميع التزاماتهم”. وأضاف أن “الرئيس فلاديمير بوتين أكد على ذلك أيضاً خلال محادثة هاتفية أجريت أخيراً مع الرئيس المصري السيسي”.
وتناول لقاء السيسي ولافروف، بحسب بيان للرئاسة المصرية، “بعض الموضوعات الثنائية في مختلف المجالات، خصوصاً التعاون في مجال قطاعات توريد الحبوب والغذاء، وكذلك قطاع البترول والغاز في ضوء الأزمة الراهنة في تلك القطاعات”.
شدد السيسي خلال اللقاء، “على أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية للأزمة”، مؤكداً “دعم مصر لجميع المساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسياً من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، مع استعداد مصر لدعم هذا المسار من خلال اتصالاتها وتحركاتها الدولية مع جميع القوى الفاعلة، سواء في الإطار الثنائي أو المتعدد الأطراف”.
وإثر الاجتماع قال لافروف “لدينا توافق في الرأي حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية”، مضيفاً أنه بحث في القاهرة “تطوير التبادل التجاري والتعاون التكنولوجي بين مصر وروسيا ومشروع الضبعة النووي والمنطقة الروسية في قناة السويس”.
وأكد لافروف أن “الموانئ الروسية تعاني حصاراً غربياً، وتلقينا تعهدات في تركيا بإنهاء ذلك”، معتبراً أن “العقوبات الغربية تعرقل الدعم الروسي للدول الأفريقية”.
من جانبه قال سامح شكري “نتطلع إلى استمرار التعاون الوثيق مع روسيا على أساس المصالح المتبادلة”، مضيفاً “بحثنا الوضع في أوكرانيا وأكدنا أهمية التوصل إلى حل على أساس الحوار”. وشدد على موقف بلاده من أهمية “التوصل إلى تسوية دبلوماسية للأزمة في أوكرانيا، فالأزمة هناك لها انعكاسات سلبية على الأمن الغذائي العالمي”.
وتتمتع مصر بعلاقات استراتيجية واقتصادية مهمة مع روسيا التي كانت مصدراً رئيساً خلال السنوات الأخيرة للقمح والأسلحة، وكذلك للسائحين حتى اندلاع الحرب التي أدت إلى تعقيد خطط السفر، ووضعت القاهرة أمام معضلة لتحقيق التوازن بين علاقاتها القديمة مع روسيا وعلاقاتها الوثيقة بالقوى الغربية التي فرضت عقوبات على موسكو وسعت إلى عزلها.
وبسبب الحرب وما خلفته من أزمة غذائية، وحالة من عدم اليقين بشأن صادرات الحبوب عبر البحر الأسود، واجهت القاهرة وهي واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم أزمة انعكست بقوة على اقتصادها، مع تعطل شحنات الحبوب وارتفاع أسعارها بشكل حاد مما تسبب في صدمة مالية، إذ كانت تشتري مصر نحو 80 في المئة من واردات قمحها من روسيا وأوكرانيا.
وهذا الأسبوع بدأت شركة “روس أتوم” الروسية للطاقة المملوكة للدولة بناء أول محطة نووية في مصر بعد أن تأخرت طويلاً، وهو أكبر مشروع روسي- مصري منذ اكتمال السد العالي في أسوان عام 1970.
وقال دبلوماسيون إن تلك العلاقات تثير غضب الدول الغربية التي قدمت مجموعة طلبات للحكومة المصرية وجامعة الدول العربية قبل زيارة لافروف بعدم تأييد التفسيرات الروسية للأحداث في أوكرانيا.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين رداً على تلك الزيارة، إن الولايات المتحدة “لا يهمها مع من يتواصل وزير الخارجية لافروف وزملاؤه بقدر ما تركز على الرسائل” التي تنقلها موسكو لمحاوريها خلال هذه اللقاءات.
وأضاف برايس “نحن ندرك أن هناك دولاً حول العالم لديها علاقات فردية مميزة مع روسيا، لكن هناك مبادئ أساسية” من بينها “فكرة أن القوة في القرن الحادي والعشرين لا تصنع الحق”.
عن ماذا يبحث لافروف؟
بحسب ما تحدث به مراقبون ومعنيون بالسياسة الروسية لـ”اندبندنت عربية”، فإن جولة وزير الخارجية الروسي لافروف إلى القارة الأفريقية بداية من القاهرة، وحرصه على مخاطبة الدول العربية، تسعى من خلالها موسكو “لتأكيد وجودها في تلك المنطقة الحيوية والمهمة لمصالحها، عبر الاستفادة من رغبة بعض الدول بناء تحالفات غير غربية قد تستطيع هي أن تملأها”.
وقال أنطون مارداسوف الباحث غير المقيم بمعهد الشرق الأوسط للدراسات ومجلس الشؤون الدولية الروسي، إن جولة لافروف الأفريقية وخطابه الموجه للدول العربية، تسعى بالأساس لتأكيد مجموعة من الرسائل والأهداف وهي “تأكيد فشل المساعي الغربية في عزل روسيا دبلوماسياً، وإظهار قدرتها على التحدث مع دول عديدة وفاعلة خارج المنظومة الغربية مهما حدث”، مضيفاً “كذلك تحاول موسكو إثبات أن الحرب الأوكرانية والجهود الغربية لمحاصرتها لم تنل من الوجود الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا، وعليه تعزيز التعاون والشراكات السياسية والاقتصادية مع دول تلك المنطقة الحيوية بالنسبة لموسكو”.
وذكر مارداسوف، “من خلال ذلك الانفتاح يبدو أن موسكو تريد تأكيد عدد من الرسائل من بينها عدم تأثر سياسات الكرملين الداخلية أو الخارجية على الرغم من مرور نحو 6 أشهر على الحرب الدائرة جغرافياً في أوكرانيا، وإظهار عزم روسيا على الاستمرار في تحمل المنافسة مع الغرب والولايات المتحدة وحلف الناتو واستغلال تناقضاتهم في بناء شراكات قوية مع اللاعبين الإقليميين”.
ويضيف مارداسوف، “بناء حوار جاد مع دول الشرق الأوسط بطريقة أكثر جدية وموضوعية وقائمة على المصالح المتبادلة مع الابتعاد عن الخطابات الشعبوية”.
أهم نوافذ الخارجية
بدوره قال عمرو الديب، مدير مركز خبراء مركز “رياليست” الروسي، إن موسكو ترى في الدول العربية “إحدى أهم نوافذ سياستها الخارجية في الفترة الراهنة، لا سيما مع تعقد علاقاتها مع الغرب ووصولها لطريق مسدود”.
وأوضح الديب “تبدي روسيا اهتماماً بالغاً في الفترة الأخيرة بتطوير علاقتها مع الدول العربية، لا سيما الدول الكبرى في المنطقة كالسعودية ومصر والإمارات والجزائر”.
وأضاف “تنظر روسيا بشكل أو آخر إلى تلك الدول باعتبارها امتداداً إقليمياً لأمنها ومتنفساً لسياستها الخارجية في العالم ككل ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وعليه بدأت في التحرك لتعزيز شراكتها الاقتصادية والسياسية والأمنية معها”.
تقليل التأثير السلبي للعقوبات
من جانبه يرى كيريل سيمينوف المحلل المستقل في الشؤون السياسية والعسكرية الشرق أوسطية الخبير غير المقيم بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، أن “الحرب الروسية – الأوكرانية والضغوط الغربية دفعت موسكو لإحياء وتفعيل كامل قدراتها وإمكاناتها مع الدول الأفريقية والعربية التي بدت أنها غير مستغلة بشكل كامل”.
وقال سيمينوف “على الصعيد الاقتصادي مثلاً تحاول روسيا أن لا تركز فقط على زيادة صادراتها إلى الدول الأفريقية والعربية، لكن الدفع بزيادة الواردات من تلك الدول لتقليل التأثير السلبي للعقوبات الأميركية والغربية ضد روسيا، إضافة إلى ذلك لا تزال موسكو تتوقع أن تظل شريكاً لتلك الدول في مكافحة الإرهاب والمجال الأمني”.
وأضاف سيمينوف أن “موسكو تركز بالأساس على استثمار خطواتها في إبقاء تلك الدول على مواقفها في مناهضة العقوبات الغربية على روسيا، وعدم الانخراط في المواقف الغربية تجاهها جراء الحرب الأوكرانية”.
وفي مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية الرسمية، الأربعاء الماضي، سلط لافروف الأضواء على دعم الاتحاد السوفياتي لإنهاء الاستعمار خلال حقبة الحرب الباردة، وسعي موسكو إلى استعادة الروابط والعلاقات في أفريقيا منذ انهيار الاتحاد، قائلاً إنه من المقرر عقد قمة روسية – أفريقية ثانية العام المقبل.
وقال لافروف، “لم نعطها (الدول الأفريقية) دروساً قط، لقد ساعدناها على الدوام في حل المشكلات بما يسمح لها بأن تعيش بالطريقة التي تريدها”، موضحاً التناقض مع ما يقول إنها جهود أميركية لدفع الدول في المنطقة بعيداً من روسيا والصين.
المصدر: اندبندنت عربية