لا تحتل القضية السورية حيزا في جولة الرئيس الأميركي بايدن في المنطقة، وهي تتركز على قضايا لها أولوية لدى الولايات المتحدة مثل العلاقة مع إيران، ودفع عرب النفط للتطبيع مع إسرائيل، ولضخ المزيد من النفط في السوق، بعد تضاعف أسعار المحروقات داخل الولايات المتحدة منذ وصوله إلى السلطة قبل نحو عام ونصف العام.
والواقع أن إدارة بايدن لم تستثمر حتى الآن أي جهد في الملف السوري، وقصرت جهدها على الجوانب الإنسانية، وتحديدا مسألة إدخال المساعدات العابرة للحدود، وهو جهد لم يكن مثمرا على الدوام، ورأينا كيف عرقلت روسيا التمديد الأخير لإدخال المساعدات في مجلس الأمن.
يضاف إلى ذلك، تصريحات جوفاء يطلقها مسؤولون أميركيون من خارج الصف الأول تتوعد بمحاسبة نظام الأسد على جرائمه، من دون أن يستتبع ذلك أية إجراءات عملية. بل الإجراءات العملية، كانت تأتي في الاتجاه المعاكس لجهة تجاهل قانون قيصر تقريبا، وعدم اتخاذ خطوات عقابية إضافية ضد نظام الأسد.
وفي التصريحات العلنية، حدد مسؤولون أميركيون ثلاثة أهداف لبلادهم في سوريا، وهي
هزيمة تنظيم داعش، ودعم وقف إطلاق النار خاصة في غرب البلاد، والتأكد من وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا. يضاف إلى ذلك، الدعم اللفظي للتسوية السياسية وعدم دعم التطبيع العربي مع نظام الأسد.
وفي مؤشر على عدم جدية، هذه المواقف، أو عدم تبلور رؤية أميركية واضحة حتى الآن حيال سوريا، لم تعين إدارة بايدن مبعوثا خاصا بسوريا، ولم تنخرط في أي جهد سياسي دولي خاص بالأزمة السورية، وهو ما يبعث رسائل اطمئنان للنظام وحلفائه بأنه ليس عليهم أن يقلقوا من شيء من جهة واشنطن التي لا يشغلها الوضع في سوريا، إلا بقدر ارتباطه بملفات أخرى.
والواقع أن هذا الترابط بين الملف السوري والملفات الأخرى المدرجة على جدول أعمال إدارة بايدن، هو ما قد يساعد على تحريك الملف السوري، وخاصة العلاقة مع إيران التي تحتل أولوية لدى إدارة بايدن، في الوقت الذي تعتبر إيران لاعبا رئيسيا في الساحة السورية. والحديث الدائر حاليا حول تشكيل “ناتو شرق أوسطي” لمواجهة التخريب الإيراني في المنطقة، لا يخص مباشرة الوضع في سوريا، لكن أسبابه وتداعياته، لا بد أن تمس هذا الوضع، خاصة إذا جرى توافق خلال قمة جدة التي ستجمع بايدن مع قادة دول الخليج، على تأكيد الالتزام الأميركي بأمن بلدان الخليج العربي، والسعودية تحديدا التي تعرضت خلال الفترة الماضية لهجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة من جانب الإيرانيين مباشرة أو وكلائهم الحوثيين.، وهو ما تسبب في اهتزاز العلاقة مع واشنطن التي لم تظهر دعما حقيقيا للسعودية ولا للإمارات في مواجهة التهديدات الإيرانية. وبطبيعة الحال، فإن رفع مستوى الالتزام الأميركي بأمن بلدان الخليج، سيكون له ثمن ستطلبه واشنطن باتجاه ضخ المزيد من النفط في السوق العالمية، والتطبيع مع إسرائيل.
وفي حال انتقلت العلاقات الأميركية مع طهران إلى مستوى أعلى من المواجهة، خاصة مع تعثر المفاوضات النووية، فسوف يعكس ذلك مزيدا من التشدد مع نظام الأسد الذي ربط مصيره مع إيران كما اتضح من خلال زيارة بشار الأسد الأخيرة لطهران التي كرست التحالف العضوي بين الجانبين. وفيما تنشط إسرائيل في مهاجمة الأهداف الايرانية في سوريا، دخل الأردن على خط القلقين من الوجود الإيراني على حدوده، بعد أن باتت المخدرات التي ترعى تهريبها عبر حدوده الميليشيات المرتبطة بإيران، تغزو أراضيه بشكل شبه يومي.
وفي حال حصل التوافق بين الرياض وواشنطن على الملفات الخلافية بينهما، والاتجاه نحو التصدي للأنشطة التخريبية لإيران في المنطقة من اليمن إلى سوريا، فإن من شأن ذلك زيادة الضغط على نظام الأسد، وقطع الطريق على أية محاولات لتعويمه من جديد. وهذا توجه يعززه الانزعاج الأميركي من تماهي مواقف النظام من حرب أوكرانيا مع الموقف الروسي، وهو ما انعكس تشددا في موقفها إزاء محاولات التطبيع مع نظام الأسد، حيث تراجعت مصر مثلا عن حماسها السابق للتطبيع مع النظام.
وتدرك واشنطن أيضا أن استمرار سوريا كدولة فاشلة، قد يترتب عليه تداعيات خطيرة، مثل تجدد الصراع المسلح، وتدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى الدول المجاورة، وتوفير أرضية خصبة للمنظمات المتطرفة.
والواقع أن الإدارة الأميركية التي تفتقد الحماسة للانخراط في أي من قضايا المنطقة، وهي متأثرة بتوجهات الإدارة السابقة بضرورة الانسحاب الأميركي من البؤر الساخنة في العالم، وفي مقدمتها الشرق الأوسط الذي لم يعد يمثل أهمية كبرى في السياسة الخارجية الأميركية، تدرك أنها مضطرة لتفعيل دورها في بعض الملفات، إما استجابة لطلبات حلفائها الأساسيين (إسرائيل والسعودية) أو للمساهمة في تحديد مسار تطور بعض القضايا التي قد يكون لها تأثير مستقبلي على المصالح الأميركية، ومن بينها الوضع في سوريا.
وهذا الترابط بين قضايا المنطقة، فضلا عن منعكسات الحرب في أوكرانيا، قد يسهم في دفع واشنطن إلى زيادة اهتمامها بالوضع في سوريا، لكن ليس إلى الدرجة الكافية للوصول إلى حلول سياسية أو حسم ميداني. ومن هنا، فإنه يقع على عاتق السوريين أنفسهم أخذ زمام المبادرة، وتحريك قضيتهم بكل السبل المتاحة السياسية والقانونية وحتى العسكرية، لإعادة وضع القضية السورية على جدول الاهتمام الدولي، بعد أن باتت تتجه لتكون مجرد قضية إنسانية تتلخص بتقديم بعض المساعدات للشعب المنكوب في الداخل السوري أو المخيمات.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا