كانت القضية الفلسطينية وماتزال القضية المركزية لدى السوريين، وكل الشعوب العربية والإسلامية، ولم تكن أحوال وصراعات وتشابكات وتذبذبات الفصائل الفلسطينية برمتها لتؤثر سلبًا على مجمل المزاج العام الشعبي العربي. فهي تمتلك مركزيتها من كونها تمثل الأساس في الصراع مع عدو صهيوني اغتصب كل فلسطين ومقدساتها، والكثير من المحيط العربي لفلسطين في كل من سوريا ومصر والأردن ولبنان.
ويبدو أن هذه الأريحية والاستسهال لدى حماس وقياداتها هو ما جعلهم مؤخرًا يأخذون قرارًا جماعيًا بعودة علاقاتهم وتشكيلاتهم إلى العاصمة دمشق، وإعادة وصل ما انقطع مع النظام السوري، الذي عاث فسادًا ومقتلة واعتقالًا ليس في جسم الشعب السوري فقط، بل أيضًا في الواقع الفلسطيني، فدمر أهم مخيم للشعب الفلسطيني هو مخيم اليرموك، وهجر أهله وقتل الآلاف منهم، ليكون ما حصل لهم على يد هذا النظام يسمى بالنكبة الفلسطينية الثانية، بعد نكبتهم الأولى في فلسطين، وهذا النظام الذي استمرأ القتل والتعذيب والتهجير في الجسد الفلسطيني، مازال مستمرًا في جبروته وعسفه واعتقاله للآلاف من الفلسطينيين الذين يقبعون في زنازين القهر والطغيان الأسدي.
كل ذلك لم يمنع البراغماتية السياسية النفعية لدى القيادة في حماس من أن تقوم بفعلتها تواصلًا مع ميليشيا حزب الله ذراع إيران في سوريا والمنطقة، وكذلك مع إيران نفسها لإقامة علاقات أخرى مع قاتل السوريين ومهجرهم قسريًا/ نظام الأسد الذي دمر البنية التحتية السورية والفلسطينية مع داعميه الإيرانيين والميليشيات التي استقدمها من كل بقاع العالم لتحمي نظامًا كاد أن يسقط أواسط عام 2013.
العودة الحمساوية اليوم إلى حضن النظام القاتل، وإعادة الود والدفء إلى رحاب العلاقة مع النظام يشير إلى ملاذات مشت بها وارتضتها لنفسها هذه القيادات متجاوزة في ذلك كل الحالة الشعبية الفلسطينية والسورية والعربية، التي عانت ماعانت من قهر واستلاب هذا النظام، ومازال مئات آلاف السوريين والفلسطينيين، ومنهم قيادات وسطى من حماس في سجون ومعتقلات القهر والظلم الأسديين.
ويبقى السؤال قائمًا وحاضرًا لماذا قامت حماس بما قامت به رغم إدراكها لكل ذلك؟ ومعرفتها الأكيدة بكنه وتركيبة هذا النظام، وعدم مصداقيته في أي وعود أو اتفاقات، وهو وريث الأب حافظ الأسد القاتل الأول للشعب الفلسطيني، في مخيم تل الزعتر، وفي طرابلس والبداوي وسواهما. وفي سياق الإجابة الموضوعية على هذا السؤال يتبين أن السبب يتمحور حول عدة نقاط نذكر منها:
- أن حماس وقياداتها الآنية المنفصلة عن إرث القيادات الحمساوية التاريخية كالشيخ الشهيد أحمد ياسين، هذه القيادات ولحظة اتخذت الموقف المعروف بدعم ثورات “الربيع العربي”، فقد اتخذته، أساسًا، من خلال بعد براغماتي، ومن منطلق أنه “ربيع إسلامي” ليس إلا، وخاصة إبان فوز الإسلاميين بالسلطة في كل من تونس ومصر والمغرب، وكذلك مع وضوح الموقف التركي والقطري كدولتين داعمتين للحركات الإسلامية في تلك الآونة، وهو ما كان يمكنه أن يعوض عن إيران الإسلامية الملالية، خاصة مع وضوح الموقف التركي الواضح إلى جانب ثورة الشعب السوري وعبر كل المحافل الدولية. من هنا فقد انحازت قيادة حماس في حينها إلى جانب ثورة السوريين وثورات الربيع العربي، قبل أن تتغير الظروف ويحصل ما حصل من انتكاسات واضحة للعيان في كل من تونس ومصر والمغرب وسواها، فما كان من البراغماتية الحمساوية إلا أن عادت الهوينى إلى مصالحها دون الاتكاء إلى أية مبدئية يمكن أن تكون انحيازا إلى جانب الشعوب المقهورة، والتي كان وما زال الشعب الفلسطيني جزءًا منها.
- مسألة أخرى يبدو أنها ساهمت في الوصول إلى القرار الحمساوي في العودة إلى حضن النظام السوري والتراجع عن كل مواقفها السابقة وهو أنها تعتبر نفسها نظامًا سياسيًا كبقية هذه الأنظمة العربية الموازية، بعد أن سيطرت على غزة وتابعت الهيمنة عليها ضمن حالة انقطاع وقطيعة كلية عن سلطة رام الله. إذًا هي تتصرف من زاوية ومنحى أنها سلطة يتوجب عليها ما على السلطات العربية من تغيير في المنحنى لصالح النظم وليس الشعوب.
- علاوة على ذلك فهي أي حركة “حماس” ما زالت كما يبدو لم تحسم أمرها، وبعد مضي 35 عاماً على تأسيسها، ورغم تخطي 16 عاماً على إمساكها بالسلطة الأحادية في قطاع غزة دون أن تشرك أيا من الفصائل حتى تلك المقربة منها مثل حركة الجهاد الإسلامي في تقرير السياسات أو المسائل التنفيذية الأساسية في سلطة غزة، ولم تعرف أن تحسم الأمر فهل هي حركة وطنية فلسطينة، أم حركة أممية؟ بل (وهو الأهم) هل هي حركة دينية أم سياسية؟ أو هل هي (بالمنطق السياسي) حركة تحرر وطني أم سلطة؟ بمعنى أوضح هل هي سلطة بكل ما تعنيه الكلمة أم هي مقاومة يترتب عليها ما على حركات المقاومة من محددات عادة؟
- لم تتمكن حركة حماس بعد من تغليب مصالحها النفعية البراغماتية كفصيل له مصالحه ومنافعه المالية والسياسية والمحاصصاتية على تلك القيم التي رفعتها حركة حماس يومًا عندما انطلقت لتكون معبرة عن الحالة الشعبية الفلسطينية في مواجهة، وفي تناقض، مع السياسات الفلسطينية الأوسلوية، التي رفضها الشعب الفلسطيني، والتي أدت إلى هذه المآلات، لتكون حماس اليوم من يمارس السياسة النفعية على حساب الشعوب العربية والإسلامية انحيازًا إلى جانب أنظمة القتل والعسف الأسدي والإيراني.
- لم تدرك حركة حماس في خطوتها التطبيعية مع نظام الأسد أنها تسيء للقضية الفلسطينية المقدسة لدى الشعب السوري وباقي شعوب الأمة، وأنها بفعلتها هذه إنما تدفع بالكثير من الشعوب إلى الانفضاض من حول القضية الفلسطينية، والتعاطي معها من منطلق براغماتي موازي ومتساوق مع موقف حماس، وليس بمبدئي، وذلك تأسيسًا على مواقف حماس التي رمت أرضًا كل تضحيات السوريين، وأكثر من مليون شهيد قتلهم نظام الأسد وإيرانه حيث ترتمي في أحضانهما حركة حماس اليوم.
والحقيقة أنه لم يعد مقبولًا ولا معقولًا الاتكاء الحمساوي على مقولة بائسة مفادها أن ارتماءها في حضن الأسد والإيرانيين ناتج عن التخلي العربي عنها ماليًا، وأنها وهي التي أقامت سلطة وحكومة لابد من دعم مالي مستمر لها لتمسك بسلطتها في غزة، لكن واقع الحال يقول إن هذا التبرير غير منطقي وغير سياسي وغير مبدئي، وإن بعض الدول العربية ومنها دولة قطر ما برحت تغدق الأموال على حماس بالملايين من الدولارات، ولم تقصر معها أبدًا، لكن قرارات حماس (كما يبدو) ليست ضمن هذه السياقات بل هي تريد لنفسها أن تكون جزءًا من السلطات العربية والنظام العربي الرسمي، وهي في ذلك بحالة تضاد مع منطق حركة الشعوب في الحرية والكرامة، والخروج من ربقة التحكم السلطوي؟ فهل تعود حركة المقاومة الإسلامية حماس وبدفع وضغط من قواعدها المنتمية إلى حركات الشعوب إلى الموقع والمكان الأصح انحيازًا مع آلام السوريين وشعورًا بالخطر الإيراني المحدق بكل الشعوب في المنطقة العربية والإقليم.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا