لم تكن الإشارات الصادرة عن روسيا بدعوتها الأربعاء تركيا إلى تجنب الخطوات التي من شأنها تصعيد التوترات في شمالي سوريا، مفاجئة في المضمون، لأنها جاءت بعد سحب تركيا اعتراضها على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وهي الخطوة التي من الواضح أنها أغضبت موسكو أو شكلت صدمة لها على الأقل، رغم عدم تعليق الكرملين.
استياء روسي
ولا شك أن حالة من الاستياء تسود موسكو، خاصة أن أنقرة بدأت بجني مكاسب سحب اعتراضها على تمدد حلف “ناتو” عند الحدود الغربية الروسية، ابتداءً بتوجيه الرئيس الأميركي جو بايدن الشكر لنظيره التركي رجب طيب أردوغان لرفع اعتراض بلاده على توسعة الحلف، مروراً بموافقة الإدارة الأميركية على تزويد تركيا بمقاتلات “إف- 16″، وليس انتهاءً بتسليم الولايات المتحدة تركيا المتهم الأول في هجوم الريحانية التابعة لولاية هاتاي التركية في العام 2013.
وفي أوساط المعارضة السورية تركّز النقاش خلال اليومين الماضيين عن احتمالية تأثر التنسيق بين تركيا وروسيا في الملف السوري، وتحديداً في الشمال السوري، وسط مخاوف جدية من احتمالية قيام روسيا بخطوات “عقابية” في الشمال السوري، وهو الحال الذي اعتادت عليه موسكو عند حصول أي خلاف مع أنقرة، ليتقاطع ذلك مع معلومات متداولة عن قيام روسيا بتجهيز بنك أهداف في الشمال السوري.
وبرأي أكثر المتفائلين، إن لم تُقدم روسيا على خطوات عقابية، نظراً لحاجتها إلى تركيا في العديد من الملفات، فإن احتمالية منحها الضوء الأخضر لشن عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري، باتت أكثر من مستبعدة، وخاصة في مناطق غرب الفرات، حيث الكلمة الأولى للروس.
التنسيق في سوريا
وتعليقاً، يشير الكاتب المختص بالشأن الروسي سامر إلياس إلى تجنب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإجابة عن سؤال وجه له خلال مؤتمر صحفي على هامش قمة دول بحر قزوين في تركمانستان الأربعاء، حول كيفية تأثّر العلاقة مع تركيا، بعد موافقة الأخيرة على توسعة الناتو.
ويضيف ل”المدن”، أن التنسيق بالنسبة لروسيا مع تركيا يعد بالأمر المهم جداً لموسكو، وبالمقابل لا تريد الأخيرة أن تأخذ أنقرة المكاسب على حساب الملف الأوكراني، خصوصاً أن تركيا تعدّ الآن لزيادة نفوذها في سوريا، وهو ما قد يُفسر بالضعف في الموقف الروسي.
وطبقاً لإلياس، فإن محددات تأثر التنسيق الروسي-التركي في المرحلة اللاحقة، ستظهر “من خلال بدء تركيا بعملية عسكرية في الشمال السوري، أم لا”، متسائلاُ: “هل تقدم على أنقرة على العملية دون التنسيق مع موسكو، وما هي حدودها”؟.
وإلى جانب العملية العسكرية التركية، يعتقد الكاتب أن الأساس الذي يتم بموجبه فهم تبعات سحب تركيا اعتراضها على توسعة الحلف على التنسيق الروسي-التركي في سوريا، هو حصول تركيا على دعم غربي للعملية العسكرية المرتقبة في الشمال السوري.
ويضيف أن طريقة تصويت روسيا لتجديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري عبر الحدود مع تركيا، قد تكون محطة لمعرفة كيفية تأثر التنسيق الروسي-التركي في الملف السوري.
دفع تركي للعملية العسكرية
ويبدو أن تركيا تراهن على حاجة روسيا لها في أوكرانيا، وخاصة في ملف المفاوضات والوساطة مع الغرب وشحن الحبوب من أوكرانيا، وهو ما يمكن تلمسه من تجديد أردوغان الحديث عزم بلاده شن عملية عسكرية في شمال سوريا “سيتفهمها” المجتمع الدولي، قائلاً: “لن ننفذ عملية لا يفهمها المجتمع الدولي، سنجري عملية بلغة يفهمها المجتمع الدولي”.
وتابع أردوغان من مدريد الخميس: “بالتأكيد على استمرار الاتصالات مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين في إطار مساعي التسوية في أوكرانيا”، مضيفاً “أنا على اتصال دائم بفلاديمير بوتين”.
لكن الكاتب والمحلل السياسي عمار جلو يرجح أن لا تتغاضى روسيا عن الخطوة التركية المتعلقة بالموافقة على توسعة الناتو، معتبراً في حديث ل”المدن”، أن أي تغاضٍ عن هذه الخطوة من قبل موسكو سيظهرها في موقف ضعيف، وهو ما لا يخدم استراتيجيتها في الظرف الحالي، حيث كانت تعول روسيا على موقف تركي متوازن.
رد قاسٍ
وبهذا المعنى، لا يستبعد جلو أن تقدم موسكو على اتخاذ رد قد يكون قاسياً، ويقول: “قد تقوم روسيا بنشر قوات موالية لها أو تابعة لها في تل رفعت بعد سحب قسد منها، مما يفوّت على تركيا استثمار المدينة لمشروع العودة الآمنة التي تنوي تنفيذه، ويُظهر تركيا بموقف ضعيف، وحليف غير موثوق في نظر الفصائل السورية الموالية لها”.
وثمة من يرى أن موافقة تركيا على انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو إنما جاءت تحت ضغوط غربية، وبعد أن حصلت أنقرة على تعهدات غربية متعلقة بتسليم المطلوبين لها، وإيواء قيادات كردية في البلدين الأوربيين، وهي المكاسب التي لا تعني موسكو كثيراً.
المصدر: المدن