“رافعة شيعيّة” لميقاتي… حكومة بمعايير “حزب الله” وشروط عون!

ابراهيم حيدر

على الرغم من أن أسهم رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي تراجعت بعد تمنّع كتل نيابية أساسية عن تسميته، ونيله 54 صوتاً من 128 نائباً، إلا أنه قرر السير في تأليف الحكومة الجديدة، مرتكزاً على ما يعتبره خطوات مهمة في التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول خطة التعافي الاقتصادي التي أقرتها حكومته قبل أن تتحول لتصريف الأعمال. لكن موافقته على التصدي لهذه المهمة أمامها عقبات كبيرة، وإن كان يطمح إلى أن تكون على شاكلة الحكومة التي ترأسها منذ أيلول (سبتمبر) 2021 وحتى 21 أيار (مايو) 2022 تاريخ دخولها في تصريف الأعمال. وسيكون أمام ميقاتي حل العديد من المعضلات بالتفاوض مع الكتل التي لم تسمه، وتحديد خطواته السياسية بعدما شكلت الشيعية السياسية رافعة له، فيما فقد أي تأييد مسيحي من الكتلتين الكبيرتين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” وكذلك الكتائب، وهو ما يطرح أزمة ميثاقية، فيما البيئة السنية التي يستند إليها مشتتة بنوابها وتطرح مشكلة في تغطيته سياسياً، في مقابل “حزب الله” وحركة “أمل”.

شكل الثنائي الشيعي رافعة أساسية لميقاتي في عدد الأصوات التي نالها، إلا أن نسبة الامتناع عن التسمية بدت أكبر مما كان متوقعاً، فيما النواب السنّة الذين سموه غير موحدين. فمعركة تشكيل الحكومة ستكون قاسية وقد تمتد إلى ما قبل نهاية عهد ميشال عون الرئاسي. ومن الآن وصاعداً، وعلى الرغم من عدم تسميته من العونيين، فإن أي حكومة سيعمل ميقاتي على تشكيلها لن تتشكل إلا برضا وموافقة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي سيحمل مطالب تياره السياسي برئاسة جبران باسيل وإن كان لم يسمه، كما ستخضع لمعايير “حزب الله” وشروطه، وهو الذي سمى من خلال كتلته، ميقاتي مباشرة، وحدد مسار الحكومة وأولوية عملها. لذا تبدو عملية تأليف الحكومة معقدة، خصوصاً أن الفترة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية تحمل كتل نار ملتهبة لا تتعلق فقط بالوضع المحلي بل لها امتدادات إقليمية بالعلاقة مع المجتمع الدولي وفي ملف ترسيم الحدود البحرية، وأيضاً التوازنات التي سيسعى كل طرف إلى تحسين موقعه فيها قبل الاستحقاق الكبير. وهكذا أمام ميقاتي مسؤوليات كبيرة لن يتحملها وحيداً في ظل الأزمة وصعوبة الإنقاذ، وكأنه مطلوب منه أن يخوض المعركة الحكومية، فيما الجميع يتحضر لمعركة الانتخاب الرئاسية.

ضعف التكليف سيرافق ميقاتي للمرحلة المقبلة، وحتى ما بعد نهاية عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، لكن أمامه أيضاً تعقيدات كبرى في عملية تشكيل الحكومة، تتعلق أولاً بالشروط التي ستضعها رافعته، وفي مقدمها “حزب الله”، وأيضاً الكتل النيابية والسياسية التي لم تسمه، ثم مواجهة ميشال عون الذي يريد أن تكون الفترة الفاصلة عن نهاية ولايته لضمان مصالح فريقه للمرحلة المقبلة، إضافة إلى الطموح بإيصال صهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى الرئاسة. وسيعمل عون الذي يطالب بتمثيل أساسي للمسيحيين من فريقه أو ما بات يُعرف بالثلث المعطل، فإما أن تكون الحكومة خاضعة لمعاييره، أو وفق أولويات يضعها، وبالتالي ستكون مهمة ميقاتي محددة إذا تمكن من تشكيل الحكومة وهي تضمن مصالح الفرقاء الذين شكلوا رافعته، وأيضاً الذين يتحكمون بالتوقيع وعلى رأسهم رئيس الجمهورية.

يستطيع رئيس الحكومة المكلف أن يناور بطريقته طالما لا أحد غيره في الساحة من البيئة السنية، وإن كانت رافعته شيعية، وهو قادر على المراوغة في وجه الرئاسة، لكنه لن يكون حراً أمام “حزب الله” الذي يستطيع أن يقيده بمسارات محددة، وهو أيضاً متحرر من أي طلب للقوات اللبنانية التي لم تسمه، وهو سيستغل المرحلة الانتقالية والضيقة الفاصلة عن انتهاء ولاية العهد لتكون تشكيلته متناسبة مع ما فعله في حكومة تصريف الأعمال الحالية بالاستمرار في تطبيق خطته للتعافي والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، تحضيراً لاحتمال أن يصبح، إذا تمكن من التشكيل، رئيساً لحكومة تتسلم صلاحيات رئاسة الجمهورية إذا عجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس للجمهورية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ودخول لبنان في فراغ رئاسي كما حدث بين عامي 2014 و2016.

وعلى الرغم من قبول ميقاتي التكليف الضعيف، إلا أنه قد لا يتمكن من التأليف، فالشروط المطروحة لا يستطيع تحملها وتبريرها أمام بيئته السنية إذا كان يريد في مرحلة لاحقة أن يشكل مرجعية قادرة على الاستقطاب، أما التنازلات التي يمكن أن يقدمها للتشكيل، فهي مرتبطة بقدرته على الفعل واتخاذ القرارات أمام رئيس الجمهورية ميشال عون ومنعه من تحقيق ما يصبو اليه في ما يتعلق بالوراثة أو الاستمرار في القصر الجمهوري.

اللافت أن المشهد السياسي بعد التكليف يظهر عجزاً خطيراً عن إمكان صوغ التسويات وبلورة خطط إنقاذ توقف الانهيار. فالممارسات السياسية في البلد لم تغيّر من النهج المتبع لتشكيل الحكومات وإنهاء مفاعيل ما تكرّس سابقاً، وهذا يعني أن البلد ذاهب إلى انسدادات خطيرة في معركة تشكيل الحكومة والصراع على توازناتها، ومحاولة الإطباق على القرار السياسي وتكريس الهيمنة. حسابات “حزب الله” مختلفة، فهو وإن كان سمّى ميقاتي، إلا أن شروطه غير المعلنة ترتبط بموقعه الإقليمي أولاً، وأيضاً بالتغطية المطلوبة لسياساته، وهو أمر وفره ميقاتي سابقاً لكنه لا يستطيع الاستمرار به مع التصعيد الإقليمي واستخدام الحزب لموقع القوة وسلاحه.

عودة ميقاتي في هذا الوضع الكارثي للبلد لا يبدو أنه يفتح طريق الحل، خصوصاً أن المجتمع الدولي غير مهتم كثيراً إلا بالاستحقاق الرئاسي وبملفات لها امتدادات إقليمية، ومن بينها ملف ترسيم الحدود المعلق على رد الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين على الطلب اللبناني، لكن مشكلة ميقاتي الأخرى التي لا تقل أهمية، هي في تشكيل حكومة يكون فيها قادراً على استيعاب التشتت الكبير لدى السنّة، وتكريس نوع من التوازن السياسي. وهذا الأمر أساسي لتجاوز ما حدث في التسوية الرئاسية التي جاءت بميشال عون في 2016، وأضعفت الموقع السنّي الأول، فهل تتكرر المعاناة؟

المصدر: النهار العربي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى