أثار قول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في إيطاليا، في مؤتمر صحافي مع الرئيس الإيطالي: “اتفقنا مع إيطاليا على مساعدة تونس على تجاوز المأزق الذي دخلت فيه للرجوع إلى الطريق الديموقراطي”، تساؤلات وجدلاً في أوساط جزائرية وتونسية حول ما إذا كان هناك تحوّل في الموقف الجزائري إزاء الحوادث في تونس.
فمع بداية الأزمة الدستورية في تونس، عندما اتخذ الرئيس قيس سعيد إجراءات أبرزها تعليق عمل البرلمان، أوفدت الجزائر وزير خارجيتها إلى تونس، وأبدى تبون حينئذ تفهماً لقرارات سعيد، وخصّ تونس بزيارة دولة، في وقت كانت تشهد احتجاجات.
بعض الأوساط الديلوماسية الغربية تقرأ تصريحات تبون من إيطاليا كرسالة تحذير للرئيس التونسي من زعزعة استقرار بلده بقرارات قد تؤدي إلى إثارة الشعب التونسي. والجزائر تتمنى ألا يهتز الوضع الداخلي عند جارتها. العلاقة بين البلدين لم تشبها غيمة قبل ذلك، خصوصاً أن تونس تمكنت من ضبط المجموعات الإرهابية التي كانت ناشطة على الحدود بين تونس والجزائر، وهي بحاجة إلى الجزائر لمساعدة قواتها المسلحة على مراقبة الحدود وتجنب تسلل مجموعات إرهابية جزائرية إلى الأراضي التونسية، ما يجعل التعاون الأمني بين البلدين جيداً وضرورياً.
وتستفيد تونس من الغاز الجزائري الذي يمر في أراضيها إلى إيطاليا، إذ إنها تتلقى رسوماً عن مروره وأيضاً كميات منه. وليس من مصلحة البلدين أن تتدهور العلاقة بينهما، خصوصاً أن الجزائر على علاقة سيئة جداً مع المغرب، ولو أن معظم الدبلوماسيين الأجانب المراقبين للوضع بين الدولتين يستبعدون أي مواجهة عسكرية بينهما.
العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب مقطوعة، والحدود البرية مغلقة بين البلدين منذ 1994، وكذلك المجال الجوي منذ 2020. وجاء اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء الغربية، مقابل إقامة المغرب علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ليعزز موقف المغرب إزاء الجزائر التي بات مسؤولوها يشعرون بأنها مطوّقة بين المغرب من جهة، وليبيا حيث الوضع يسوده عدم الاستقرار، وربما يتخوفون الآن من انزلاق في الوضع التونسي المتدهور اقتصادياً وسياسياً.
وتربط الجزائر علاقات متقلبة بدول أوروبية عدة، خصوصاً بفرنسا، إذ يشوبها التشكيك منذ استقلال الجزائر التي تطالب باريس بالاعتذار العلني عما قامت به وقت استعمار الجزائر، والجزائر غير مرتاحة إلى موقف فرنسا الأقرب تاريخياً إلى المغرب بالنسبة إلى قضية الصحراء الغربية. ومنذ المصالحة المغربية الإسبانية، عرفت فرنسا وإسبانيا تقارباً مع المغرب في الموقف إزاء الصحراء الغربية بالنسبة إلى خطته للحكم الذاتي للصحراء، فكلا البلدين يقولان إن هذه الخطة هي الأكثر جدية لتكون أساساً للتفاوض.
الصحراء الغربية التي كانت مستعمرة إسبانية 80 في المئة منها أراض مغربية، والأمم المتحدة لم تحسم وضعها بعد، علماً أن المغرب يسيطر على أكبر جزء منها، ويقترح خطة للحكم الذاتي لها تحت سيادته، فيما الجزائر تطالب باستفتاء حول السلطة الذاتية، وتدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء عن المغرب.
وأدى التوتر السائد بين الجزائر والمغرب إلى وقف الجزائر إمداداتها من الغاز للمغرب. أكثر من 97 في المئة من الغاز المغربي كان يأتي من الجزائر عبر أنبوب يمر بالمغرب ويتوجه إلى إسبانيا. وقد غيّرت الجزائر مجرى غازها إلى إسبانيا ليمر عبر أنبوب الميدغاز الذي يمر عبر المتوسط، ويتجنب المغرب بعد قرارها إغلاق الأنبوب الذي يمر عبر المغرب السنة الماضية. وكانت الجزائر ترسل إلى إسبانيا والبرتغال منذ 1996 نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، مقابل دفع رسوم مرور للرباط بنحو مليار متر مكعب.
بعد قطع إمدادات الغاز الجزائري إلى المغرب، وبيع إسبانيا الغاز للمغرب، هددت الجزائر إسبانيا بوقف تصدير الغاز إليها، ما جعل إسبانيا تؤكد أن الغاز الذي تبيعه إلى المغرب ليس جزائري المصدر. ولكن منذ التقارب الإسباني المغربي، ودعم إسبانيا خطة المغرب للسلطة الذاتية في الصحراء الغربية، استدعت الجزائر سفيرها في مدريد، ولم تستبعد رفع أسعار مبيعاتها من الغاز إلى إسبانيا.
وتعوّل الجزائر على استضافة القمة العربية في تشرين الثاني (نوفمبر) في مثل هذه الظروف. والسؤال: كيف يمكنها إنجاح قمة وعلاقاتها بدول الجوار متأزمة؟ وهي كانت أيضاً تتمنى إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية في هذه القمة، ولكنها أدركت أن هذا غير ممكن حالياً. وهكذا فالجزائر تستضيف القمة وعلاقاتها بالمغرب مقطوعة ومع تونس تتسم بالتشكيك، والمرجح أن القمة العربية التي ستعقد في الجزائر ستعكس بوضوح التوترات الحاصلة بين الجزائر ودول الجوار.
المصدر: النهار العربي