الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل تظهر اتساع الشرخ الفكري في الولايات المتحدة. يشير افتتاح الموسم الانتخابي في الولايات المتحدة، من خلال جدارية عملاقة لدونالد ترمب في مقطع فيديو لأغنية راب مناهضة لجو بايدن وإعلان تلفزيوني يتعهد بفعل “كل ما يلزم” لإعادة أميركا إلى “مجدها السابق” برعاية المرشح للانتخابات النصفية جاي. آر. ماجيوسكي، إلى نمو التطرف السياسي في البلاد.
وفي حين تفقد البلاد التيار السياسي الوسطي المعتدل، يحاول الجمهوريون في شمال غربي أوهايو منع جاي. آر. ماجيوسكي من الفوز في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بمقعد في الكونغرس عن الحزب، من خلال تمويل حملات منافسين له جمهوريين بمئات آلاف الدولارات، غير أنهم لا يحرزون نجاحاً كافياً.
تلاشي الأفكار الوسطية
فمنذ مطلع مايو (أيار) حين بدأت رسمياً الحملات للانتخابات التمهيدية النصفية التي ستحدد توازن القوى السياسية في الولايات المتحدة للسنوات المقبلة، فازت غالبية المرشحين المدعومين من الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب، ما أثار استياء المحافظين المعتدلين القلقين على تلاشي الأفكار الوسطية تدريجياً.
في ولاية ساوث كارولينا، تتمتع مرشحة يدعمها ترمب كانت قد دعت إلى حل وزارة التعليم الأميركية وعزل الرئيس جو بايدن وتوقيف مستشار البيت الأبيض لشؤون “كوفيد-19″، بفرص كبيرة لإزاحة النائبة نانسي ميس التي تبرأ منها ترمب منذ أن اتهمته بالمسؤولية عن الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021.
وفي بنسيلفانيا، حصل الثلاثاء السيناتور دوغ ماستريانو الذي لا يزال يقول إن الانتخابات الرئاسية في 2020 تعرضت للتزوير على ترشيح حزب الجمهوريين لمنصب حاكم الولاية في انتخابات نوفمبر.
شعبية الاشتراكية
في الجهة المقابلة من الساحة السياسية، تزداد شعبية مفاهيم كانت تعد محظورة حتى الآن، مثل الاشتراكية التي ما زال عديد من الأميركيين يرون فيها طيف الحرب الباردة.
ففي ولاية بنسلفانيا نفسها، تصدرت سامر لي، وهي ديمقراطية تصف نفسها بصراحة بأنها “اشتراكية”، سباق الخميس للفوز بترشيح حزبها لمقعد في مجلس النواب.
حصلت سامر لي خلال حملتها الانتخابية على دعم لجنة العدالة الديمقراطية “جاستس ديموكراتس” Justice Democrats التي دعمت ألكسندريا أوكاسيو – كورتيز في 2018 لتصبح نائبة عن نيوروك.
وتقوم أوكاسيو – كورتيز، عبر حسابها على “تويتر”، بالتنديد بالاسم بالمسؤولين المنتخبين الأكثر وسطية في حزبها وبدعم المرشحين التقدميين ضدهم.
ومن المرجح أن يفوز مرشحو “جاستس ديموكراتس” Justice Democratsالمنبثقون من الديمقراطيين بمقاعد وبنفوذ في الانتخابات التشريعية في نوفمبر.
ويظهر تحليل قام به مركز بيو للأبحاث Pew Research Center أن الشرخ السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين أصبح أكثر اتساعاً من أي وقت مضى في السنوات الخمسين الأخيرة، مع تفكك تدريجي للوسط.
في عام 1972، كان 144 من الجمهوريين في مجلس النواب يعتبرون أقل محافظة من أكثر الديمقراطيين محافظة، فيما 52 ديمقراطياً أقل ليبرالية من الجمهوريين الأكثر ليبرالية. وبحسب مركز الأبحاث، بدأت هذه المنطقة الفكرية المشتركة في التقلص حتى اختفت نهائياً في عام 2002 بعيد انتخاب جورج بوش الابن.
وتشير منظمة “كومون غراوند كوميتي” التي تدعو إلى تخفيف الممارسات غير الأخلاقية في السياسة، إلى أنها لاحظت تشديداً في الخطاب العام بعد أزمة 2008.
ويقول بروس بوند، وهو أحد مؤسسي هذه المجموعة، لوكالة الصحافة الفرنسية، “نحن في وضع يزداد مرارة تقف وراءه ذهنية مكافأة الفائز في الكونغرس والتي تثبط بشدة همة من يحاولون التوصل إلى تسويات بين الأحزاب”.
ويعتبر أن المشهد السياسي يزداد تطرفاً بسبب قنوات إعلامية “شديدة الاستقطاب”.
ويلعب المال أيضاً دوراً في ذلك بحسب المستشارة السياسية زي كوهين – سانشيز التي تقول “أصبحت انتخاباتنا مكلفة بشكل هائل، إذا إن الناس يسعون إلى جمع المال بسرعة بدلاً من جمعه من الأميركيين العاديين”، وهذا يدفع المرشحين، بحسب رأيها، إلى اتخاذ مواقف مثيرة للجدل تجذب الاهتمام وتُدر أموالاً، ومن ثم “يصبح الوضع خطيراً”، بحسب قولها.
المصدر: أ ف ب/اندبندنت عربية