في مطلع أيار/مايو، تمكن قسم شؤون المخدرات في محافظة الأنبار العراقية قطاع مدينة القائم، من ضبط شحنة مخدرات قادمة من الأراضي السورية. وبحسب قسم الشؤون فإن الكمية المصادرة بلغت أكثر من مليون حبة كبتاغون، تم نقلها من محافظة دير الزور وكانت متجهة للتوزيع داخل الأراضي العراقية.
وأكد القسم أن محاولات إدخال المخدرات إلى الأراضي العراقية مستمرة بشكل كبير وزادت تلك المحاولات خلال 2022، حيث بلغت العمليات التي تمكنت الأجهزة المختصة من إفشالها قرابة 15 عملية منذ بداية 2022.
ديرالزور بوابة تهريب
وتعتبر محافظة ديرالزور ومناطق شرق سوريا، مناطق غير منتجة للمواد المخدرة، ولم تسجل وجود معامل كيماوية لتصنيع المواد المخدرة أو مزارع لزراعة مواد الحشيش وغيرها، رغم حالة الفلتان الأمني وغياب الرقابة الحكومية، وما يميز المحافظة بهذا الخصوص كونها بوابة برية مهمة لتهريب المخدرات باتجاه العراق ومناطق سيطرة الإدارة الذاتية، وتعتبر الطريق البري الثاني من حيث الأهمية في تهريب المخدرات من سوريا إلى الخارج، بعد الطريق البري في الجنوب السوري عبر محافظتي درعا والسويداء إلى الأردن.
ويغذي عمليات تهريب المخدرات في المنطقة، مناطق إنتاجها الأصلي في غرب سوريا ولبنان، حيث تتركز معامل إنتاج المواد المخدرة في مناطق ريف دمشق والحدود السورية-اللبنانية، إضافة للكميات التي يتم نقلها من لبنان إلى سوريا، حيث يسيطر النظام السوري وحزب الله اللبناني على عمليات الإنتاج ويفرض الطرفين سلطة مركزية على تلك التجارة. ويركز النظام على صناعة مواد مخدرة بأنواع مختلفة أهمها الكبتاغون، بينما يهتم حزب الله بمادة الحشيش وبعض المواد الأخرى منها الكوكايين.
في مرحلة ما بعد الإنتاج يتم العمل على نقل المواد المخدرة وتجهيزها للتهريب، حيث يركز المشرفون على تلك التجارة وهم النظام السوري وحزب الله على أربع طرق رئيسية، ثلاثة طرق برية والرابع بحري. الطريق البري الأول من الجنوب السوري باتجاه الأردن، الطريق الثاني إلى ديرالزور ومنه للعراق ومناطق سيطرة الإدارة الذاتية، الطريق الثالث باتجاه الشمال السوري ومناطق سيطرة هيئة “تحرير الشام” والجيش الوطني، أما الطريق الرابع وهو الطريق البحري ويكون باتجاه أوروبا ودول عربية وأفريقية.
يتم نقل المواد المخدرة في أول مراحلها إلى بوابات التهريب، حيث تصل شحنات المواد المخدرة إلى ديرالزور قادمة من مناطق الإنتاج، بحماية من قوات النظام السوري وخاصة الفرقة الرابعة، التي تعتبر المشرف على تلك التجارة وممثل النظام السوري فيها، والتي ازدهرت منذ نهاية عام 2017، مع عودة النظام السوري وسيطرته على مناطق غرب الفرات بعد هزيمة تنظيم “داعش” هناك.
مهمة النظام السوري تنتهي بإيصال الشحنات إلى محافظة ديرالزور، حيث يبدأ لاعب جديد في العملية التجارية وهو المليشيات الإيرانية، التي تقوم بتهريب تلك الشحنات باتجاه الأرضي العراقية ومناطق شرق الفرات، مستغلة سيطرتها الكاملة على الحدود السورية-العراقية، ووجود تلك المليشيات عسكرياً في شرق سوريا وغرب العراق، مقابل حصولها على حصة مالية من تلك التجارة.
وتُعتبر مدينة البوكمال ومنطقة الهري على الشريط الحدودي مع العراق، مركز انطلاق شحنات المخدرات إلى العراق ومناطق شرق الفرات، وتلك المناطق تعتبر نقاط تهريب قديمة تستخدم منذ ما قبل الثورة السورية، حيث ازدهرت عمليات التهريب فيها منذ ما بعد التدخل العسكري الأميركي في العراق عام 2003.
الدور الإيراني
تلعب المليشيات الإيرانية دوراً مهماً في تجارة المخدرات، حيث تشرف بشكل كامل على عمليات التهريب في محافظة دير الزور، مقابل حصولها على نسبة من الأرباح نتيجة عملها، ولا يقتصر هذا الدور على التهريب، بل تلعب تلك الميلشيات دور الموزع والمشرف على التجارة في السوق المحلية بالمحافظة، عبر شخصيات محلية من أبناء المنطقة يعملون مع تلك المليشيات بشكل مباشر.
وتُعتبر مليشيات عصائب أهل الحق وحزب الله اللبناني ومليشيات الأبدال التابعة للحشد الشعبي العراقي، أهم المليشيات العاملة في تهريب المواد المخدرة عبر الطريق البري في ديرالزور، وتتم عمليات التهريب بالشراكة والتنسيق بين كافة هذه التشكيلات، وتنتشر تلك المليشيات في كل من:
- البوابة العسكرية في جنوب مدينة البوكمال.
- قرية الهري على الحدود السورية العراقية.
- داخل مدينة البوكمال.
- بعض المقرات في القرى الممتدة على طول نهر الفرات شرق ديرالزور، خاصة الواقعة شرق مدينة الميادين وغرب مدينة البوكمال.
- نقاط الحراسة على نهر الفرات الفاصل بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة قوات “قسد”.
وتنقسم طرق تهريب المخدرات عند هذه الشبكات إلى ثلاثة طرق.
أولاً، الطريق إلى العراق، ويتم من داخل مناطق سيطرة تلك المليشيات على الحدود السورية إلى العراق عبر ثلاثة أساليب:
1- من خلال سياراتها العسكرية وعناصرها المتنقلة بين الأراضي السورية والعراقية.
2- عبر نقل المخدرات في سيارات الحجاج الشيعة الوافدين من العراق إلى سورية بحكم مسؤولية تلك المليشيات عن حماية هؤلاء الحجاج.
3- عبر مهربين محليين يعملون مع تلك الميلشيات.
ثانياً، الطريق إلى الكويت والسعودية، حيث تنقل تلك المليشيات المخدرات إلى العراق وتحديداً مدينة السماوة جنوب العراق، ثم يتم تهريبها من هناك إلى الكويت والسعودية عبر طريق “التخييب” الصحراوي على الحدود بين البلدين.
ثالثاً، الطريق إلى مناطق شرق الفرات، حيث تقوم نقاط تلك المليشيات المنتشرة على نهر الفرات، ببيع المخدرات لتجار محليين من مناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة “قسد”، بدوره يقوم هؤلاء التجار بترويج وبيع تلك المخدرات داخل المجتمعات المحلية هناك.
وتستخدم المليشيات الإيرانية في عمليات التهريب إلى مناطق شرق الفرات المعابر النهرية التي تصل مناطق غرب الفرات بشرقه، ومن ضمن تلك المعابر، معبر العباس الواقع تحت سيطرة ميلشيا الدفاع الوطني، ويربط بين مناطق سيطرة الميلشيات الإيرانية وبين مدينة هجين الواقعة تحت سيطرة “قسد”، معبر ذيبان، معبر القورية وتسيطر عليه مليشيا ابو الفضل العباس، معبر العشارة تسيطر عليه مليشيات الفرقة الرابعة والأمن العسكري، معبر الباغوز وتسيطر عليه مليشيات الحرس الثوري الإيراني الفوج 47.
وتتلقى الميلشيات المشرفة على المعابر النهرية والتي ليست شريكاً رئيسياً في عمليات التهريب، مبالغ مادية مقابل الشحنات العابرة إلى الضفة الأخرى، وهذا ما يفتح باب المنافسة والخلافات بين تلك المليشيات كل فترة، حيث تسعى لتعزيز وجودها في نقاط التهريب للحصول على الأموال نتيجة هذه التجارة المربحة، التي باتت أهم مصادر دعم وتمويل تلك المليشيات.
وبحسب قيادي في حرس القرى، وهي ميليشيا تتبع لإيران في محافظة ديرالزور، فإن “حصة المليشيات الإيرانية من تجارة المخدرات هي 50 في المئة من الأرباح، بعد حسم تكاليف الإنتاج، وهذه النسبة متفق عليها بين تلك المليشيات والفرقة الرابعة وحزب الله اللبناني المسيطرين على صناعة وتجارة المخدرات”.
قادة عمليات التهريب في ديرالزور
يشرف على عمليات تهريب المخدرات شخصيات قيادية مهمة تتبع لإيران، معظم تلك الشخصيات تعمل في الجانب العسكري وتتزعم ميليشيات عسكرية في سورية عموماً وديرالزور على وجه الخصوص، من تلك الشخصيات الحاج مهدي، المسؤول العسكري في الحرس الثوري في دير الزور وهو إيراني الجنسية. الحاج عسكر، وهو المسؤول العسكري عن مدينة البوكمال. أبو ريتاج العراقي، وهو قائد مليشيا الأبدال عراقي الجنسية. أبو الصادق، ممثلاً عن حزب الله والمسؤول عن معبر أبو الحسن، وهو المعبر العسكري الذي يصل الأراضي السورية بالعراقية جنوب مدينة البوكمال، لبناني الجنسية. أبو أحمد العراقي، القائد العام لمليشيات عصائب أهل الحق.
يلي هؤلاء في الأهمية عدد من الشخصيات المحلية السورية مثل القائد العسكري للفوج 47 التابع للحرس الثوري، بجانب قياديين في الفوج، إضاف إلى قياديين في مليشيا الدفاع الوطني في دير الزور، وعضو مجلس الشعب السوري مدلول البشار، بجانب مدنيين، ومهربين تقليديي.
تأثير تجارة المخدرات على المجتمع المحلي
تؤثر تجارة المخدرات في محافظة ديرالزور على المجتمع المحلي من جوانب رئيسية، أولها الجانب الاقتصادي، حيث تعد النتائج الاقتصادية لتجارة وتهريب المخدرات منحصرة فقط في النظام والمليشيات الإيرانية، أما المجتمعات المحلية فلم تنخرط في العمليات التجارية إلا بشكل طفيف، ما جعل حصتها ضئيلة أيضاً.
تضاعف تلك التجارة من الخوف داخل تلك المجتمعات، بما يتعلق بالأبناء والبنات، ومركز هذا الخوف هو انخراطهم في عمليات تعاطي تلك المخدرات التي باتت أكثر المواد المتوفرة في المنطقة، كما تسبب هذا الأمر بزيادة العزلة داخل المجتمعات المحلية، التي وجدت في العزلة حلاً أخيراً لتجنيب أفرادها الانسياق بعمليات التعاطي او تجارة المخدرات، كما تسببت تلك التجارة وتوفر المخدرات بانتشار قيم خطيرة داخل المجتمعات المحلية، منها السرقة بغرض توفير المال لشراء المخدرات خاصة في ظل الوضع الاقتصادي وعدم توفر فرص العمل.
كذلك ساهمت تلك التجارة بانتشار الجريمة على نطاق واسع، خصوصاً الاحتكاكات التي تتولد بين المتعاطين وسكان تلك المجتمعات المحافظة. هذا العامل، بجانب انشغال القوات الحكومية وحلفائها بتهريب وتجارة المخدرات، أدى إلى ضعف الأمن داخل تلك المجتمعات.
المصدر: المدن