تتصف جرائم الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري بأنها جرائم ذات أثر كبير أليم طويل المدى ، إذ لا تسمح طبيعتها لذوي المعتقل أو المختفي بتجاوز آثار الجريمة، مهما طالت مدّة الاعتقال أو الاختفاء. كما تتصف بأنها جرائم ذات أثر متعدي لا يقتصر على من وقع عليه الانتهاك، بل يمتد إلى عائلته ومحبيه، وبالتالي فإنّها تأخذ شكل العقاب الجماعي لشريحة واسعة بمجرد اعتقال مجموعة من الأشخاص.
وتخضع أسر المعتقلين تعسفاً والمختفين قسرياً لمعاناة إضافية، تتمثّل في وضعهم تحت الرقابة الأمنية، ولا يحصلون بسبب أبنائهم المعتقلين على الموافقات الأمنية، وقد يستدعون بشكل دوري لأجهزة الأمن.
وتحمل جريمة الاختفاء القسري على وجه الخصوص آثاراً قانونية على ذوي المختفي، إلى جانب الآثار النفسية العميقة. فما زالت الكثير من الأسر السورية تواجه حتى اليوم أزمات قانونية وأخلاقية نتيجة لاختفاء أبناء لها في الثمانينيات، سواء من ناحية التصرّف حيال الارتباط الزوجي، أو توزيع الإرث وما إلى ذلك من المسائل القانونية.
لذلك يجب دراسة جريمتي الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري في سورية منذ عام 2011 وحتى الآن، ومحاولة فهم التحديات التي تواجه عملية توثيق هذه الجرائم، والآليات الممكنة للتعامل مع هذه التحديات، واقتراح الأدوار الممكنة للفاعلين السوريين في الشأن المدني والسياسي، والأدوار الممكنة للمجتمع الدولي أيضاً.
ورغم أننا لا نستطيع ان نخفي الاعتقال والاخفاء القسري أو الاختطاف لأسباب عديدة كعمل المافيات لقاء فدية معينة أو اختطاف لإزاحتة عن طريق العمل العسكري وتصفيته لاحقاً لكل الفاعلين العسكريين في سورية في ارتكاب جرائم الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، إلا أن النظام السوري كان المسؤول عن النسبة العظمى منها، ولذا فإنّ الحديث هنا يتناول المعتقلين والمغيبين لدى النظام السوري، وهذا يشمل كل القوى التابعة للحكومة السورية، أو التي تعمل تحت مظلتها الأمنية أو القانونية، بما يشمل كل المجموعات شبه الحكومية، والميليشيات اللبنانية والعراقية، والقوات الأجنبية التابعة لدول جاءت إلى سورية تحت مظلة شرعية الدولة السورية.
شكّل الاعتقال التعسفي والاختطاف القسري سمة من سمات حكم نظام البعث، منذ استيلائه على السلطة في عام 1963. ولم تستثن سجون النظام منذ ذلك الحين كل الفاعلين السياسيين، بمن فيهم عناصر وأركان من النظام نفسه، ممن عارضوا النظام أو شخص رئيس النظام.
ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في آذار/مارس 2011 لجأ النظام السوري لاستخدام كامل أدواته القمعية على أوسع نطاق، وكان سلاح الاعتقال والإخفاء القسري واحداً من تلك الأسلحة التي سعت إلى كسر إرادة المحتجين ومحاولة منع انتشار الاحتجاجات وتوسعها.
وشهدت الفترة من 2011-2013 أعلى مستويات الاعتقال والإخفاء القسري، وانخفضت هذه المستويات بشكل تدريجي في السنوات اللاحقة.
يمثّل النظام وحلفاؤه الجهة المسؤولة عن النسبة العظمى من عمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري. ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإنّه وحتى آذار/مارس 2019 كان في سورية 143,176 معتقلاً أو مختفياً قسرياً، 88% منهم لدى النظام السوري وحده
وتشمل هذه الحصيلة أولئك الذين ما زالوا على قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري، ولا تشمل مَن أُفرج عنهم أو عُرف مصيرهم.
وترافق الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري مع ممارسات واسعة للتعذيب المفضي للموت. وقد وثّقت الصور التي قام بتسريبها مصور سابق في مشفى المزة العسكري (601) مقتل (11) ألف شخص تحت التعذيب في هذا المشفى وحده. ورغم أن ممارسة التعذيب وغيرها من الأشكال الحاطة بالكرامة قد حصلت من قبل الأطراف الأخرى، إلا أن النظام يتقدم على الجميع بصورة لا تقبل المقارنة، سواء من حيث حجم هذه الانتهاكات، أو الشكل الممنهج الذي تُمارس فيه أساليب التعذيب والانتهاكات البدنية والنفسية المخلة بالكرامة الإنسانية.
وينبغي ملاحظة تعدّد الجهات التي تقوم بعمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري في طرف النظام وحلفائه، حيث تتولى الأجهزة الأمنية عمليات الاعتقال الرئيسية، لكن جهات الاعتقال شملت قوات الجيش أيضاً، إلى جانب الميليشيات غير الرسمية، والميليشيات العراقية واللبنانية.
المصدر: المجلس العسكري السوري