أفرج النظام السوري عن عشرات المعتقلين أول أمس، الأحد 1 من أيار الحالي، استنادًا إلى مرسوم العفو الأخير الذي أصدره رأس النظام السوري، بشار الأسد.
ونص المرسوم التشريعي رقم “7”، والذي صدر السبت 30 من نيسان الماضي، على عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ صدوره مباشرة، عدا التي أفضت إلى موت إنسان.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومراسليها في مناطق سيطرة النظام، وصل عشرات المعتقلين إلى مدنهم وقراهم بدءًا من مساء أول أمس، الأحد.
أحد المعتقلين الذين أفرج عنهم من سجن “صيدنايا”، بعد اعتقال دام نحو 6 سنوات، محمد (31 عامًا)، اسم مستعار لأسباب أمنية، قال إنه حوالي الساعة الواحدة من ظهر أمس، نودي على عدد كبير من المعتقلين، قدّره بنحو 150 شخصًا، ليخرجوا من مهاجعهم.
وأضاف الشاب، وهو أحد أبناء ريف حمص الشمالي، أن الضباط والعناصر كرروا على مسامع المعتقلين، أنهم سيخرجون بعفو من “سيادة الرئيس”، أو ما اسموه “مكرمة من سيد الوطن”.
مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” محمد العبد الله قال لعنب بلدي، إن جميع الإفراجات مرتبطة بسكل أساسي بمرسوم العفو، مؤكدًا اختلاف مراكز احتجاز المعتقلين الذين أفرج النظام عنهم، وتفاوت المدة الزمنية للاعتقال.
وبحسب القوائم التي جرى تداولها، أمضى بعض المعتقلين عشر سنوات في المعتقل، بينما لم تتجاوز مدة اعتقال البعض السنة الواحدة.
“كل شيء يحدث بالعتمة”
لم يعلن النظام السوري عن أعداد المعتقلين الذين أفرج عنهم، ولم ينشر قوائم بأسمائهم، كما أجرى عملية الإفراج عن معظم المعتقلين في وقت متأخر من مساء الأحد، بعد يوم من صدور مرسوم العفو.
معظم القوائم التي جرى تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، استندت إلى معلومات قدمها أهالي المعتقلين الذين أُفرج عنهم.
ورغم أن الإفراج عن المعتقلين يصب في مصلحة النظام، ويؤكد على البدء بتنفيذ مرسوم العفو، واصل النظام السوري تطبيق سياسته المعتادة، “كل شيء يحدث بالعتمة وفي الليل”، للتعتيم على الخبر، وعدم الإفصاح عن أي تفاصيل تطمئن الأهالي، وفق العبد الله.
وأفاد العبد الله، أن المعلومات عن عدد المعتقلين الذين أُفرج عنهم ما تزال غير واضحة، إذ إن غياب الشفافية يجبر الأهالي والناشطين ووسائل الإعلام على العمل لإحصاء أسماء المعتقلين الذين أُفرج عنهم.
من جهته قال معاون وزير العدل نزار صدقني، اليوم الاثنين 2 من أيار، “لا يوجد حتى الآن رقم معين لعدد من تم إطلاق سراحهم، لوجود أكثر من جهة تعمل بالتنفيذ، ولكن مع انتهاء العمل به ستكون هناك إحصائية”، ما اعتبره العبد الله “جريمة”، إذ إن الجهة المسؤولة ما زالت تدّعي أنها لا تملك إحصائيات دقيقة.
المعتقلون تقطعت بهم السبل
تركت قوات النظام السوري المعتقلين في الساحات العامة، وحملتهم مسؤولية الوصول إلى مدنهم وقراهم وعائلاتهم، مما تسبب بمشكلة في وصولهم.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، لم يصل عشرات المعتقلين إلى عائلاتهم، بسبب عجزهم عن تأمين ثمن وسائل النقل، أو تعرّض مدنهم وقراهم للتهجير خلال سنوات اعتقالهم.
“هناك معتقلون لا يستطعون التعرف إلى عائلاتهم، بعضهم من محافظات أخرى، ويحتاجون أيامًا للوصول إلى منازلهم، كما أن هناك معتقلين من ريف دمشق تم تهجير مدنهم وقراهم بأكملها، وبالتالي خرجوا إلى واقع جديد لا يعرفون به أحد”، بحسب ما قاله مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” محمد العبد الله، متوقعًا أن تشهد سوريا خلال الأيام القادمة المزيد من الأنباء عن وصول المعتقلين إلى عائلاتهم.
وأضاف العبد الله، أن بعض الأهالي في مختلف المناطق استضافوا المعتقلين المطلق سراحهم الذين تقطعت بهم السبل، لمساعدتهم في التواصل أسرهم وذويهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت الراهن، يمكن مساعدة المعتقلين للوصول إلى عائلاتهم، من خلال تواجد أشخاص يمكن أن يتبرعوا بمبالغ مادية بسيطة لتأمين تذاكر لحافلات النقل الداخل لوصول المعتقلين إلى مدنهم وقراهم، وفق العبد الله.
بوابة للسمسرة
أفاد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أن السماسرة بدأوا باستغلال قلق الأهالي على أبنائهم ولهفتهم للوصل إلى معلومات عنهم.
ويدّعي السماسرة قدرتهم على وضع أسماء المعتقلين ضمن قوائم الأشخاص الذين سيشملهم العفو، أو تأمين الإفراج عنهم مقابل الحصول على مبالغ مادية كبيرة.
“رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، أوصت من خلال بيان نشرته عبر “فيس بوك”، عائلات المعتقلين والمختفين قسرًا بتوخي الحذر من استغلال السماسرة وعمليات الاحتيال، معتبرةً المرحلة القادمة “ذروة نشاط السماسر”.
كما أوصى العبد الله، العائلات بعدم الانجرار وراء الشائعات والسماسرة، ورفض دفع أي مبلغ، مهما كان زهيدًا، للحصول على معلومات منهم.
“المسلخ البشري”
وبحسب المعلومات الواردة حتى لحظة كتابة التقرير، فإن معظم المعتقلين الذين أُفرج عنهم خلال الساعات الماضية، من سجن “صيدنايا” المعروف بـ”المسلخ البشري”.
وأفاد بيان “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، أنه إذا جرى تطبيق مرسوم العفو بشكلٍ جدي، من المتوقع أن يتم الإفراج عن عدد كبير من معتقلي “صيدنايا”، إذ إن معظمهم جرت محاكمتهم وفق المواد المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب.
وأكّد العبد الله، أن العفو يشمل بشكل أساسي الموقوفين بسجن “صيدنايا”، موضحًا أن هذا العفو الأول من نوعه الذي يركز على قضايا “الإرهاب” التي يتهم بها معتقلي “صيدنايا”.
يأتي ذلك بعد أن أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد، السبت 30 من نيسان، المرسوم التشريعي رقم “7” لعام 2022، والقاضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 30 من نيسان الحالي، عدا التي أفضت إلى موت إنسان.
وهذه الجرائم تشمل المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم “19” لعام 2012، وقانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم “148” لعام 1949 وتعديلاته.
وبحسب العبد الله، من المتوقع أن لا يشمل العفو الناشطين الإعلاميين والمدنيين والمحاميين والسياسيين، المتهمين بالتهم الواقعة على أمن الدولة، من بينها نشر أنباء كاذبة، “وهن نفسية الأمة”، التآمر على سوريا، “دس الدسائس لدى دولة معادية”، و”إنشاء تجمع بهدف قلب كيان الدولة”.
وتخالف مراسيم العفو التي يحتكرها الأسد ويصدرها بواسطة مراسيم تشريعية مقتضيات وبنود الدستور السوري، ويوصف هذا السلوك بأنه تغوّل السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية.
وفي تقرير لعنب بلدي بعنوان “العفو العام” في سوريا.. السلطة تنصب فخاخها، ناقشت عنب بلدي، كيف يستثمر الأسد هذه المراسيم للإيقاع بالمعارضين أو المنشقين، ولتحسين صورته دون أثر فعلي على الأرض.
المصدر: عنب بلدي