ملخص الدراسة
اعتمدت هذه الدراسة المنهجَين الوصفي التحليلي والسلوكي، بهدف التعرّف إلى ممارسات الدولة الأمنية في المؤسسات الرسمية والمجتمعية السورية، وانعكاساتها في الحياة الاجتماعية الجديدة لدى السوريين.
ومن أجل تحقيق أهداف الدراسة، وُصّف الخراب الذي أحدثته سياسات الدولة الأمنية في النسق الاجتماعي السوري، وكيف تغلغلت الأجهزة الأمنية في مختلف المؤسسات الرسمية والمجتمعية، وفي الحياة الخاصة للمواطنين، لإشاعة مناخ الشك والحذر والنفاق في العلاقات الاجتماعية البينية.
حظيت الأجهزة الأمنية باستقلالية تامة عن مؤسسات الدولة، وسيطرت عليها من خلال اعتماد الموافقات الأمنية شرطًا أساسيًا للعمل في هذه المؤسسات، على حساب القوانين الناظمة لعملها. وجعلت هذه الموافقات الأمنية المسبقة حياة الأفراد ومصيرهم ومصادر رزقهم مرتهنة لرضى الأجهزة الأمنية ومخبريها، وشمل ذلك جميع العاملين في الدولة والنشاط المعيشي للمواطنين.
وتأثّرت العلاقات بين المكونات الدينية والقومية أيضًا، وأحدثت ممارسات الدولة الأمنية التمييزية شروخًا بينها، فانسحب أفرادها من الحياة الاجتماعية العامة والسياسية، وتقوقعوا حول هوياتهم ما قبل الوطنية وشككوا في الهويات الأخرى. وأحدث ذلك انهيارًا للثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية كافة، كأن هذه المؤسسات هي المشكلة، بعد أن تماهت مع الدولة الأمنية بنظر الإنسان العادي، وحرمته من الشعور بالانتماء الوطني، وحطّت من كرامته وعزته.
ترافقت تلك الممارسات مع تقديس صورة الرئيس الأسد الأب، وإضفاء الصفات الخيّرة كلها على شخصه، في مقابل تشويه صورة الآخرين وجعلهم مصدرًا للشرور والمؤامرات والفساد، واتخذ ذلك أبعادًا أكثر فجاجة في التعامل مع الأسد الابن في بداية الثورة السورية. وحُصِر الفعل السياسي -سلوكًا وممارسة- في شخص الرئيس وتوجيهاته إلى الحزب والمنظمات التي تتبعه، فضلًا عن حلفاء الحزب في ما يسمّى بـ (الجبهة الوطنية التقدمية)، وبذلك استُبعد المفكرون والمبدعون من دائرة الفعل الثقافي والاجتماعي والسياسي، لصالح المرتزقة والمنافقين.
لقد نشأت طبقة وفئات جديدة قائمة على تحصيل المنفعة، من خلال العلاقة مع مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، في تبادل للمصالح والمنافع على حساب هذه المؤسسات. ونظرًا إلى القوة التي تستمدها هذه الفئات من السلطة، فإن نمط حياتها وسلوكها انسحب سريعًا على شرائح اجتماعية كثيرة حاولت تقليدها، ما ساعد في نشر قيمها الفاسدة في المجتمع.
مقابل ذلك، وحرصًا على استمرار العلاقات التقليدية، ازداد تمسك شرائح اجتماعية أخرى بهويتها الثقافية والدينية، وزادت مظاهر التديّن الشعبي، حيث كثر ارتداء الحجاب وعدد الجوامع وزاد انتشار معاهد تحفيظ القرآن، وبرز دور رجال الدين مع زيادة أتباعهم. وظلت هذه الظواهر في تصاعد حتى انفجار الاحتجاجات عام 2011 وما تلاها من ظهور عدد من المجموعات الجهادية المسلحة والتشكيلات الإسلامية المدنية المرتبطة بها التي عمّمت وجهة نظرها المتشددة للدين والتدين، وأساءت إلى أهداف الثورة وقضاياها.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة