أنهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الجمعة، زيارته إلى مدينة جدة السعودية، حيث التقى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان، لتنتهي بذلك مفاعيل الأزمة التي ضربت العلاقات الثنائية بين البلدين واستمرت عدة سنوات، وسط استكمال أنقرة سياستها تصفير المشاكل في العلاقات مع دول الإقليم.
واعتبر أردوغان، الذي رافقه في زيارته إلى السعودية عدد كبير من الوزراء، بالإضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، في سلسلة تغريدات مساء أمس الأول الخميس، أن زيارته إلى السعودية “ستفتح الأبواب أمام عهد جديد مع المملكة الصديقة والشقيقة”.
وكتب أردوغان، الذي أدى مناسك العمرة أمس الجمعة، “نحن كدولتين شقيقتين تربطهما علاقات تاريخية وثقافية وإنسانية، نبذل جهوداً حثيثة من أجل تعزيز جميع أنواع العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبدء حقبة جديدة بيننا”.
وأعرب أردوغان عن ثقته بأن زيادة التعاون بين تركيا والسعودية في مجالات، مثل الصحة والطاقة والأمن الغذائي وتكنولوجيا الزراعة والصناعات الدفاعية والتمويل، ستصب في المصلحة المشتركة للبلدين.
حرص على أمن الخليج
وأكد أردوغان حرص تركيا على أمن واستقرار منطقة الخليج. وكتب: “نحن نؤكد في كل مناسبة أننا نولي أهمية لاستقرار وأمن أشقائنا في منطقة الخليج مثلما نولي أهمية لاستقرارنا وأمننا. نؤكد أننا ضد جميع أنواع الإرهاب، ونولي أهمية كبيرة للتعاون مع دول منطقتنا ضد الإرهاب”.
وكان أردوغان جدد، في مؤتمر صحافي قبيل سفره إلى السعودية، إدانته للاعتداءات التي طاولت السعودية عبر الطائرات المسيّرة والصواريخ، مؤكداً أن “تركيا تشدد في كل مناسبة على أهمية تعاون بلدان المنطقة ضد كافة التنظيمات الإرهابية”.
ولم تكن هذه الزيارة لتتحقق لولا سلسلة من المصالح المشتركة والخطوات المتبادلة التي تزامنت مع تحولات في السياسة الخارجية لتركيا وتطورات متسارعة عالمياً.
وكانت خلافات عديدة طغت على العلاقات بين تركيا والسعودية، منها وجهات النظر المختلفة حيال التطورات السياسية والأمنية بالمنطقة، خصوصاً التي رافقت “الربيع العربي” والثورات المضادة، والموقف من الأزمة الخليجية والتطورات في ليبيا ومصر وشرق المتوسط.
وكانت العلاقة تأزمت، بشكل كبير، مع مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في العام 2018. وعلى الرغم من أن القضية أدت إلى حجب وسائل إعلام البلدين بشكل متبادل، وحظر سعودي على استيراد البضائع التركية، وتراجع السياحة السعودية والحجم التجاري بين البلدين، فإن العلاقات بين الطرفين لم تنقطع نهائياً.
لقاءات ومتغيرات أدت للتطبيع
وبدأت مراحل التطبيع بحوارات ولقاءات على صعيد وزيري الخارجية على هامش المؤتمرات الدولية. وتزايد هذا الأمر مع تغير المواقف الإقليمية والدولية والمصالحة الخليجية وتطبيع تركيا علاقاتها مع دول حليفة للسعودية، كالإمارات ومصر. وكان أردوغان أعلن، في فبراير/شباط الماضي، أنه سيزور السعودية، لكن الزيارة تأخرت لنهاية إبريل/نيسان الحالي، لحل بعض مطالب الطرفين.
وعقب تخفيض الحملات الإعلامية بين البلدين، والتطبيع مع الدول الأخرى، وحصول حوار تركي ــ مصري، قالت مصادر خاصة لـ”العربي الجديد” في وقت سابق، إن الرياض ترغب بأن ينتهي ملف محاكمة قتلة خاشقجي بشكل نهائي في تركيا، وهو ما تم قبل أيام مع إحالة الملف للقضاء السعودي. كما تحدثت المصادر عن طلب السعودية إسكات خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، التي رُفض طلب اعتراضها على قرار المحكمة.
في المقابل، تضمنت مطالب أنقرة إعادة فتح المدارس التركية في السعودية، ورفع الحظر عن استيراد المنتجات التركية. وقالت مصادر إعلامية تركية، قبل أيام، إن ثمة انفراجة في ملف رفع الحظر على المنتجات التركية من قبل السعودية.
ومن الواضح أن زيارة أردوغان ستكون مقدمة من أجل استعادة العلاقات زخمها بين البلدين، في ظل التطورات والتوازنات الجديدة، والسياسة التركية الواضحة بتصفير المشاكل، حيث يسعى أردوغان لتهدئة الملفات الخارجية والتفرغ للقضايا الداخلية والاقتصادية، وصولاً إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية المنتظر أن تُجرى في العام 2023.
السعودية من أهم دول الخليج
وقال الكاتب والباحث في الشؤون التركية طه عودة أوغلو، لـ”العربي الجديد”، إن “زيارة أردوغان إلى السعودية تأتي في سياق الجهود التركية المستمرة منذ أكثر من عام لفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع القوى الإقليمية المؤثرة، خصوصاً دول الخليج العربي. كما أن الزيارة يمكن اعتبارها إشارة واضحة إلى القناعة التركية بأن السعودية تعد من أهم دول الخليج التي تسعى تركيا لتطبيع العلاقات معها”.
وأضاف: “هذا الأمر يعود لعوامل كثيرة، أهمها أن السعودية تُعد المحرك الأول للدول الخليجية، وخسارتها لا تعني فقط خسارة الرياض بل كذلك خسارة دول إقليمية أخرى، لكونها أكبر بكثير وأكثر تنوعاً سياسياً واقتصادياً من نظيراتها، إلى جانب مكانتها الفريدة في العالم الإسلامي”.
وتابع: “كان لافتاً محاولات الجانبين للإبقاء على شعرة معاوية خلال السنوات الماضية، واعتماد دبلوماسية المصالح ومحاولة تحقيق توازن في ظل الوضع الإقليمي الراهن”.
حسابات تركية استراتيجية
واعتبر عودة أوغلو أن “تركيا لديها حساباتها الخاصة الاستراتيجية من وراء سعيها لإعادة التطبيع مع السعودية والتحالف معها، في ظل المتغيرات في المنطقة والعالم.
لكنه استدرك “على ما يبدو أن قضية جمال خاشقجي أحدثت شرخاً واسعاً وعميقاً، بل قطيعة دبلوماسية لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث إن الرياض شعرت بإهانة كبرى جراء التصريحات والمواقف الشديدة التي تمسكت بها أنقرة طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، وتحركاتها ومحاولاتها المضنية لمحاسبتها قانونياً، سواء على أرضها أو على المستوى الدولي”.
وقال إن “الانعطافة التركية الأخيرة في قضية خاشقجي، إلى جانب استمرار تحرك أنقرة بزخم في تبني مسار جديد لترميم العلاقات مع السعودية، يمكن أن تسرع من معالجة الأزمة الراهنة، وتعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي في الأسابيع المقبلة، لا سيما مع انفتاح تركيا على مبدأ تجاوز الخلافات والبناء على نقاط الاتفاق، وفتح صفحة جديدة مع كل دول المنطقة”.
استكمال تركيا سياسة تصفير المشاكل
من جهته، قال المحلل السياسي محمد جيرين، لـ”العربي الجديد”، إن “تركيا تعمل على سياسة تصفير المشاكل منذ بداية العام 2021، وتستكملها في العام الحالي”.
واعتبر أنها “حققت تقدماً في هذا الإطار، حيث إن السعودية تعتبر حلقة في مسار تطبيع العلاقات، وهناك مصر أيضاً، فضلاً عن حوارات مشابهة مع اليونان وأرمينيا، وبالتالي مسار السياسة التركية الحالية واضح، وينطلق من مصالح متبادلة مع الدول المعنية”.
وأضاف جيرين أن “تركيا تعمل حالياً مع كل الدول التي تطبع معها على مبدأ التركيز على نقاط التوافق، وترحيل نقاط الخلاف إلى أمد بعيد، والاستفادة من المتغيرات الدولية”.
وأوضح أن “فترة ما بعد كورونا، والترتيبات الجديدة في المنطقة، دفعت دولها لتغليب المصالح الثنائية. وضمن هذا الإطار أقفلت تركيا ملف خاشقجي في محاكمها، ما ساهم في حلحلة الزيارة وتحديد موعدها”.
وأشار إلى أنه “في المقابل تنتظر تركيا رفع الحظر عن منتجاتها وعودة العلاقات الاقتصادية لسابق عهدها، حيث أظهرت أرقام التجارة الخارجية انخفاضاً كبيراً في حجم التصدير التركي إلى السعودية، وتراجع حجم الاستثمارات وزيارات السياح إليها”.
وشدد جيرين على أنه “من مصلحة المنطقة حصول استقرار وتوافقات، خاصة أنها بدأت بالمصالحة الخليجية. وتظهر الحرب الروسية الأوكرانية الحاجة إلى استقرار المنطقة، حيث هناك مشاكل عديدة، تتعلق بالاقتصاد والأمن الغذائي وقضايا اللاجئين، يجب التغلب عليها”.
المصدر: العربي الجديد