تشير جميع المعطيات إلى أن الحرب الروسية على أوكرانيا ستكون لها العديد من التداعيات السلبية على العملية السياسية في سورية، وهو ما حذّرت منه منظمة الأمم المتحدة، التي نجحت أخيراً في تحديد موعد لجولة سابعة من اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية” بعد توقف دام أشهراً.
وأبدى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسن، خشيته من انعكاس الصراع الدائر في أوكرانيا على العملية السياسية في سورية، مشيراً في إحاطة له لمجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة إلى أن الدبلوماسية الدولية البنّاءة المطلوبة لدفع العملية السياسية في سورية “قد تكون أكثر صعوبة مما كانت عليه بالفعل، على خلفية العمليات العسكرية في أوكرانيا”.
وكان بيدرسن قد جال أخيراً على عدد من العواصم المعنية بالأزمة السورية، فضلاً عن زيارته إلى العاصمة السورية دمشق، في محاولة لإحياء العملية السياسية المرتبطة بسورية، خصوصاً لجهة مسار التفاوض حول سلّة الدستور، المتوقف منذ أواخر العام الماضي.
وأثمرت جهود بيدرسن عن تحديد موعد الجولة السابعة للهيئة المصغرة في اللجنة الدستورية، التي تضم ممثلين من المعارضة والنظام، والمجتمع المدني من كلا الطرفين، في 21 مارس/آذار المقبل في مدينة جنيف السويسرية.
وكانت الجولة السادسة من المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام حول كتابة دستور جديد للبلاد، انتهت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بلا نتائج، في دلالة واضحة على عبثية التفاوض حول الدستور في ظل تعنّت النظام ورفضه التعامل الجاد مع جهود الأمم المتحدة.
وكانت الأمم المتحدة قد حدّدت في عام 2017 سلالاً للتفاوض بين النظام والمعارضة، هي: الحكم، الدستور، الانتخابات، ومكافحة الإرهاب. وأعلن عن هذه السلال المبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا، في ذلك الوقت، وفقاً للقرار الأممي 2254 لعام 2015 والذي رسم حلاً سياسياً شاملاً للقضية السورية.
وتأمل الأمم المتحدة أن تشكّل كتابة دستور جديد لسورية مدخلاً واسعاً لحل القضية السورية برمتها، على الرغم من أن القرار الدولي 2254 كان قد دعا إلى تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات من النظام والمعارضة، تشرف على كتابة دستور تجري على أساسه انتخابات.
واضطرت المعارضة السورية تحت ضغوط إقليمية للقبول بالتفاوض على سلّة الدستور أولاً قبل تحقيق انتقال سياسي جدي، ما يعني نسف التراتبية في القرار الدولي 2254 المستند إلى بيان جنيف 1 الصادر في منتصف عام 2012.
أما النظام فبقي، بدعم روسي، على موقفه الرافض لكتابة دستور جديد، بل القيام بـ”إصلاح” على دستور وضعه في عام 2012 جرت على أساسه انتخابات رئاسية مرتين، الأولى في عام 2014 والثانية في عام 2021 وفاز بهما بشار الأسد، الذي يعطيه دستور 2012 صلاحيات واسعة النطاق، تمكنه من التحكم بالبلاد بشكل مطلق.
ولا يكترث النظام بالعملية السياسية، فهو يطلق على المعارضة السورية صفة “الإرهاب”، ويسوّق اتهامات بـ”العمالة” بحق المعارضين السوريين من مختلف التيارات والمشارب السياسية.
النظام السوري… استغلال إضافي لأزمة أوكرانيا
ومن المتوقع أن يواصل النظام السوري تعنّته، على الرغم من قبوله إرسال وفده إلى جنيف الشهر المقبل، مستفيداً من الأوضاع الساخنة في أوكرانيا واتساع نطاق الضغط الدولي على الجانب الروسي، الحليف الأساسي لهذا النظام الذي يحاول استغلال الأوضاع السياسية المستجدة لصالحه.
وسارع النظام إلى إعلان تأييده التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا. وقال وزير الخارجية في حكومة النظام فيصل مقداد، منذ يومين، إن التنسيق السوري الروسي لم يعد في إطار التخمينات، وهو تنسيق استراتيجي ومستمر وعميق، وستظهر آثاره على مختلف المستويات.
من جهته، دان الائتلاف الوطني السوري المعارض، والذي يمثل المعارضة السورية، التدخّل الروسي في أوكرانيا، مبدياً “خشية حقيقة من نوايا (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين تجاه سورية ووحدة أراضيها، لا سيما مع عقود الإذعان التي يقدّمها النظام المجرم لروسيا، وما يقوم به من رهن مقدرات البلاد وثرواتها وساحلها وأراضيها لقوات الاحتلال الروسي”، وفق بيان.
ومن الواضح أن النظام يأمل ألا يمارس الروس عليه ضغوطاً لتقديم تنازلات في العملية السياسية في ظل التشنج بين موسكو والغرب، والذي وصل إلى أقصى حدوده.
لكن المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، طه عبد الواحد، رجّح في حديث مع “العربي الجديد”، أن تدفع موسكو باتجاه أي حل سياسي في سورية “يُبقي بشار الأسد في السلطة، أو على أقل تقدير يضمن لها ظهور نظام حكم يمنحها الامتيازات ذاتها التي حصلت عليها من الأسد”.
ومنذ بدء المفاوضات تحت مظلة الأمم المتحدة بين النظام والمعارضة، لم يضغط الجانب الروسي على النظام السوري بشكل يدفعه إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة. بل استغلت موسكو حاجة النظام إليها للحصول على مكاسب جمّة في سورية، أبرزها القاعدة العسكرية في منطقة حميميم على الساحل السوري، والتي يستعرض فيها الروس قدراتهم العسكرية في خضم الأزمة الأوكرانية.
واعتمد النظام على موسكو في تصلب موقفه تجاه مساعي الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي في سورية، مستغلاً تردد الغرب بقيادة الولايات المتحدة في الملف السوري، وترك حرية التحكم لموسكو بمفاصل القرار في سورية.
روسيا في سورية بعد الحرب: مرونة أم تشدد؟
وفي هذا الصدد، رأى الباحث والمحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الموقف الروسي في سورية لجهتي التشدد أو المرونة “يعتمد على ردة الفعل الغربية الأوروبية والأميركية إزاء ما يحدث الآن في أوكرانيا”. واعتبر أنه “إذا كان الرد الغربي على الجانب الروسي قوياً، وكانت هناك مقاومة كبيرة من الشعب الأوكراني، فهذا كفيل بإضعاف روسيا”.
وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن “روسيا ضعيفة في أوكرانيا، يعني أنها ضعيفة أيضاً في سورية، وهو ما سيجبرها على التخلي عن قواعدها العسكرية في سورية، ودعمها الاقتصادي والسياسي والعسكري لنظام بشار الأسد”.
في السياق، رأى الباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الموقف الروسي حيال ما يجري في سورية “متأثر بالموقف التركي (من أوكرانيا) كون المعارضة السورية محسوبة على أنقرة”.
وأضاف أنه “لا توجد عملية سياسية في سورية، ومن ثم التشدد الروسي سيكون في الميدان أكثر”. واعتبر أنه “إذا كان هناك تدخل تركي مؤيد لأوكرانيا، فمن الممكن أن تشهد سورية تصعيداً عسكرياً روسياً ضد مناطق المعارضة السورية في الشمال”.
المصدر: العربي الجديد