أكد نشطاء الحراك السلمي في محافظة السويداء، جنوبي سورية، أن الاحتجاجات على سوء الأحوال المعيشية لن تنقطع ما دام النظام لم يحقق مطالب، أعلنوها أول من أمس الجمعة، من أمام مقام “عين الزمان” المقدس لدى السوريين الدروز.
وبيّنت مجموعة من القائمين على الحراك الثوري في محافظة السويداء، في شريط مصوّر غاب عنه علم النظام وحضرت الراية الخاصة بـ”الموحدين الدروز”، أن الحراك “مستمر في الساحات والشوارع والمضافات والبيوت”، مطالبين بـ”دولة ديمقراطية عادلة من دون تمييز حزبي أو طائفي أو عرقي”، مضيفين: نريد دولة قانون لا دولة فساد واستبداد.
مطالب بالكشف عن مصير المفقودين
كما تضمّنت المطالب فتح ملفات الفساد ومحاسبة المسؤولين الفاسدين، وإعادة المال المنهوب إلى خزينة الدولة، وإلغاء “البطاقة الذكية”، وتأمين جميع حقوق المواطن السوري وفق الدستور، إضافة إلى إلغاء الموافقات الأمنية للبيوع العقارية والوكالات والرسوم الجمركية.
كما طالب الحراك في السويداء بـ”الكشف عن مصير المعتقلين وعرضهم على قضاء نزيه”، إضافة إلى “متابعة ملف المفقودين ومعرفة مصيرهم، ودعم المزارعين لتمكينهم من استثمار أراضيهم وفق خطط مدروسة للنهوض بواقع الإنتاج الزراعي”.
ومن المطالب أيضاً “التصدي لظاهرة المخدرات”، إذ أشار القائمون على الحراك إلى أن أهل السويداء “لا يقبلون أن تكون ممراً للمخدرات إلى دول الجوار”. إضافة إلى مطالب أخرى بهدف تحسين الوضع المعيشي لسكان المحافظة التي تعد من المحافظات السورية قليلة الموارد.
وكانت محافظة السويداء قد شهدت الشهر الحالي احتجاجات شعبية واسعة النطاق على خلفية رفع الدعم الحكومي عن شرائح واسعة من السوريين تحت سلطة النظام، لجهة مواد أساسية، أبرزها الخبز الذي بات سعره عبئاً ثقيلاً على كاهل الملايين.
ويستفيد أهالي السويداء من خصوصيتهم الطائفية لتنظيم احتجاجات تصل إلى حد قطع الطرق الرئيسية، وإغلاق دوائر حكومية، والتظاهر، إذ يتعمّد النظام عدم التدخل أمنياً وعسكرياً لردع المتظاهرين كي يُبقي الدروز السوريين على هامش الصراع في سورية، خصوصاً أن هذا النظام لطالما حاول تصدير صورة للخارج على أنه “حامي الأقليات في سورية”.
وليس من المتوقع أن يستجيب النظام لمطالب المحتجين في السويداء، وهو ما يبقي المحافظة على حافة الانفجار الشعبي بشكل دائم. وعادة ما يطوّق النظام الاحتجاجات في محافظة السويداء من خلال فعاليات دينية واجتماعية مرتبطة بالأجهزة الأمنية كما حدث في عام 2020.
ولكن الحراك الراهن وجد مباركة متقدمة غير مسبوقة من شيخ العقل، حكمت الهجري، الذي طالب في بيان صدر منذ أيام بـ”عيش كريم تحت سقف دولة العدل والقانون، دولة الصدق”، مطالبا بتنحية “كل من قصّر بواجبه ودوره في موقع المسؤولية”، مضيفاً: ملّ الشعب الخطاب والتبريرات… وإننا نحتاج للصادقين المخلصين لبناء الوطن، نحتاج أن نصرخ… ونجاب”.
ووصف حكومة النظام بـ”السيئة”، لافتاً إلى أنّ قسماً كبيراً من ثروات سورية “مسلوب من الخارج، تحت أعين محلية أو بتواطؤ ما”، وفق تعبيره.
وكان لافتاً أن الحراك السلمي في محافظة السويداء لم يقتصر على مطالب لتحسين الواقع المعيشي، بل طالب المتظاهرون في بدايات الشهر الحالي بتطبيق القرار الأممي 2254 الذي ينص على الانتقال السياسي في سورية، في مؤشر واضح إلى أن الهوة بين أهالي السويداء والنظام باتت واسعة ومن الصعب ردمها.
ولطالما لجأ النظام السوري إلى التلويح بورقة تنظيم “داعش” في وجه أي حراك سلمي يستهدفه في محافظة السويداء، حيث تنتشر فلول للتنظيم في البادية السورية شرقي المحافظة.
وكان التنظيم قد هاجم عدة قرى في ريف المحافظة الشرقي منتصف عام 2018، مستخدماً صواريخ محمولة وأسلحة فردية وقنابل يدوية، ما أدى إلى مقتل وإصابة واختطاف مئات المدنيين من سكان هذه القرى الذين دافعوا عن أنفسهم في ظل غياب قوات النظام بشكل كامل.
النظام لن يستجيب لمطالب السويداء
واستبعد الكاتب حافظ قرقوط (وهو من أبناء محافظة السويداء)، في حديث مع “العربي الجديد”، أن يستجيب النظام بأجهزته وحكومته لأي من مطالب الحراك الشعبي السلمي في السويداء.
وأضاف: من يحكم سورية عصابة لا تفكر بمصلحة الوطن وسكانه. واعتبر المطالب “محاولة لإظهار النظام عارياً أمام حاضنته الشعبية”، مشيراً إلى أن “مجرم حرب وقاتل أطفال (في إشارة إلى بشار الأسد) لا يمكن أن يعطي الناس حقوقهم. هذا شخص مكانه في المحاكم الدولية”.
وأضاف: “للنظام عملاء في محافظة السويداء من بقايا حزب البعث الحاكم وهم وكلاء أمنيون دخلوا الحراك السلمي لتشويهه، وحرفه عن مساره، بل حاول البعض منهم رفع صور بشار الأسد في التظاهرات، ولكن المحتجين حالوا دون ذلك”.
وتعد السويداء أهم مركز سكني للمكون الدرزي في سورية، ولكنهم ينتشرون أيضاً في حي جرمانا الدمشقي وفي ضاحية صحنايا جنوب دمشق، إضافة إلى ريف القنيطرة وقرى في ريف إدلب شمال غربي سورية، فضلاً عن وجود عدد كبير منهم في الجولان السوري المحتل.
وفي السياق، يعتقد المحلل السياسي نورس عزيز في حديث مع “العربي الجديد”، أن النظام السوري “لن يستجيب على الإطلاق لمطالب الحراك السلمي في محافظة السويداء أو في أي منطقة سورية أخرى إلا إذا حدث حراك شعبي سلمي في كل المحافظات السورية على غرار ما حدث في محافظة السويداء”.
ويرى عزيز وهو من أبناء محافظة السويداء، أن “سقف المطالب التي ظهرت الجمعة يعد مرتفعاً بالنسبة لأهل الداخل السوري الواقعين تحت تهديد السلطة الأمنية”، مضيفاً: طالب المحتجون بتداول السلطة وبدولة ديمقراطية مدنية.
كما يلفت عزيز إلى أن الأسباب التي أدت إلى حراك الشهر الحالي وما سبقه من تحركات واحتجاجات خلال السنوات الماضية، خصوصاً بعد عام 2014 “لا تزال قائمة” مرجحاً استمرار الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء “بأشكال مختلفة ومحدودة”.
المصدر: العربي الجديد