مقالات وشهادة
في الوقت الحالي، لا تفضل الاحتمالات تحقيق الرياض الزيادات الكبيرة في إنتاج النفط التي تسعى إليها واشنطن.
لم تُفرَض حتى الآن عقوبات النفط أو الغاز الطبيعي على روسيا بعد غزوِها أوكرانيا ليس لأن هذه العقوبات قد تكون غير نافعة. ففي الواقع، قد تكون في غاية الأهمية. لكن يبدو أن البيت الأبيض لم يتمكن بعد من تنظيم كافة حساباته. أنا على استعداد للمراهنة على أن “الرقم الصعب” هو السعودية.
يتّسم هذا التحدي بالتعقيد: إذ تريد واشنطن ممارسة الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر حرمانه من إيرادات النفط والغاز الطبيعي. لكنّ العالم بحاجة إلى النفط والغاز الروسيَين. لذا يكمن جزءٌ من الحل في إنتاج المزيد من النفط، ومن هنا جاء إعلان الرئيس بايدن عن أخذ بضع رشفات أخرى من “احتياطي البترول الاستراتيجي” الأمريكي. وفي حين يشكل ذلك مساهمة إيجابية، إلا أنه لن يؤثّر على الأسعار إلى درجة إيقافها عن تجاوز الرقم الذي تَصدّرَ العناوين الرئيسية والذي بلغ 100 دولار للبرميل الواحد.
(يُعتبر الغاز الطبيعي مسألة منفصلة وربما تقتصر على فئة معينة. وحتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى أن موسكو ستتوقف عن إمداد أوروبا بغازها. وعلى أي حال، أصبح الربيع على الأبواب لذا سيتراجع الطلب الملحّ على الغاز.)
وفيما يخص النفط، يتمثل العائق الأساسي في “أوبك بلس”، أي الاتحاد غير الرسمي الذي يجمع منتجي النفط القدماء بقيادة السعودية، ومنتجين من خارج منظمة “أوبك” بزعامة روسيا لكن يشملون البلدان المهمة الأخرى المصدرة للنفط مثل كازاخستان. ومن المقرر أن يجتمع تحالف “أوبك بلس” في الثاني من آذار/مارس، على الرغم من أنه من المحتمل أن يقتصر هذا الاجتماع على محادثة يُجريها وزيرا النفط السعودي والروسي عبر منصّة “زوم”.
ومن المرجح أن يرغب كلا الطرفين في الحفاظ على ارتفاع الأسعار لأسبابهما الخاصة، والتنازل عن زيادة طفيفة في الإنتاج في أفضل الأحوال، إذا حدث ذلك. وتريد روسيا، بطبيعة الحال، كافة الإيرادات التي يمكنها الحصول عليها. وسيتمثل المنطق العام للسعودية في أنها تملك خططاً طموحة للتنمية بحاجة إلى التمويل.
ربما سيعتمد ذلك على الشخصية. وسيكون اللاعبان الأساسيان، رغم أن أياً منهما لن يشارك في الاتصال على الأرجح، بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة نظراً إلى عمر والده الملك سلمان وعجزه. وعلى الرغم من أنه كان هناك جدال سخيف بينهما بشأن أسعار النفط في أوائل عام 2020 أدى إلى انخفاض الأسعار، إلا أنه يبدو أن الطيور على أشكالها تقع. ففي قمة “مجموعة العشرين” التي عُقِدت في عام 2018 في بوينس آيرس، بعد مرور أقل من شهرين على مقتل الصحفي السعودي المنشق جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، كان بوتين الزعيم الوحيد في العالَم الذي أظهر الودّ بشكل واضح تجاه الأمير محمد بن سلمان. وما زالت صور المصافحة الشبابية بين هذين الرجلين تسبب الرعشة لبعض الأشخاص.
ومع أن السعودية كانت تُعتبَر تاريخياً الحليف الأولي لواشنطن في عالم النفط، يبدو أن الأمير بن سلمان يتخذ وجهة نظر مختلفة. ويُقال إنه يشعر بالاستياء من عدم استعداد الرئيس بايدن لعقد اجتماع معه وجهاً لوجه، سواء شخصياً أو عبر الهاتف. لماذا؟ هذا ليس واضحاً، لكن مصرع خاشقجي ربما يكون رهاناً صائباً.
يُعتقَد أن الأمير بن سلمان كان في الغرفة حين أجرى الرئيس بايدن محادثة مع الملك سلمان في 9 شباط/فبراير. وجاء في البيان الصادر من البيت الأبيض ما يلي: “كرّر كلا الزعيمين تأكيد التزام الولايات المتحدة والسعودية بضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية”. ووسّعت النسخة السعودية هذه العبارة مضيفةً: “… مع التشديد على دور اتفاق “أوبك بلس” التاريخي في هذا الصدد، وأهمية الحفاظ عليه”.
من المرجح أن تشتد الدبلوماسية الهاتفية في الأيام القليلة المقبلة لإقناع محمد بن سلمان بالتنازل وقد يقوم أيضاً مسؤول أمريكي رفيع المستوى بزيارة للمملكة. وفي الوقت الحالي، لا تبدو الاحتمالات مواتية لأي تنازل من الجانب السعودي.
سايمون هندرسون هو “زميل بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى