حذر الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” جوش روغين من تلاشي الديمقراطية التونسية أمام أعيننا. وقال: “في الوقت الذي انصرف انتباهنا لمتابعة الحرب التي تلوح في أوروبا و “ألعاب الإبادة الجماعية” في الصين ووباء كورونا الذي لا ينتهي، فإن الأمل الأخير للديمقراطية العربية الناجحة في الشرق الأوسط، يخفت. فتونس، قصة النجاح الوحيدة من الربيع العربي تنزلق نحو هاوية الاستبداد، ولا أحد يرى الولايات المتحدة في أي مكان”.
ففي تموز/يوليو الماضي عندما عزل الرئيس قيس سعيد رئيس الوزراء وحل البرلمان وأطلق عنان الجيش والأمن ضد معارضيه، عبر المجتمع الدولي بشكل عام عن تفاؤل حذر في إعادة سعيد السلطة التي استولى عليها سريعا. ورغم التحذيرات التي قالت إنه يقوم بـ”انقلاب داخلي” إلا أن إدارة جوي بايدن حاولت تصديق ما يقول. وبعد سبعة أشهر، فلم تعد هناك مساحة إلى هذا التفكير الذي يتعلل بالأماني. فقد سيطر على المحاكم وأصدر في كانون الأول/ديسمبر حكما بسجن الرئيس السابق منصف المرزوقي مدة أربعة أعوام. وأمر رجال أمن بالزي المدني باعتقال وزير العدل السابق، وكجزء من مواجهته مع خصومه السياسيين في حركة النهضة وكل الأحزاب السياسية الأخرى.
وأشار الكاتب إلى تقرير صدر عن منظمة أمنستي إنترناشونال قبل فترة وأشار إلى أن الجيش التونسي الذي يسيطر عليه سعيد يقوم وبشكل روتيني بمحاكمة وإدانة ومعاقبة المدنيين، بمن فيهم الناشطون السياسيون والصحافيون، كجزء من قمع الرئيس ضد معارضيه وحرية التعبير. وأمر الوزراء الذين نصبهم سعيد الشرطة بإغلاق سلطة مكافحة الفساد. ووطد سعيد سلطته بشكل كامل على الحكومة وفكك النظام التونسي الفوضوي والفاعل والقائم على المشاركة السياسية والرقابة والتوازن في السلطات.
وعندما أعلن سعيد عن رؤيته الجديدة أو “خطة الطريق” في كانون الأول/ديسمبر أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية أصواتا مشجعة. والغائب عن الخطة هي التفاصيل التي تتحدث عن خطط الرئيس واختياره شخصيا المسؤولين لكتابة الدستور والذي سيحدد القواعد والظروف لعقد انتخابات كانون الأول/ديسمبر “فهو وإن لم يصبح ديكتاتورا بسلطة مطلقة على الحكومة إلا أنه في الطريق”.
ونقل الكاتب ما أخبره به السناتور الديمقراطي كريس ميرفي الذي زار تونس والتقى سعيد في أيلول/سبتمبر: “كانت تونس المكان الذي بدأ فيه الربيع العربي وكانت دليلا على إمكانية نجاح الديمقراطية حتى بوجود قاعدة إسلامية”. مضيفا “لكننا في حالة تدافع مع شبه ديكتاتور وغموض حول المسار الذي يتجه إليه البلد”. وأخبر ميرفي الكاتب أن الوقت قد حان لإرسال رسالة إلى سعيد وبقية البلد بأن العلاقة مع الولايات المتحدة ستعاني كثيرا لو لم يغير الرئيس مساره.
ويعلق الكاتب أن تحركات سعيد في العام الماضي حظيت بدعم شعبي، لكن الحماس لتحركاته بات يتلاشى بعد اكتشاف السكان أن خطواته القاسية لم تنه الأزمة الاقتصادية، كما وعدهم. كل هذا يعطي الولايات المتحدة ورقة نفوذ وفرصة كما يقول ميرفي. ويشير إلى أن القرض الذي تقدمت به تونس للحصول على عدة مليارات من صندوق النقد الدولي بالإضافة إلى مساعدة 500 مليون دولار من هيئة تحدي الألفية إلى تونس متوقفة. وحجبت وزارة الخارجية بعض المساعدات العسكرية ويهدد الكونغرس بإلغاء أو تخفيض بعض الدعم الأمريكي لتونس إلا إذا تحسنت الظروف. وقال ميرفي “يحبه الناس لأنه وعد ليس باقتلاع الفساد، ولكن إنعاش الاقتصاد” و “لكنه لا يستطيع عمل هذا بدون دعم الغرب”.
وقال الكاتب إن بعض المشرعين مثل النائب الديمقراطي عن ساوث كارولاينا جوي ويلسون يؤيدون فرض عقوبات على المسؤولين التونسيين الذين يشاركون في القمع. وقال ويلسون للكاتب “لسوء الحظ، فهذه الإدارة لم تتعامل مع الموضوع بجدية، بل ومدحت في بعض الأحيان سعيد، رغم زعمها دعم أجندة الديمقراطية”.
ويعلق الكاتب أن العقوبات قد تجعل سعيد معاديا لأمريكا ولن يغير موقفه، ولكن رد الحكومة الأمريكية على تونس ليس متعلقا فقط بتونس. فهناك اعتقاد بالشرق الأوسط أن إدارة جوي بايدن ليست جادة في وعدها بوضع حقوق الإنسان في مركز سياستها الخارجية ودعم الديمقراطية ضد الديكتاتورية. وحرفت إدارة بايدن نظرها عندما قام المستبدون العرب في بلدان مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر بتجاهل كل مظاهر القلق الدولية بشأن ممارستها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان. وتقول سارة هولوينسكي، مديرة مكتب منظمة هيومان رايتس ووتش بواشنطن “ما نراه هو نهج يعطي الأولوية للاهتمامات الأمنية فوق وأبعد من حقوق الإنسان”.
ويقول روغين إن تونس هي شريك أمني مهم، لكن التاريخ كشف عن أن الديكتاتوريات تفرخ على المدى البعيد تطرفا وعدم استقرار، وبالتالي تتحول إلى شريك أمني سيئ وأسوأ حتى من ديمقراطيات فوضوية. ومن المفهوم أن هناك حالة إجهاد بواشنطن من الدخول في سباق جديد بالشرق الأوسط، لكن لو لم تتحرك الولايات المتحدة فهي تتخلى عن طموحات الملايين وترك المنطقة أسيرة لفوضى عميقة ودائرة لا تنتهي من العنف والتي ستهب في النهاية على شواطئ أمريكا.
المصدر: “القدس العربي”