رغم عدم إشارة أي منهما إلى هذا الملف بعد انتهاء اجتماعهما في البيت الأبيض يوم الثلاثاء، إلا أن المتحدثة باسم الرئاسة الأمريكية جين بساكي كانت قد أعلنت في بيان سابق، أن اللقاء بين جو بايدن وأمير قطر تميم بن حمد سيناقش مسألة “تأمين استقرار الإمدادات العالمية للطاقة”، في وقت تبحث فيه الولايات المتحدة ودول أوروبية عن بدائل للغاز الروسي في حال نشوب حرب بين حلف الناتو وروسيا بسبب أزمة أوكرانيا.
التحركات على هذا الصعيد أعادت إلى الضوء مجدداً مشاريع سابقة تتعلق بمد خطوط الغاز من قطر وإيران إلى أوروبا عن طريق سوريا وتركيا، وهو الأمر الذي لطالما اعتبر أنه أحد أسباب الصراع على سوريا بين القوى الإقليمية والدولية.
وتعتمد أوروبا بشكل رئيسي على الغاز المنتج في روسيا، التي توفر ثلث احتياجات القارة العجوز، الأمر الذي لطالما استخدمته موسكو كورقة ضغط في خلافاتها مع الغرب.
وتحتل روسيا المرتبة الأولى عالمياً في احتياطي الغاز (٣٤.٧) تريليون متر مكعب، تليها إيران (٢٣.١) ثم قطر (٢٤.٧) مع ملاحظة أن كفة الأخيرة هي الأرجح في الميزان التجاري باعتبارها أكبر مصدر بسبب قلة احتياجاتها للمادة محلياً.
مشروعا أنابيب عبر سوريا
ولذلك طرحت الدوحة عام ٢٠٠٩ مشروع خط الغاز الذي كان يفترض أن يمر بالسعودية والأردن وسوريا وتركيا وصولاً إلى أوروبا، فيما عرضت إيران في الوقت نفسه مشروع “خط الغاز الإسلامي” بالشراكة، إلا أن كلّاً من المشروعين بقي مجرد اقتراح.
وبينما لم يتم الكشف عن أسباب عدم تنفيذ هذين المشروعين، ادعى نظام الأسد في وقت سابق أنه هو من رفض ذلك، لكن مطلعين أكدوا أن هذه الرواية غير صحيحة، وأن النظام أراد من خلال ترويجها التسويق لدى الروس أنه فعل ذلك حفاظاً على مصالح موسكو، التي ستكون متضررة بالفعل إذا ما تم ذلك” حسب المحلل المتخصص بشؤون جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، طه العبد الواحد.
و في تصريح لـ”أورينت نت” يقول: مع بروز أهمية الغاز كأداة في السياسية الخارجية وخاصة بالنسبة لروسيا، فإن موقع سوريا يعتبر استراتيجياً بالفعل، فهي تقع في الوسط بين دول منتجة للمادة وأخرى مستوردة لها.
ويضيف: لو نُفذ مشروع الغاز الخليجي القطري لكان أثر بشكل كبير فعلاً على الاقتصاد والسياسة الروسية، لكن اليوم فإن وجودها القوي على الأراضي السورية يجعلها قادرة على تعطيل قيام أي جهة أخرى بتنفيذ مثل هذا المشروع بما فيها إيران.
ومع ذلك، ينوه العبد الواحد، إلى أنه حتى لو تمت تهيئة الظروف المناسبة، فإن هذا المشروع يحتاج إلى سنوات طويلة لإنجازه، ناهيك عن أن الإنتاج الإيراني من الغاز لا يصدر منه كميات تثير قلق الروس، أما المقلق بالنسبة لها هو الإنتاج القطري الذي يذهب بمعظمه حالياً للأسواق الآسيوية، وجزء قليل منه مخصص لأوروبا، لكن قطر لديها طموحات بمضاعفة إنتاجها المخصص للتصدير خلال العقد القادم، وهو ما يدفع موسكو لعدم التساهل حيال أي منافسة لها على هذه السوق.
تحييد الموقع السوري
تمثل عائدات الطاقة نحو ثلثي الدخل القومي الروسي، ومن المتوقع أن ترتفع نسبة اعتماد أوروبا على الغاز الروسي من الثلث إلى النصف مع تشغيل خط (نورد ستريم-٢) الذي تم إنجازه بالفعل.
وبحلول عام 2024، من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بنسبة 7% عن مستويات ما قبل عام 2019، بحسب وكالة الطاقة، الأمر الذي قد يكون بمثابة سيف ذي حدين، فإما أن يسهم بخفض التنافس بين المصدرين، أو يشعل توترات جديدة لن تقتصر على البلدان المنتجة فقط، بل ستشمل الدول التي تقع على طرق الإمداد، وإحداها سوريا.
لكن الباحث الاقتصادي أسامة القاضي لا يرى أن موقع سوريا يمكن أن يلعب دوراً مهماً في الصراع على تصدير الغاز “لأن أي خط من خلالها إلى أوروبا سيمر حتماً بتركيا، التي لم يعد ذلك من اهتماماتها اليوم بعد تحولها إلى شريك اقتصادي أساسي مع روسيا، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما حالياً ٢٤ مليار دولار، ومن المتوقع أن يرتفع إلى مئة مليار”.
ويقول لـ”أورينت نت”: بعد إنجاز خط السيل الأحمر الذي تصدر من خلاله روسيا جزء مهماً من مادة الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، فلا أعتقد أن أنقرة بوارد القبول بأي مشروع منافس، خاصة وأنها تكسب عائدات من هذا الخط، على رأسها الحصول على الغاز بأسعار تفضيلية، وإذا كانت الولايات المتحدة ستعوض أوروبا عن الغاز الروسي فليس أمامها سوى اللجوء للناقلات، فضلاً عن وجود علاقات جيدة بين روسيا والدول التي كانت تقترح مد أنابيب عبر سوريا، وخاصة علاقاتها مع إيران حيث تلتقي الدولتان على معاداة المصالح الغربية.
لا تبدو إذن الجغرافيا السورية مؤهلة اليوم للعب دور حاسم في حروب الطاقة أو ممراتها، لكن هذا الخروج من اللعبة لم يكن بسبب رفض النظام الانخراط بالمشروعين الخليجي والإيراني الذين طُرحا عام ٢٠٠٩ كما يقول مسؤولوه، بل نتيجة احتلال روسيا للبلاد وتعزيز وجودها فيها خلال السنوات الست الماضية، بعد أن نجحت قبل ذلك، حسب المراقبين، بجعل سوريا أرضاً يستحيل الاستثمار فيها على هذا الصعيد، من خلال دعم النظام سياسياً وعسكرياً، ما أنقذه من السقوط في وقت مبكر كان سيُقلل من تكاليف الصراع، بينما اكتفت الولايات المتحدة وأوروبا بالمراقبة.
واليوم يبدو أن الغرب يدفع ثمن هذا الموقف غطرسة روسية في ملف الأزمة الأوكرانية، التي يرى المحللون أنها مجرد ورقة ابتزاز تستخدمها موسكو ضد جيرانها، لمنع تمدد حلف حلف الناتو واستعادة نفوذها الذي كانت تتمتع به قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، وهو أمر لم يكن ليحصل لو توفرت لأوروبا اليوم مصادر من الطاقة تعوضها عن تلك التي تتحكم بها روسيا، بعد أن كان ذلك ممكناً بالفعل من خلال مشروع خط الغاز الخليجي عبر سوريا وتركيا لو تم.
المصدر: أورينت نت