لقاء الرئيسين الروسي والإيراني الأخير في موسكو، والذي “أثار أسئلة أكثر مما قدم أجوبة”، على قول خبير روسي، يبدو أن إيران كانت تراهن فيه على السخاء الروسي المالي في تمويل حاجاتها من السلاح والكهرباء وسواها. فقد سلم الرئيس الإيراني لزميله الروسي مشروع معاهدة تعاون إستراتيجي لمدة 20 عاماً، جل ما رشح عنها إشاعات عن طلب إيران تزويدها بأسلحة روسية حديثة بقيمة 10 مليارات دولار. وبعد أيام من إختتام الزيارة، نقلت مواقع إعلامية روسية عن أخرى عربية حديثها عن قلق دول الخليج مما يشاع عن إستعداد روسيا لفتح خط إقراض لطهران من أجل شراء أسلحة “تلقي بظلالها، عاجلاً أم آجلاً، على أمن المنطقة ككل”. ومما يزيد من مخاوف هذه الدول من الصفقة المحتملة التصعيد الأخير للنزاع في اليمن الذي يهدد البنية التحتية ليس في السعودية فقط، بل وفي الإمارات أيضاً، حسب موقع news.ru. وعلى الرغم من الإشاعات التي انتشرت حول قدرة طهران على تحمل الأعباء المالية لصفقة الأسلحة، إلا أن الكرملين رفض توضيح الحقيقة بهذا الشأن، حيث امتنع الناطق بإسم الكرملين عن “التعليق على التعاون في المجال العسكري” .مع إيران.
بعد يومين من إختتام اللقاء نقلت نوفوستي عن شبكة تلفزة إيرانية تصريحاً لممثل وكالة الطاقة النووية الإيرانية، تحدث فيه عن مفاوضات بين موسكو وطهران بشأن بناء بلوكات إضافية في محطة بوشهر النووية لتوليد 10 آلاف ميغاواط من الطاقة الكهربائية.
ويتوقع المسؤول الإيراني تبادل الوفود في أقرب وقت، وذلك من أجل “تنفيذ مشاريع جديدة”. ويشير إلى أن أحد هذه المشاريع مع روسيا في حقل الطاقة النووية يكلف إيران حوالي 5 مليار دولار. وتقول الوكالة أن الدولتين تعملان على مشروع ضخم في تطوير الطاقة النووية المتمثل في بناء بلوكات جديدة في محطة بوشهر، ويجري بناء البلوك الثاني وتم توقيع العقد لبناء الثالث.
بناء روسيا لمشاريع الطاقة الكهربائية في إيران بدأ في العهد السوفياتي، حيث تم آنذاك بناء محطتين تعملان على الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية. ويتم تمويل بناء المحطات، سواء النووية أو المائية او العاملة بالوقود، بواسطة القروض الروسية. وكانت وكالة “تاس” قد أشارت في شباط العام المنصرم إلى أن مجلس النواب الإيراني سمح للحكومة بعقد قرض مع روسيا بقيمة 5 مليار دولار لتمويل مشاريع البنية التحتية في إيران. وتشير إلى تصريح سابق لوزير الطاقة الإيراني يقول فيه بأن القرض مخصص لتمويل مشاريع في هذا المجال، بما فيها تحديث 3 محطات لتوليد الكهرباء.
أواخر العام 2020 نشر الموقع الروسي bankstoday نبأ تولي شركة روسية بناء محطة “سيريك” الإيرانية العاملة بالوقود لتوليد الطاقة الكهربائية. ويتولى مصرف روسي خاص تمويل المشروع بقرض مصرفي بقيمة 1,4 مليار $.
وسبق لوكالة نوفوستي أن أعلنت العام 2015 بأن إيران سوف تحصل على قرض بقيمة 5 مليارات $ من خزينة الدولة الروسية وقرض بقيمة 2 مليار $ من بنك التجارة الخارجية المملوك من الدولة. ونقلت يومها عن مسؤول إيراني قوله بأنه تم التوافق مع روسيا على الشروط الرئيسية لتقديم قرض روسي بقيمة 7-8 مليار $ تنفق لتنفيذ مشاريع بنية تحتية في إيران متعلقة بالطاقة الكهربائية وتطوير النقل بالسكك الحديدية.
على خلفية هذا السخاء الإقراضي الروسي مع إيران (يبقى الحديث غامضاً ما إن كان يدور كل تلك السنوات عن قرض 5 مليارات $ واحد، أم عن أكثر من قرض)، رفضت إيران في آب/أغسطس الماضي تسديد قرض لروسيا بقيمة 500 مليون يورو. ويقول موقع finanz.ru الروسي ألماني الملكية بأن السفير الروسي في إيران قال لوكالة نوفوستي بأن إيران لا تستطيع تسديد القرض المخصص لبناء محطة بوشهر. ومبلغ 500 مليون يورو يشكل حوالي نصف قيمة عقد بناء البلوكين الثاني والثالت من المحطة، والذي تم عقده العام 1995. ونقل الموقع عن السفير الإيراني في روسيا قوله بأن إيران بودها تسوية مسألة هذا الدين، واضاف “نحن نتحدث مع زملائنا الروس ونتقدم نحو حل هذه المسألة”.
لكن السفير الروسي في إيران نفى أن يكون قد تم العثور على حل للمسألة، وقال بأن الإيرانيين يعزون السبب الرئيس في رفضهم تسديد الدين إلى العقوبات الأميركية على طهران. ويقولون بأنهم لا يستطيعون الحصول على أموالهم المودعة في المصارف الأجنبية، خاصة في كوريا الجنوبية واليابان. ويقول الموقع بان الإيرانيين سبق ان أعلنوا عن وجود صعوبات في تشغيل محطة بوشهر بسبب العقوبات الأميركية، والتي تجعل من المستحيل تسوية الحسابات المصرفية بالدولار مع روسيا.
سبق لروسيا أن ألغت ديوناً مستحقة لها على دول أخرى بعشرات المليارات من الدولارات، وهو ما يجعل السؤال مبرراً عن الضمانات لاستعادة ديونها من إيران، خاصة بعد تذرع الأخيرة بالعقوبات الأميركية لرفض تسديد قسم من هذه الديون.
طرحت “المدن” هذا السؤال على باحثين وخبراء روس، وأشارت إلى أن مصير العقوبات لا تشي مفاوضات فيينا بأي تغير فيه حتى الآن.
سبق للناشطة في متابعة الشأن الإيراني يوليا يوزيك أن افترضت ما لا تفترضه القيادة الروسية من تغيير في إيران، وتصورت ما سيجيب به الإيرانيون الجدد الروس المطالبين برد أموالهم “أقرضتم الملالي، منهم واستردوهم”.
الباحث في مدرسة الإقتصاد العليا في موسكو يفغيني إيفانوف قال ل”المدن” بانه لا يستطيع أن يقول شيئاً في ما يتعلق بإيران. لكن روسيا تبحث منذ زمن في بدائل إنضمام إيران إلى الإتحاد الأوراسي الإقتصادي، وهذا يمنح السلع ورؤوس الأموال الروسية فعالية أكبر في دخول إيران، مما يمكن أن يعوض روسيا جزئياً عن إستثماراتها في إيران. وبالنسبة لروسيا والإتحاد الأوراسي تمثل إيران بملايينها 80 سوقاً كبيرة، إضافة إلى إمتلاكها إمكانيات لوجستية كبيرة ومنفذاً إلى البحار الجنوبية، وهو ما تفتقده البلدان الأوراسية الأخرى.
الخبير في المجلس الروسي للعلاقات الدولية وفي معهد الشرق الأوسط في واشنطن أنطون مارداسوف، قال بأن رقم 10 مليار$ (الذي تفترضه المعاهدة الروسية الإيرانية) غير واقعي. وأفق التعاون العسكري التقني الروسي مع إيران مبالغ به جداً من قبل الإعلام، فقد يقتصر الأمر على بعض العقود في شراء الطائرات الحربية، لكنها أقل بمرات مما ذكر في الإعلام. بعض التعاون تم في مرحلة العقوبات، مثلاً في أنظمة رادارات الطائرات، وليس كصادرات بل كإمدادات للقوات المسلحة الروسية، وتم توقيع عقد على تجميع قمر صناعي يمكن أن يستخدم للأغراض العسكرية أيضاً.
النظام الإيراني نفسه ليس مستعجلاً، برأيه، على عقد صفقات كبيرة، بل على عقود رمزية في حقل الطيران المقاتل. والحرس الثوري يشرف بنفسه على صناعة الدبابات وأنظمة الدفاع الجوي، ولذلك إذا كان الطرفان يتفاوضان، فليس على عقود بقيمة أكثر من 1-2 مليار$.
رئيسة المركز الثقافي الشرقي لمعهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية، والباحثة في معهد الإستشراق الروسي لانا رواندي فداي الروسية من أصل إيراني، قالت بأن العقوبات تشكل عقبة بوجه تنفيذ الشركات الروسية مشاريعها في إيران، وكذلك بوجه إمكانيات إيران على تنفيذ إلتزاماتها المالية المترتبة على العقود.
وبشأن الضمانات لروسيا، قالت لانا بأن تطور التعاون نفسه بين البلدين يشكل ضمانة بحد ذاته. أما الضمانة الأخرى فتتمثل، برأيها، في التخلي عما هو تقليدي في العلاقات المالية السلعية، والإنتقال إلى العملات الوطنية في تسوية الحسابات بين الطرفين.
المصدر: المدن