((فى احتفال صهيونى بامتياز فى قلب القاهرة، قامت السفارة الامريكية يوم الاثنين 24 يناير 2022، باحياء ذكرى ما يسمى “الهولوكوست” بأحد الفنادق على ضفاف النيل، وهاجمت ثورة 1952 وقادتها العسكريين فى موقفهم من يهود مصر حيث ادعت انهم قاموا بطردهم فى الخمسينات والاستيلاء على ممتلكاتهم، واشادت بالسلام المصرى الاسرائيلى، واثنت على القيام بهذا الاحتفال لأول مرة فى مصر التى اصبحت تربطها علاقات جيدة مع (اسرائيل). وكان على رأس المتحدثين الكاتب الامريكى الصهيونى “روبرت ساتلوف” المشهور بمواقفه وكتاباته المعادية لفلسطين وللعرب والذى كان له موقفا معاديا لثورة يناير ومحرضا ضدها.)) *** ولقد جاء فى نص الخبر كما نشرته السفارة الأمريكية ما يلى: ((قد تم الاحتفال بالمناسبة بحفل أقيم في فندق فور سيزون بحي جاردن سيتي بالعاصمة المصرية. وحضرته شخصيات يهودية بارزة من جميع أنحاء العالم. وتم الاحتفاء برعاية سفارة الولايات المتحدة بالقاهرة ومتحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة. كخطوة مهمة إلى الأمام من أجل الشمول الديني والسلام بين الأديان.)) كما ورد ايضا العبارة التالية ((قبل الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كانت مصر لا تزال ملكية، انتقل اليهود من جميع أنحاء العالم إلى مصر هربًا من الاضطهاد في أوروبا في النصف الأخير من القرن التاسع عشر.لكن في الخمسينيات من القرن الماضي، وتحت حكم الحكومة العسكرية الجديدة، بدأت مصر في طرد جاليتها اليهودية ومصادرة ممتلكاتهم في جميع أنحاء البلاد.)) *** وتعليقى على هذا الاحتفال العدوانى الصادم والمرفوض قلبا وقالبا هو: ان فيه تجرؤ واستخفاف بالشعب المصرى فى عقر داره، وتحدى وانتهاك وقح لمشاعره وثوابته الوطنية والعقائدية. كما فيه استهانة واهانة للدولة المصرية ذاتها التى تأسس نظام الحكم فيها 1952-2022 على شرعية ثورة 1952 وباكورة معاركها الوطنية للتحرر والاستقلال عام 1956، وعلى المكانة المركزية الخاصة للقوات المسلحة المصرية، التى لا يمتلك أى معارض مصرى الطعن او التشكيك فيها، والا لتعرض للمحاكمة والسجن، فتأتى السفارة الامريكية لتهاجمها علانية من قلب القاهرة مرددة الروايات الصهيونية المزعومة عن مواقف قادتها فى الخمسينات. كما ان فيه تزييف للحقائق وتزوير للتاريخ، وتجاهل انحياز وولاء اعداد كبيرة من الجالية اليهودية المصرية لاسرائيل حينذاك رغم مشاركتها فى العدوان الثلاثى على مصر، بالاضافة الى الدور التخريبى والارهابى والتجسسى الذى قامت به المنظمات الصهيونية فى مصر لصالح هذا الكيان الاستعمارى العنصرى الوليد. وقبل ذلك وبعده فان فيه اساءة بالغة لمكانة مصر ودورها التاريخى والريادى فى الامة العربية، رغم كل ما وقعه حكامها من اتفاقيات مع (اسرائيل). كما انه فيه استفزاز شديد للقوى الوطنية المصرية المناهضة للصهيونية ولاسرائيل وللهيمنة الامريكية، والتى لم يعد مسموحا لها بتنظيم اى فاعلية داعمة للقضية الفلسطينية فى اى من القاعات العامة او المنصات الاعلامية، على غرار ما تفعل السفارتان الامريكية والاسرائيلية. *** أما عن هذا الهولوكوست: فان هذه الحملات الصهيونية العالمية لاحياء ذكرى ما يسمونه بالهولوكوست، تستهدف انتزاع مزيد من الشرعية والاعتراف بكيانها الباطل، ومزيد من التغطية على ما ترتكبه من جرائم حرب وابادة، ومزيد من الدعم والحماية والمباركة لابتلاعها مزيد من الارض الفلسطينية كل يوم. لقد أسقطت الحرب العالمية الثانية ما يزيد عن 50 مليون ضحية، ولكن الحركة الصهيونية لم تتوقف سوى امام ضحايا الحرب من اليهود الذين لم يتعد عددهم فى اكثر الادعاءات تضخيما وتهافتا 6 مليون يهودى، حيث قاموا بتأميم واحتكار فظائع الحرب لصالح مشروعهم، فى عنصرية صهيونية غير مسبوقة تجاه باقى شعوب العالم. ولم يكتفوا بذلك، بل اعتبروا ان التعويض الغربى الوحيد المقبول لديهم، هو بإعطائهم فلسطين، ليصبح المشهد كما يلى: نظام المانى عنصرى يقتل مواطنيه من اليهود الالمان، فيكون العقاب للشعب العربى فى فلسطين الذى لا ناقة له ولا جمل فى جرائم النازية. ان ما ورد فى هذا الشان فى بيان اعلان ما يسمى بدولة (اسرائيل) الصادر عام 1948 هو من أكبر وأخطر جرائم الكذب والتضليل التى شهدها العالم عبر تاريخه الطويل حيث ورد بالنص ما يلى ((وكانت النكبة التي حلت مؤخرًا بالشعب اليهودي وأدت إلى إبادة ملايين اليهود في أوروبا دلالة واضحة أخرى على الضرورة الملحة لحل مشكلة تشرده عن طريق إقامة الدولة اليهودية في أرض إسرائيل من جديد)) هذا بالاضافة الى ما اصبح ثابتا اليوم بموجب العديد من الوثائق والدراسات، من تعاون مشترك بين هتلر وقادة الحركة الصهيونية، من اجل تهجير اليهود الالمان الى فلسطين، كل بحسب دوافعه؛ فالنازيون يكرهون اليهود ويريدونهم خارج المانيا، والمنظمات الصهيونية يريدونهم ايضا خارج المانيا وبالتحديد فى فلسطين، فلماذا لا ينسقون ويتعاونون؟ ومهما كانت بشاعة ما حدث فى الهولوكوست بل وفى الحرب العالمية الثانية كلها، فانه من غير المقبول ان يتحول الى ذريعة للاستيلاء على اراضى الغير، ولا أن يرقى الى ما أعقبه وترتب عليه من جرائم حرب وابادة لانتزاع ارض فلسطين من شعبها، بالقتل والعدوان والمذابح والتهجير والفصل العنصرى والتجويع والحصار والاستيطان، وحرمان عشرات الملايين من الأجيال المتعاقبة من وطنهم، وتهديد وجود وامن وسلامة امة باكملها. اننا نؤكد انه لا يوجد اى حقيقة او منطق او اسس علمية أو سوابق تاريخية لما قامت به الحركة الصهيونية وعقيدتها من تحويل الدين اليهودى الى وطن وقومية، ولا شرعية من قريب او بعيد للكيان الصهيونى الذى يسمى باسرائيل، الذى يعطى لنفسه الحق فى تمثيل كل يهود العالم، واحتكار الكلام باسمهم، ولا حق او مصداقية فيما تقوم به (اسرائيل) من ادعاء باطل بحقوق الملكية الدينية والقومية والتاريخية للهولوكوست والتصدى لاحياء ذكراه. وفى حالة صدور أى تضامن رسمى عربى مع ما يسمى بالهولوكوست بدون ذكر كلمة واحدة عن احتلال فلسطين، فانه لا يمثل الشعوب العربية ولا يعبر عنها، وانما هو من نتاج وافرازات مستنقع التبعية والتطبيع التى تغرق فيها الغالبية العظمى من انظمة الحكم العربية. *** ان هذا الاحتفال الامريكى الصهيونى فى قلب القاهرة وامام أعين المصريين ورغما عن أنفهم بعد أربع سنوات من خطيئة السماح للسفارة الاسرائيلية عام 2018 بالاحتفال بذكرى (النكبة) على ضفاف النيل وبالقرب من ميدان التحرير، يطرح علامات استفهام جادة حول تهاون السلطات المصرية مع الانشطة والدعايات الصهيونية فى مصر، التى لن يسمح بها أو يقبلها الشعب المصرى وقواه الوطنية مهما كانت الظروف.
المصدر: اليوم الثامن