ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلب فإنّ الكاتبَ خالد المعيقل يستدرجُكَ طائعاً مُختاراً إلى ميدانه، وبحِنْكة خبيرٍ عارفٍ يأخذك ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمالِ، ويخترقُ خطّ دفاعِكَ الواهي أصلاً ؛ حتّى يسجّلَ نقاطَ الفوز عليكَ (شكلاً)، بل لكَ (مضموناً)، ويقودُكَ راضياَ إلى الاعتراف بالحقيقة التي كنتَ تنكِرُها عِناداً وكِبْراً أو تهربُ منها مُخالِفاً فِطرتَك السليمة؛ تلك البوصلة التي أودعَها ربُّ العالمين في كيانك كي لا تَضلَّ ولا تَشقى. إذاً هو رجوعُك إلى الحقّ واعترافك به, والاعتراف سيّدُ الأدلّة.
المعيقل لا يلبسُ ثيابَ الواعظ، ولا يُمسِكُ عصا المُعنِّف،ولا يُلقي الرعبَ في نفسك، ولا يُلقي الخُطَبَ الطِّوالَ التي تجعلكَ تخرج من جِلْدك وتنظرُ إلى الساعة أكثرَ ممّا تنظرُ إلى الخطيب، بل يضعُكَ في مواجهةٍ مع أسئلة الحياة الكُبرى، ويهزّكَ من الداخل هزّاً لطيفاً حتّى تُساقِطَ رُطَباً جنيّاً، كلُّ ذلك بصوتٍ هامسٍ يجعلك تُرهِف حواسَّكَ كلّها لتسمعَه، مع قدرةٍ فائقةٍ على اختراقِ جدارِ الرفضِ حتّى تُعلِنَ قائلاً: أرجوكَ دُلّني على الطريق.
يُغريكَ أوّلاً بعنوانٍ شهيٍّ “ولتطمئنَّ قلوبُكم” يبحثُ عنه ستّةُ ملياراتٍ من البشر أو يزيد على وجه هذا الكوكبِ الخجول في الكون الرحْب، ويُنفِقون الذهبَ والفضّة طلباً له، فلا يستطيعون إليه سبيلاً.
سبعُ باقاتٍ من رياضِ الصالحين، قطفَها خالد المعيقل مُخلِصاً النيّة لوجهٍ واحدٍ، وأودعَها في كتابه اللطيف مغلّفةً بالمحبّة والتسامح، مُبشِّراً بأنّ الوقتَ الأصليّ لم ينتهِ والكرةُ في ملعبك، وأنّ الفرصة ما زالت قائمةً لتحيا حياةً طيّبةً أرادها اللهُ تبارك وتعالى لكَ أصلاً؛ فقط أزِلْ الغِشاوةَ عن عينيك، وإليكَ مفتاحها.
لعلّ أزمتَنا أزمةُ رؤيةٍ؛ فالكثيرُ من بني البشر ينالون الدرجةَ الكاملة عند طبيب العيون لكنّهم لا يُبصِرون، وصدقَ الشاعرُ إذ قال:
دواؤك فيكَ وما تُبصِرُ وداؤكَ منكَ وما تشعرُ
وتحسَبُ أنّكَ جِرْمٌ صغيرٌ وفيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ
يسبحُ الكاتبُ في فَلَك الإيمان الحقيقيّ الذي يُثمرُ سَكينةً في الروح وطمأنينةً في القلب؛ فترى المؤمنَ في خيرٍ دائماً إن أصابتْه سرّاءٌ شكَر، وإنْ أصابتْه ضرّاءٌ صبَر، يصحّ فيه قولُ المتنبّي:
وحالك واحد في كل حال وحالاتُ الزمانِ عليكَ شتّى
المجموعة الأولى من الكتاب تعرِضُ إبداعَ الخالقِ العظيم الحكيم تباركَ وتعالى، وقُرْبَه من عباده، وسرعة استجابته للدعاء النابع من اليقين؛ ممّا يقتضي من المؤمن الرضا والتسليم، والتوكّل مع الأخذ بالأسباب.
أمّا المجموعة الثانية فهي خريطة طريق إلى السعادة، تُخرِجُكَ من السلبيّة إلى الإيجابيّة في الحياة، فيدعوكَ إلى تذوّق الجمال، وإمساك اللحظة السعيدة، وهنا يؤكّد أنّ السعادة قرارٌ شخصيّ يعجزُ عن اتّخاذه الكثيرون.
وللكاتب وقفةٌ عند أمراضِ النفسِ الناشئة أصلاً عن سوء الظنّ بالله؛ وهي الحسد والحقد والغضب، ممّا يدعونا إلى اتّخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر كي لا تتسرّبَ إلى النفس فيقعد المرءُ مَلوماً محسوراً.
لا يحملُ الحقدَ مَن تعلو به الرتَبُ ولا ينالُ العُلا مَن طبْعُهُ الغضبُ
ثمّ ينتقل المعيقل إلى العبادات الشعائريّة في الدين الحنيفِ، مُبيّناً مقاصدَ الشريعة منها؛ فما هي في الحقيقة إلّا تزكيةٌ للنفس.
بعدها يتحدّثُ الكاتب عن العظماء الذين ملؤوا الدنيا وشغلوا الناسَ، مُشيراً إلى صفاتهم التي تحلّوا بها من بساطةٍ وعفويّةٍ و صفْحٍ جميل.
وأخيراً يختتمُ المعيقل كتابَه بالحديث عمّا يجنيه الإنسانُ من ثمراتٍ يانعةٍ حين ينضجُ الوعيُ والفكرُ.
كتابٌ سريعُ الهضمِ والامتصاص، يلتصقُ بقلبك كما يلتصقُ بيديك، يفتحُ شهيّتَك للحياة، فيجلو الصدأ عن القلب، تُعيدُ قراءتَه مَثنى وثُلاثَ ورُباع فكأنّكَ تشربُ من عذبٍ فُراتٍ كلّما ذُقتَه طلبتَ المزيدَ.