كي لا نزعج مقتدى الصدر وأحباءه القدامى والجدد، من الانتهازيين والوصوليين، سنسلم بان مقتدى، وبعد فوزه بالانتخابات، أصبح الزعيم الأوحد لشيعة العراق والمقاوم العنيد والاخ الأكبر وصانع الامراء والملوك الخ. ونعترف بنجاح تحالفه مع متزعمي الطوائف وحيتان الفساد. مثل محمد الحلبوسي ومسعود البرزاني. ونقر أيضا بنجاحه في تقزيم دور نوري المالكي سياسياً، واحتمال التحاق أصحابه الاشرار بركب مقتدى، مثل هادي العامري وعمار الحكيم وفالح الفياض وقيس الخزعلي. لكن من الصعب جدا القفز على الحقيقة والقول، بان مقتدى أصبح بين عشية وضحاها، رجل الإصلاح ولديه مشروع لبناء العراق. لأننا إذا فعلنا ذلك، سنزعج عموم الشعب العراقي، الذي وصف مقتدى وصحبه الأشرار في عملية المحتل السياسية، بالحرامية في أهزوجة أصبحت الأكثر شهرة في العراق، “باسم الدين باكونا الحرامية”.
ان أحاديث مقتدى وتغريداته اليومية عن تشكيل حكومة أغلبية وطنية، أو حكومة طولية أو ابوية، أو لا شرقية ولا غربية، لن تحصد غير السخرية والاستهجان. فمقتدى ما زال وسيبقى جزءا لا يتجزأ من العملية السياسية، التي تقوم أصلا على المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت. إضافة الى شراكته الفعالة في سرقة المال العام وارتكاب الجرائم وسفك دماء الأبرياء. وكان أخر جريمة ارتكبها، قتل ثوار تشرين على يد ميلشياته المسماة سرايا السلام.
اما ادعاؤه بمحاربة الفساد وتجريد المليشيات من سلاحها. فهذا كذب وافتراء. اذ كيف يكون مقتدى ضد الفساد، ويقيم في نفس الوقت تحالفاته مع حيتان الفساد والمحاصصة؟ اليس من المفروض والمنطق ان يتحالف على الأقل، لذر الرماد في العيون، مع الفائزين الجدد من المستقلين الذين وصف بعضهم بالوطنيين والبعض الاخر بممثلي ثوار تشرين؟ علما بان عدد مقاعد المستقلين تجاوز عدد مقاعد حلفائه الفاسدين مثل الحلبوسي والبرزاني. بمعنى اخر اشد وضوحا، كيف لمقتدى محاربة الفساد والتحالف مع رؤوسه في نفس الوقت؟ ام ان الحلبوسي والبرزاني أصبحا بقدرة قادر من المصلحين ايضا؟
ما يقوم به مقتدى ليس جديداً. فلقد سبق له استخدام مثل هذه الأساليب الملتوية والمبتذلة، ونجح في تامين حصته من جسد العراق طيلة سنوات الاحتلال. فعلى سبيل المثال نال مقتدى في حكومة نوري المالكي الأولى 30 نائبا وأربع وزراء. وفي حكومته الثانية 34 نائبا وسبعة وزراء. وفي حكومة حيدرالعبادي،36 نائبا وخمس وزارات، وفي حكومة عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، كان له 54 نائبا وعدد كبير من وكلاء الوزارات ومدراء عامين ومستشارين وأعضاء في الهيئات الخاصة والمحافظين ومجالس البلديات. إضافة الى عشرات السفراء في مختلف انحاء العالم.
وتجنبا للإطالة، فان الهدف من وراء هذه الادعاءات الكاذبة، هو الاستحواذ على حصة الأسد هذه المرة، ورمي الفضلات لصحبه الاشرار. وخير دليل على ذلك، اعلان مقتدى عن مبدا جديد لتوزيع المناصب الوزارية ينال بموجبه الفائز الأكبر حصة الأسد، واشترط بان تكون “الشخصيات التي ستكلف بإدارة الوزارات في الحكومة الجديدة شخصيات مرتبطة به وبحلفائه وحرمان الفائزين المستقلين منها، كما كان معمولا به في الحكومة المنتهية ولايتها على حد تغريدة مقتدى نفسه. وللتوضيح أكثر حدد عدد وزراء حكومته القادمة بواحد وعشرين وزيرا. وقسمها الى ثلاثة اقسام، شمل القسم الأول الوزارات السيادية وعددها أربعة، الخارجية، والمالية، والنفط، والكهرباء”، والثانية سماها الوزارات المتوسطة وعددها ثمان وزارات، الداخلية والدفاع والتخطيط، والصحة والتجارة والعدل والتربية والتعليم العالي. اما المجموعة الثالثة والأخيرة، فتضم تسع وزارات خدمية هي، وزارة الصناعة والمعادن والاتصالات والزراعة والموارد المائية والبيئة والإعمار والإسكان والنقل وحقوق الإنسان، إضافة الى وزارة لشؤون الدولة.
لكن مقتدى نسي على ما يبدو او تناسى، بان التخفي وراء شعارات الإصلاح ومحاربة الفاسدين، لم تعد وسيلة صالحة لخداع العراقيين، كما كان الامر يجري في السابق. حيث تولدت لدى الناس قناعة راسخة بان الفاسد ليس بمقدوره محاربة صحبه الفاسدين، وان من يمتلك مليشيا مسلحة مثله، ليس بإمكانه سحب سلاح المليشيات الأخرى. ومن يمنح رئيس مجلس النواب للسنة ورئاسة الجمهورية للكرد ورئاسة الوزارة للشيعة، غير مؤهل لإلغاء المحاصصة. بل الأكثر من ذلك، فان العراقيين قد قالوا كلمتهم، ومفادها ان عملية المحتل السياسية لا يمكن إصلاحها من داخلها.
بالمقابل نسي مقتدى او تناسى، بان راعي العملية السياسية السيد الأمريكي ووصيفة الإيراني. لن يسمحا له ولا لغيره المساس باي ركن من أركانها. خاصة فيما يخص نظام المحاصصة الطائفية والفساد. يضاف الى ذلك، فان هذا المحتل قد نجح في إقامة دولة فاشلة بامتياز، يصعب على أي طرف او مجموعة أطراف اختراقها او المساس باي ركن من اركانها. فبالإضافة الى امتلاك المحتل القوة الكافية لحمايتها، فانه تم تسييجها بمنظومة دفاعية تشمل قوانين وانظمة معقدة يحميها دستور ملغوم وبرلمان مرتشي وقضاء مسيس. وبالتالي لا نحتاج الى قدر من الذكاء لكي نستنتج، بان حكومة الأغلبية الوطنية، ليست سوى كلمة السر الجديدة لحكومة المحاصصة، وان المحتل الأمريكي ووصيفه الإيراني قد باركا هذه المسرحية الفاشلة، على امل امتصاص نقمة العراقيين الشديدة ضد هؤلاء الحرامية. والا بماذا نفسر الضغط الإيراني على المليشيات الولائية للالتحاق بمقتدى الصدر ومبايعته كزعيم للشيعة؟ وبماذا نفسر أيضا موقف أمريكا وحلفائها المؤيد للانتخابات والتغزل بنزهاتها وكيل المديح والتهاني لمقتدى الصدر؟ وبالتالي، هل نحتاج الى قدر كبير من الذكاء كي نتوصل الى قناعة بان حكومة الأغلبية الوطنية هي صناعة أمريكية إيرانية خليجية؟ وان هذه الحكومة المرتقبة ستكون نسخة طبق الأصل من الحكومات السابقة، مهما جرى تلوينها بمصطلحات وعبارات رنانة؟
إذا كانت لغة الباطل المنتصر هي التي تسود اليوم، على الرغم من بطلانها، فمن المعيب جداً ان يروج لها وطنيون عراقيون يرفضون العملية السياسية ويقفون ضد الاحتلالين الأمريكي والإيراني، تحت ذريعة واهية تقول، دعونا نمنح الرجل فرصة أخرى. ونسي هؤلاء الوطنيون جدا، انهم بدعوتهم هذه، انما يشاركون في سفك مزيد من الدم العراقي وسرقة المال العام وتخريب البلاد والعباد. فسجل مقتدى في هذا الخصوص شديد السواد. ولكي لا نغوص في هذا السجل كثيرا، نكتفي بما فعله بعد فوزه في الانتخابات السابقة. فبمجرد تحقيق الفوز فيها، تخلى مباشرة عن جميع العهود التي قطعها على نفسه والتي تضمنت برنامجا اصلاحيا طويلا يجعل من العراق جنة عدن. حيث اقام تحالفا مع حيتان الفساد والمحاصصة الطائفية مثل، هادي العامري وعمار الحكيم وحيدر العبادي لتشكيل الكتلة الاكبر، لينتهي الى موافقته على تسليم السلطة الى عادل عبد المهدي، الرجل الذي اتفق عليه الايراني قاسم سليماني والسفير الامريكي في بغداد، مقابل منحه حصة كبيرة في الحكومة والمناصب المهمة والدرجات الخاصة.
ان هؤلاء الأشرار، سواء شكلوا حكومة “اغلبية وطنية” او حكومة توافقية، فانهم لن يتوقفوا عن السرقة وارتكاب الجرائم. وهذا الامر لا يحتاج الى دليل او برهان. حيث اعترفوا جميعا بذنوبهم امام الملا، دون خوف او خشية. خاصة وان ما يسمى بالقضاء العراقي المستقل قد تكفل بحمايتهم من أي عقاب حتى وان ثبتت التهمة عليهم. ولنا في هذا الخصوص امثلة عديدة. حيث منح هذا القضاء المسيس والمرتشي البراءة لكل المتهمين الذي استدعاهم البرلمان، بجلسات لم تستغرق سوى دقائق معدودات مع تقديم الاعتذار لهم. مثل خالد العبيدي وزير دفاع سابق. وسليم الجبوري رئيس برلمان وبهاء الاعرجي نائب رئيس وزراء ومحمد الكربولي نائب وايهم السامرائي وزير كهرباء وفلاح السوداني وزير تجارة ومشعان الجبوري نائب حاليا وغيرهم.. وما حدث بالنسبة لهؤلاء حدث نفس الشيء مع هوشيار زيباري وزير المالية الاسبق، الامر الذي ولد استياء عاما لدى عموم الشعب العراقي، وصارت كلمة، والله كلكم حرامية تجري على كل لسان.
نحن على يقين بان حبل الكذب الذي بيد مقتدى قصير جداً. فالشعب العراقي لن يخدع هذه المرة، لا بالمجلس النيابي ولا بالحكومة التي ينتجها. كما لن تغريهم شكل هذه الحكومة، سواء كانت حكومة اغلبية وطنية او توافقية. كما لا يعني له شيئا الجهة التي ستشكلها او البرنامج الذي تتبناه مادامت نفس الوجوه الكالحة باقية في سدة الحكم. وعلى هذا الاساس لا اجازف إذا قلت، بان الموجة الثالثة من ثورة تشرين اتية لا ريب فيها، وبقوة اشد وزخم أكبر ومشاركة أوسع. فأطراف عملية الاحتلال السياسية توفر، مع مرور الايام، المبررات الكافية جدا لانتشار الافكار الثورية التي تدعو الى اسقاط العملية السياسية برمتها.
هذا ليس وهما أو اضغاث أحلام، فمهما امتلك هذا المحتل وعملاؤه في المنطقة الخضراء من قوة، ومهما ازدادت مجموعة الساقطين اجتماعياً واخلاقياً، الذين يرقصون مع القوي مقابل دراهم معدودات. فان اصرار الشعب العراقي على الثورة ضد هؤلاء الأشرار لن يتزعزع أبداً. وسيأتي اليوم الذي تكتمل فيه كل عناصر الانتصار، ويتمكن شعبنا من تخليص العراق من محنته التي طالت كثيرا، ويعيد للعراق هيبته ومكانته التي تليق به.