بعد أقل من أسبوع على تعيين الجنرال عبد الغني راشدي نائباً للمدير العام للأمن الداخلي في الجزائر (استخبارات الجيش) ومنحه “صلاحيات واسعة”، قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تنصيبه مسؤولاً أول عن الجهاز خلفاً للجنرال واسيني بوعزة، في سياق معطيات غير مؤكدة رسمياً عن تحقيق موسع يجري حول “محاولة التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة”. وتزامن القرار الأمني مع نفي رئاسة الجمهورية الجزائرية إعداد مسودة للدستور لا تعترف باللغة الأمازيغية.
ولم تعد خافيةً دواعي إضافة عبارة بـ”صلاحيات واسعة” على إعلان تنصيب راشدي قبل أسبوع، نائباً لبوعزة في قيادة الأمن الداخلي، إذ إن قرار “عزل” الأخير صدر سريعاً، بعدما فُهمت جيداً الرسالة التي أراد الرئيس الجزائري توجيهها بصفته قائداً للقوات المسلحة، وزيراً للدفاع.
وتنفيذاً لهذه المعطيات المتسارعة أجّل رئيس أركان الجيش بالإنابة، اللواء السعيد شنقريحة زيارته المقررة إلى مقر الناحية العسكرية الثانية في وهران (500 كيلومتر غرب العاصمة) التي كانت مقررة الاثنين (13 أبريل/ نيسان الحالي) إلى اليوم الثلاثاء، ليتولى الإشراف على تنصيب راشدي في منصبه الجديد.
علاقة فاترة
وكانت تساؤلات عدة أُثيرت بعد تنصيب تبون في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، حول علاقة الوافد الجديد إلى قصر المرادية (الرئاسة) بمسؤول الأمن الداخلي حينها الجنرال واسيني بوعزة الذي تولى المنصب في أبريل 2019 بدعم من رئيس الأركان الراحل الفريق أحمد قايد صالح. وراجت أنباء عن علاقة “فاترة” بين الرجلين منذ البداية، إثر ما أُشيع عن محاولات بوعزة للتأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح المرشح عزالدين ميهوبي.
بيد أن تتابع الأحداث وظهور بوعزة في أكثر من اجتماع للمجلس الأعلى للأمن برئاسة تبون، أزال مؤقتاً تحاليل العلاقة “الفاترة” إلى حين إعلان رئاسة الجمهورية عن قرارين مهمين على مستوى أجهزة وزارة الدفاع الوطني، بتعيين الجنرال الشاب محمد قايدي رئيساً لدائرة الاستعمال والتحضير لأركان الجيش، ثم تعيين الجنرال راشدي نائباً لمدير الأمن الداخلي بـ”صلاحيات واسعة”.
وشغل بوعزة منصب مدير الأمن الداخلي في أبريل 2019 خلفاً للجنرال عبد القادر، الذي كان تحت إمرة الجنرال بشير طرطاق، المدير العام للاستخبارات الذي اعتُقل عقب استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتقليقة، إلى جانب مدير جهاز الاستخبارات السابق الفريق محمد مدين المعروف باسم الجنرال “توفيق”، وسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق.
ويُعتبر العميد عبد الغني راشدي من الكوادر العسكرية الجديدة في الجزائر، وهو جامعي يحمل شهادات عليا. وكان رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح عينه في مايو (أيار) 2019 على رأس معهد الدراسات العليا في الأمن الوطني، وقبل ذلك ملحقاً عسكرياً بالسفارة الجزائرية في الإمارات.
“لمسة تبون”
وتعليقاً على تلك التبديلات، رأى إسماعيل عطية أستاذ العلاقات الدولية وحقوق الإنسان بجامعة ليون الفرنسية أن “مسألة التغييرات داخل المؤسسة العسكرية في الجزائر تجرى عادةً على أساس صراع أجنحة، لا سيما فرع الاستخبارات، حيث لم يسبق أن تم تداول المناصب العليا في هذا الجهاز بشكل سلس وإنما بعد معارك طاحنة يخرج بعضها إلى الشارع لتقوية شوكة جناح على حساب آخر”.
وتوقع الأستاذ عطية أن “يكون لهذا التغيير تأثير ما على مسائل راهنة في البلاد، لا سيما الحراك الشعبي، فدائرة الأمن الداخلي للجيش هي التي تولت معظم الصلاحيات في إدارة الشأن العام طيلة عام 2019 بتزكية كبيرة من قائد الأركان السابق الفريق أحمد قايد صالح، لذلك يمكنني وصف هذه التغييرات الأخيرة بأول عملية لبسط لمسة تبون على النواة المؤثرة في داخل المؤسسة العسكرية”.
ولم تتضح بعد معطيات قضائية سرت حول الاستماع لكل من الوزير الأول (رئيس الحكومة) السابق نور الدين بدوي ووزير الداخلية السابق صلاح الدين دحمون في الساعات القليلة الماضية، وفي حال تأكد ذلك فإن الأمر يتعلق لا محالة بإقالة واسيني بوعزة على خلفية المعلومات ذاتها عن حدوث “توجيه ما” للانتخابات الرئاسية الماضية من خلال محافظي بعض الولايات لصالح مرشح منافس لتبون.
الرئاسة لم تلغ الأمازيغية
وكانت الرئاسة الجزائرية وجدت نفسها في ظرف يومين فقط، في مرمى اتهامات ناشطين في التيار الديمقراطي، فردت على “إشاعتين” وصفتهما بـ”الثقيلتين”، تتعلق الأولى بتصريحات للناطق الرسمي باسم الرئاسة بخصوص الحراك الشعبي وما نُقل عنه “تضليلاً” وفق تعبير رئاسة الجمهورية، بأنه وجّه اتهام لـ”الحراك بزيادة رقعة انتشار فيروس كورونا”، أما الثانية فبشأن مسودة للدستور قُدمت كوثيقة نهائية سيقترحها تبون على الجزائريين، وأبرز ما فيها، الاعتراف بالأمازيغية لغةً وطنية، مقابل “اعتراف بكل اللهجات البربرية”.
ونفت الرئاسة يوم الاثنين، الوثيقة المتداولة على أنها الدستور الجديد، وقالت إنها “لا تمت بأي صلة للمشروع الذي قدمته لجنة الخبراء برئاسة البروفسور أحمد لعرابة للرئيس تبون”. وأضافت أن “كل ما يتم تداوله حالياً بشأن أي نسخة حول تعديل الدستور، لا يلزم إلا أصحابه، الذين يقعون لا محالة تحت طائلة المتابعة القضائية، بخاصة أن هذه النسخة المزورة تتضمن مسّاً صريحاً ببعض ثوابت الأمة وهويتها”.
كما أصدرت رئاسة الجمهورية قبل ذلك بأربع وعشرين ساعة، بياناً أوضحت فيه حقيقة ما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الرئاسة محند أوسعيد بلعيد في حصة “بقلب مفتوح”، التي بُثت على التلفزيون الجزائري الخميس الماضي، مشيرةً إلى أن كلامه “عن الحراك الشعبي تم تحريفه من قبل جهات معروفة بالتضليل والافتراء”.
في المقابل، اعتبر الكاتب الصحافي عمار بن جدة أن “الكم الكبير من الإشاعات التي طاولت الرئاسة يُظهر وجود عمل منظَم من أطراف تغذي الشكوك في هذه المرحلة الحرجة صحياً”. وتابع “واضح جداً تشابك المعلومات المتداولة والأطراف التي تقف وراءها في ظرف سياسي لم تتجاوز فيه فترة تولي الرئيس تبون للحكم أربعة أشهر فقط”.
المصدر: اندبندنت عربية