محمد المشد كاتب مصري متنوع الإنتاج، هذا أول عمل اُطالعه له. أحببت لاجئة رواية، تعتمد لغة المتكلم على لسان شخصيتها المحورية، نوح، يتناوب على منصة البوح والتحدث مع آخرين له علاقة معهم.
تتحدث الرواية عن بقايا أسرة سورية، هربت إلى مصر على أثر ثورة الشعب السوري على النظام السوري التي حصلت أوائل عام ٢٠١١م. إنهم جدّة وحفيدتها، وصلوا إلى القاهرة وبدؤوا بالبحث عن سكن لهم، التقى بهم نوح إبن الحي، علم منهم أنهم جدّة وحفيدتها فيروز، وأنهم هربوا من سورية، بعد أن طالت البراميل المتفجرة منزلهم وقتلت بقية العائلة، ولم يبقى سوى الجدّة وحفيدتها، وأنهم قادمون ومعهم بعض المال ليبدأوا به حياتهم الجديدة، ويتسنّى لفيروز أن تجد عملا ما. استقبلهم نوح في منزل العائلة، حيث والده ووالدته، واهتموا بهم، و أكرموهم. سمعوا حكايتهم. ساعدهم نوح على إيجاد بيت للسكن، وكان جوارهم في الحي الذي يسكن به. نوح شاب من شباب الثورة المصرية التي خرجت ايضا في مطلع سنة ٢٠١١م، مطالبة بحقوق الشعب المصري بالحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية. كان قد انهى دراسته سابقا، ولكن لم يجد عملا بشهادته. يعتقد أن الحياة تتطلب أن يكون الإنسان طموحا، وأن يعمل ليكون غنيا، وبذلك تفتح له الحياة ابوابها.
أما بالنسبة لعلاقته وعائلته مع فيروز السورية وجدتها فقد أصبح مرجع ثقة وأخ يثقون به، تولدت بداخله مشاعر عاطفة حب اتجاه فيروز، لكنه لم يظهرها لها، خاصة وأنها قد أخبرته بقصتها المؤلمة، فقد كانت تحب شابا ومخطوبة له، قبل الثورة، وفي الثورة أصبح من الشبّيحة يقتل ويسرق ويسيء للناس. انقلبت مشاعر فيروز اتجاهه من حب الى كره، وفي مرة بعد تدمير بيتهم وموت أهلها، حاول إغتصابها، قاومته وضربته بحجر على رأسه مما ادّى لموته. وبذلك أصبحت معقدة من الرجال، ومن التواصل الجسدي، ولم تعد تثق بهم، لذلك صرّحت لنوح بأنه أخاها الذي افتقدته في سورية. استمر يخفي مشاعره اتجاهها، ويساعدها وجدّتها في كل أمورها.
ومع الوقت صار يوزّع أصنافاً من المأكولات الشامية من صنع فيروز وجدتها على كثير من المطاعم، لاقت قبولاً ورواجاً، تطور ذلك حتى فتح لها مطعماً خاصاً، أصبح يدرّ عليهم المال، واستقرت حياتهم. استمرت علاقة نوح مع فيروز، في أعماقه مشاعر حب، ومُلزم أن يعبر عن أخوّة اتجاهها بالعلن، وهي ايضا اختلطت مشاعرها بين الاخوة والحب، و رغم تيقنها من حبها له بعد وقت، استمرت تعامله بصفته الأخ والسند.
أما حياة نوح نفسه فقد كان يعمل ليصبح رجل أعمال، حسب قناعته بضرورة أن يكون غنيا ليعيش سعيدا، لذلك شارك بعض اصدقائه في شراء ميكروباص والعمل فيه ناقلات ركاب داخل القاهرة. كان للكراج نظام خاص، هناك بلطجي يأخذ إتاوة من كل مكرو بشكل دائم، وذلك لحساب مسؤول الشرطة داخل الكراج، طبعا دون وجه حق، ومن لم يستجب من السائقين يضربه، او يصادر الشرطي المكرو، أو يخالفه ويدفع جرّاء ذلك المال الكثير، لذلك يدفع كل السائقين الأتاوة صاغرين.
نوح له صديق يدعمه أحد البلطجية، لذلك لم يؤخذ منه أتاوة في الكراج، وكان مردود عمله جيدا، وقرر أن يشتري ميكرو آخر ومن ثمّ ثالث، وأحس أن الدنيا تضحك له. وزاد من حسن حظه أن الشعب المصري قام بثورته، ومن نتائجها غياب البلطجية، وراحة السائقين، لقد بدأ الشعب المصري يتذوّق حلاوة شعارات ثورته: عيش حرية عدالة اجتماعية، لكن فرحته لم تطل وسرعان ما انقلب العسكر على الثورة، وعاد الوضع في مصر لما كان عليه، فقر وفساد ومحسوبية ومظالم من كل نوع. لكن نوح بقي محميا من البلطجي عن طريق صديقه. وجاء يوم قتل فيه ذلك البلطجي في صراع مع آخرين. انتقم البلطجي الذي بالكراج من نوح، الذي كان قد عاد إلى الكراج بعد الإنقلاب على الثورة . البلطجي و الشرطي طالبوا نوح بدفع كل ما ترتب عليه أتاوات من سنوات سابقة، صادر الشرطي المكروهات، وكتبت له المخالفات، أصبح نوح ضعيفا لا يعرف كيف يتصرف. باع أحد المكروات، ودفع ما عليه من التزامات مالية للدولة وللبلطجي والشرطي، ثم باع الإثنين الآخرين واعاد المال لأصحابه مع قليل من النقص، وعاد كما بدأ على الصفر ماليا. لقد مات حلم رجل الأعمال والغنى عند نوح، اكتشف أن ذلك ممنوع في مصر، الّا من هو من طبقة الفساد المتحكمة في رقاب الشعب المصري.
أما بالنسبة لعلاقة نوح وفيروز فقد استمرت أخوية في العلن، وكل منهما يخفي ويضمر للآخر مشاعر حب. حاول نوح أن يجد فتاة يحبها ويتزوجها ويبعد فيروز من عقله ونفسه، تعرّف على فتاة من بورسعيد، جميلة وذكيّة ولمّاحة، أحبها وأحبته، حصلت بينهما علاقة ووصلت للخطوبة، لكنها لم تكتمل لأن الفتاة اكتشفت أن في نفس وعقل نوح تسكن فتاة أخرى اسمها فيروز، ظهرت من فلتات لسانه. وهكذا تركته الفتاة بعد خطبة دامت لفترة طويلة.
وبعد أن أغلقت الدنيا وجهها أمام نوح، فلا هو قادر على أن يعمل وينجح و يعيش بكرامته في مصر، ولا هو قادر أن يعبر من الحاجز النفسي الذي وضعه مع فيروز حول حبهما ، وهي ايضا عاشت نفس الحاجة، فكان الحل بالنسبة له وصديق آخر معه، هو التفكير بالهجرة وركوب البحر هربا الى اوربا، لعله يجد حياة فيها الحرية والكرامة وفرص الحياة الأفضل. أشاع نوح وصديقه أنهم ينوون الذهاب إلى الخليج العربي للعمل هناك، مثل الكثير من الشباب المصري، لكنه كان يعدّ للهجرة إلى أوروبا، اتفق وصديقه مع مهرّب دفعا المال و ركبا مع آخرين في مركب صغير، وانتقلوا الى عرض البحر حيث وجدوا باخرة ، صعدوا إليها مع الآخرين وانتظرت عدة أيام قبل أن تبحر. كان يأتيها ركابا جددا كل الوقت حتى أصبحت تحمل أكثر من طاقتها، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء.
أما بالنسبة لفيروز ونوح فقد عجز كلا منهما عن تجاوز عقدة الأخوة المدّعاة بينهما، والتصريح عن محبتهما لبعضهما. لذلك قرر نوح أن يكتب لها رسالة يخبرها بها عن حبه وأنه ذهب للخليج ليعمل ويعود بعد سنة، مخفيا عنها أنها هارب الى أوروبا دون رجعة. وهي ايضا قررت أن تخبره بحبها له و تختفي من حياته. كانت تعدْ العدّة لتذهب الى اوروبا ايضا، خاصة بعد أن فقدت جدتها التي توفيت قبل زمن مضى، وعجزها عن مصارحة نوح بحبها له.
يلتقي نوح وفيروز على ظهر السفينة، يتعانقان ويعترفان لبعضهما بحقيقة مشاعرهما، وتستمر رحلتهما معاً الى أوروبا، وكأنها تعويض عن كل معاناتهما السابقة، لكن السفينة كانت أضعف من تحمل هذا العدد الكبير من الناس، مع تقلبات البحر وأنوائه، بدأت الباخرة بالغرق، كان على متنها حوالي الـ ٤٠٠ راكب غرق حوالي ال ٢٥٠راكب وأنقذ حوالي ال ٢٥٠ راكب، وصلوا إلى أوروبا حيث يبدأوا حياة جديدة. لا نعلم هل نوح وفيروز منهم أم كانوا طعاما لأسماك البحار.
هنا تنتهي الرواية. وفي تحليلها أقول: نحن أمام رواية جديدة تتحدث عن تبعية ثورات الربيع العربي، في سورية ومصر. ففي سوريا كان مصير الناس بعد سنوات على الثورة وفعل النظام المجرم الذي قتل أكثر من مليون إنسان، وشرّد أكثر من ١٢ مليون إنسان، وهدم أكثر من نصف سورية، واستجلب لها المستعمرين الروس والإيرانيين والأمريكان، الميليشيات الطائفية، واصبحت الحياة لمن تبقى في الداخل السوري أقرب للجحيم على كل المستويات، لذلك كانت الهجرة الى مصر ودول الجوار السوري وأوروبا، حتى لو كان مصيرهم الغرق والموت، حلا لا بديل عنه.
وكذلك الحال بالنسبة لشعب مصر الذي قام بثورته وأسقط حكم مبارك الاستبدادي الفاسد الظالم، ولكن اركان الجيش والقوى الدولية والعدو الصهيوني اعادوا الحكم سيرته الاولى، وعاد الشعب المصري ليكون ضحية القمع والفساد والاعتقال والفقر والضياع. لذلك قرر الكثير من الشباب أن يبحث عن خلاصه الفردي هارب لأوروبا ولو كان مصيره الغرق والموت في البحر.
الرواية تتحدث عن كل ذلك في سورية ومصر. وتنتصر لحق الإنسان العربي في مصر وسورية أن يعيش بحرية وكرامة وعدالة وديمقراطية ويتمكن من بناء حياته الأفضل.
الرواية صرخة استغاثة أخرى…فهل هناك من يسمع…؟ !!.