رغم إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن مبدأ تنظيم انتخابات برلمانية موفى العام المقبل وعن “خارطة طريق سياسية تبدأ بتنظيم استفتاء إلكتروني”، فقد تزايدت انتقادات رفاق الأمس لكل القرارات التي أصدرها منذ “انقلاب 25 تموز (يوليو) الماضي” داخل الأوساط الحقوقية والسياسية وفي المجتمع المدني.
قيادة مبادرة مواطنون ضد الانقلاب
وانضم إلى جبهة “مواطنون ضد الانقلاب” و”المبادرة الديمقراطية” المعارضة لقرارات تعليق الدستور وحل البرلمان والحكومة سياسيون وحقوقيون من الحجم الكبير بينهم عدد من الوزراء والمستشارين السابقين في قصري رئاسة الجمهورية والحكومة، مثل: كبير مستشاري قيس سعيد الوزير والسفير السابق عبد الرؤوف بالطبيب وكبير مستشاري الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الوزير رضا بالحاج وعدد من كبار الوزراء والمستشارين في حكومات ما بعد ثورة 2011 بينهم عبد الرحمن الأدغم وجوهر بن مبارك والعياشي الهمامي وأسامة الخريجي والنائبة الأولى لرئيس البرلمان الحقوقية سميرة الشواشي وكاتبة الدولة للتعاون الدولي سابقا آمال عزوز..
بعيدا عن “الأيديولوجيا”
شكل هؤلاء “فسيفساء ثقافية سياسية” تحررت من “الأجندات الحزبية والأيديولوجية” بمشاركة حقوقيين وسياسيين من عدة تيارات فكرية وسياسية أعلنوا أن “أولوية الأولويات معارضة الانقلاب”.
وكان من بين مفاجآت هذا “الحراك من أجل الحريات” أن انخرط فيه ثلة من المحامين والإعلاميين والنشطاء البارزين في المعارضة من عدة أجيال ومن مرجعيات فكرية وسياسية مختلفة بينهم المحامية والناشطة اليسارية والنقابية الشابة إسلام حمزة وزميلتها فوزية خضري، وثلة من مجموعة “محاميات ضد الانقلاب” ومن المثقفات المستقلات بينهن شيماء عيسى وفاطمة كمون.. وقد انخرط هؤلاء في تحركات تطالب بالإفراج عن “المساجين السياسيين” وخاصة عن النائبين سيف الدين مخلوف ونضال السعودي..
ويتصدر مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” نخبة من الحقوقيين بزعامة المحامي المختار الجماعي والقيادي السابق في الحزب الديمقراطي التقدمي (الحزب “الجمهوري” حاليا) الحبيب بوعجيلة ومجموعة من قيادات حزب المؤتمر (“حراك تونس الإرادة” حاليا)، مثل الجامعيين زهير إسماعيل وشاكر الحوكي والأمين بوعزيزي والمحامي سمير بن عمر..
تشكيل هذه الجبهة السياسية الجديدة “بعيدا عن الأيديولوجيا”، ذكر المراقبين بـ”جبهة 18 أكتوبر للحقوق والحريات” التي تشكلت في 2005 على هامش القمة العالمية للمعلومات التي انعقدت بتونس في أعقاب إضراب جوع دام شهرا كاملا شارك فيه سياسيون وحقوقيون من عدة تيارات فكرية وسياسية بينهم بعض رموز اليسار الاشتراكي والقومي، مثل أحمد نجيب الشابي والعياشي الهمامي وحمة الهمامي، وحقوقيون مستقلون وشخصيات اعتبارية من التيارات الإسلامية والليبرالية، مثل المحامين سمير ديلو ومحمد النوري وعبد الرؤوف العيادي القاضي والمختار اليحياوي والإعلامي لطفي الحاجي..
وقد ساهمت تلك الجبهة في دعم الحراك المعارض لحكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ضمن “جبهة حريات” بعد اتفاق حول مجموعة من الورقات الفكرية والسياسية المشتركة “تجاوزت الخلافات الأيديولوجية”.. وعلى إعطاء الأولوية للنضال المشترك من أجل الحريات العامة والفردية وتحرير الإعلام والإفراج عن كل السجناء السياسيين.
مراجعات
وقد أورد عبد الرؤوف بالطبيب الوزير المستشار السابق للرئيس قيس سعيد ورضا بالحاج كبير مستشاري الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وأستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي في تصريحات لـ “عربي21″، أن المشاركين في الحراك الجديد قاموا بدورهم بـ “مراجعات فكرية وسياسية” وقرروا تجاوز “الخلافات العقائدية والحزبية” والتفرغ “للنضال المشترك من أجل الحريات ضد الانقلاب على الدستور والبرلمان ودولة المؤسسات وعلى مكاسب ثورة يناير 2011”.
في نفس السياق دعت المحامية والناشطة السياسية اليسارية الشابة إسلام حمزة كل اليساريين والليبيراليين والإسلاميين إلى “نسيان خلافات الأحزاب والسياسيين القديمة والتفرغ لمعركة الحريات وإلغاء القرارات الاستثنائية”.
ودعا الوزير السابق عبد الرحمان الأدغم قيادات “الأحزاب الوسطية” (أحزاب الجمهوري والتيار والتكتل من أجل الحريات وآفاق) إلى تجاوز خلافاتهم الفكرية والسياسية السابقة مع حزب النهضة وحلفائه وإلى الانخراط في “المبادرة الديمقراطية” المفتوحة لحراك “مواطنون ضد الإنقلاب”، والتي نجحت في تنظيم مسيرات شعبية ضخمة في عدة جهات وخاصة وسط العاصمة تونس وأمام مقر البرلمان.
وأعلن الحقوقي اليساري والقيادي السابق في الحركة الطلابية اليسارية جوهر بن مبارك في تصريح لـ “عربي21” أن غالبية المشاركين في حراك “مواطنون ضد الانقلاب”، الذي يتزعمه مع ثلة من الحقوقيين، يعتبرون أن “أولوية الأولويات في البلاد ليست “عقائدية” بل العودة إلى احترام دستور 2014 الذي صاغه 217 برلمانيا منتخبا من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بعد استشارات دامت عامين وشملت آلاف خبراء القانون والحقوقيين والسياسيين بينهم الرئيس قيس سعيد.
ونوه بن مبارك، بكون قطاع من النشطاء في هذا الحراك كانوا مثله في قيادة “اتحاد الطلبة” وفي مجموعات يسارية أو في قيادات حركات سياسية أخرى عارضت في نفس الوقت حكم زين العابدين بن علي ثم حكومات ما بعد ثورة 2011 بما فيها حكومة الترويكا التي تزعمها قياديون من حركة النهضة.
طلبة ويسار ويمين ووسط
في نفس السياق توسعت المراجعات الفكرية والسياسية لتشمل مجموعات مؤثرة داخل الطلبة ومراكز البحث العلمي الجامعية وشخصيات أكاديمية وحقوقية من الحجم الكبير مثل القاضي أحمد صواب والأكاديمية خبيرة القانون الدستوري منى كريم واقطاب الدراسات القانونية في الجامعة التونسية مثل كمال بن مسعود وعبد الرزاق المختار وشيماء عيسى وعلي النني و شاكر الحوكي وإقبال بن موسى ..
وقد نظم هؤلاء تظاهرة علمية سياسية ضخمة “لمعارضة التدابير الاستثنائية لما بعد انقلاب 25 يوليو” في أحد فنادق العاصمة تونس دعت إليها “الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية” بالاشتراك مع “مخبر العلوم الادارية والدستورية والمالية في كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس”.
وكان من بين العناصر الجديدة في هذه التظاهرة “تكريس انفتاح الجامعة بطلبتها وأساتذتها على الحراك الشعبي المعارضة للإنقلاب على الدستور وعلى البرلمان وعلى مؤسسات الدولة” حسب تعبير الخبير الجامعي عبد الرزاق بن مختار، الذي حذر خاصة من “التفاف الأوامر الرئاسية منذ الانقلاب على مكسبين مهمين وردا في دستور 2014 هما السلطة القضائية والسلطة المحلية” ومحاولة “تكريس هيمنة المؤسسة الأمنية على الشأن العام في البلاد”.
كما حذر الرئيس الشرفي للقضاة الإداريين والناشط اليساري المعتدل أحمد صواب بالمناسبة من مخاطر” محاولة الانقلاب على استقلالية القضاء بعد خطابات رئيس الجمهورية التي وصفت القضاء حينا بكونه “وظيفة” وحينا آخر بـ “المرفق العام” بينما اعتبره دستور 2014 “سلطة مستقلة كاملة السيادة مثل السلطتين التنفيذية والتشريعية”.
هل ينجح هذا الحراك الحقوقي السياسي في تحقيق أهدافه وعلى رأسها إعادة ترتيب أولويات النخب وصناع القرار وتوحيد “خصوم الأمس” حول مطالب الحريات واحترام الدستور والقانون؟ أم تنفجر الخلافات الإيديولوجية مجددا بين التيارات المؤثرة في المشهدين السياسي والنقابي فتتعمق الأزمة السياسية الاقتصادية الاجتماعية للبلاد وتتسبب في أزمات أمنية معقدة قد تعصف بالجميع؟
المصدر: عربي21