بدأت أمس الثلاثاء، في العاصمة الكازاخية نور سلطان أعمال الجولة 17 من مسار أستانة التفاوضي حول سورية، بمشاركة وفود من الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار (إيران وروسيا وتركيا)، إضافة إلى النظام والمعارضة السورية والأمم المتحدة، ودول مشاركة بصفة مراقب، وهي لبنان والعراق والأردن، وممثلي منظمات دولية.
لا حلول في سورية
وعلى جدول أعمال هذه الجولة التي تستمر حتى اليوم الأربعاء، العديد من القضايا والملفات، تشمل التهدئة الميدانية، وملف المليشيات الانفصالية ومصير اللجنة الدستورية التي لم تحقق أي تقدم باجتماعاتها في جنيف، وفق تصريحات صحافية للمتحدث باسم وفد المعارضة أيمن العاسمي.
وبحسب وكالة “سانا” الرسمية التابعة للنظام، فإن الاجتماع الحالي “لن يختتم بجلسة عامة كما جرت العادة بمشاركة جميع الوفود المشاركة ووسائل الإعلام، بل سيتم الاكتفاء بإصدار بيان ختامي يُنشر نصه عبر الإنترنت، وذلك التزاماً بالتدابير الاحترازية وقواعد التباعد المكاني للحد من انتشار جائحة كورونا”.
وتُعقد الجولة 17 في ظل انسداد أي أفق أمام حلول سياسية للقضية السورية، ولا يزال النظام يرفض بالمطلق التفاهم مع المعارضة لتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية.
وعُقدت الجولة السابقة منتصف العام الحالي، لكن لم يخرج الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار بأي اتفاقات، يُمكن أن تفضي إلى حلول جدية في العديد من الملفات الميدانية والسياسية التي دأب هذا المسار على تناولها على مدى أربع سنوات.
ومنذ بدء هذا المسار في بداية عام 2017 لم يستطع تقديم حلول للملفات التي يتناولها، إذ تحول إلى لقاءات إعلامية يجري خلالها تبادل وجهات النظر لا أكثر.
وجرت في 16 ديسمبر/كانون الأول الحالي عملية تبادل أسرى محدودة، بين النظام السوري وفصائل المعارضة، تمت في معبر أبو الزندين، بريف حلب الشرقي.
وكشفت وزارة الخارجية التركية، أن العملية تمت تحت إشراف فريق العمل المعني بالإفراج عن الأشخاص المحتجزين ــ المختطفين قسراً، وتبادل الجنازات وتحديد مصير الأشخاص المفقودين، الذي أُنشئ بمشاركة تركيا وروسيا وإيران، وكذلك الأمم المتحدة في نطاق عملية أستانة.
ولكن المعارضة التي تحمل ملف المعتقلين إلى كل اجتماع دولي تحضره، تطالب بإطلاق عشرات الآلاف من المعتقلين والمغيبين لدى النظام السوري منذ عام 2011 وحتى اليوم.
ويرفض النظام الاقتراب من هذا الملف في كل جولات أستانة، بل يفرج عن قوائم أسماء معتقلين قتلوا تحت التعذيب بين وقت وآخر.
روسيا تضغط على الأتراك بشأن “أم 4”
ومن المتوقع أن تشهد الجولة الحالية ضغوطاً من الجانب الروسي على الأتراك لإعادة ترتيب الأوراق في الشمال الغربي من سورية، خصوصاً لجهة استعادة الحركة على الطريق الدولي “أم 4” (طريق حلب ـ اللاذقية) الحيوي.
وذكرت وسائل إعلام روسية، أن المبعوث الرئاسي الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف طرح مع الوفد التركي، برئاسة رئيس قسم سورية في الخارجية التركية سلجوق أونال، خلال لقاء جرى في نور سلطان، أمس الثلاثاء، قضية وحدة أراضي سورية.
وفي السياق، ذكرت وكالة “سانا” أن رئيس وفد النظام إلى الجولة الحالية أيمن سوسان وهو معاون وزير الخارجية في حكومة النظام، شدد خلال لقائه لافرنتييف “على أهمية ممارسة أقصى الضغوط على النظام التركي، لإرغامه على تطبيق مخرجات عملية أستانة والتفاهمات مع الجانب الروسي، ووضع حد للوجود التركي اللامشروع في سورية”.
ومن المتوقع أن يتطرق الثلاثي الضامن للأوضاع في منطقة شرقي الفرات، الخارجة عن سيطرة النظام والمعارضة، وتخضع جلها لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وتعتبر أنقرة هذه المنطقة مصدر قلق دائم لها، لذا تبحث عن ضوء أخضر من الروس للقيام بعمليات سواء في شرقي الفرات أو غربه، للحد من نشاط هذه القوات التي يرى الأتراك أنها تهدد أمنهم.
ولكن الروس في المقابل يبحثون عن مكاسب للنظام في الشمال الغربي من سورية، خصوصاً في محافظة إدلب، وهو ما ترفضه أنقرة بسبب مخاوف من موجات نزوح ربما لا تقف عند الحدود السورية التركية المشتركة.
عودة محتملة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية
كما أعلن لافرنتييف، على هامش مباحثات أستانة، أن الاجتماع التالي للجنة الدستورية السورية قد يعقد في يناير/كانون الثاني المقبل، لكنه ادّعى أن “المعارضة السورية تطرح غالباً مطالب غير مقبولة، مما يعيق تحقيق التوافق في عمل اللجنة الدستورية بجنيف”.
وأضاف لافرنتييف: “غالباً ما تطرح المعارضة الشروط المسبقة والمطالب، ويتم ذلك بطريقة استفزازية في بعض الأحيان، ما يجبر الجانب الموالي للحكومة على اتخاذ موقف متشدد إلى حد ما”.
وشدّد المبعوث الرئاسي الروسي إلى سورية على أنه “لا يجوز إملاء الشروط ولا طرح هذه الصيغ غير المقبولة إطلاقاً للجانب الآخر”.
وكانت اللجنة الدستورية المشكّلة من النظام والمعارضة والمجتمع المدني، قد عقدت في 18 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي جولة سادسة، انتهت بالفشل كسابقاتها.
ولا يتوقع المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تخرج هذه الجولة بنتائج إيجابية، معتبراً أن مسار أستانة لم يخرج بنتائج في جولات سابقة من قبيل وقف إطلاق النار أو مناطق خفض التصعيد.
ورأى جوناي أنه لم تطبّق مخرجات هذا المسار، بل كان محطة للنظام لتجميع قواه للهجوم على فصائل المعارضة بدعم روسي.
وأعرب المحلل التركي عن اعتقاده بأن قرار وقف إطلاق النار، المتوقع أن تؤكد عليه الجولة 17: “لا يعني على الإطلاق عدم خرقه من النظام والروس”، لافتاً إلى أن تركيا مهتمة بالوضع الداخلي فيها، ويحاول الروس استغلال هذه النقطة لصالحهم.
من جهته، رأى المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “عدد جولات هذا المسار يؤكد فشله الذريع”، معتبراً أنها عبارة عن “خمس سنوات من المفاوضات العبثية”.
وأشار الفرحات إلى أن وزير خارجية النظام الراحل وليد المعلم “قالها صراحة: سنغرقهم بالتفاصيل، وهذا ما حدث”، مضيفاً: “لم يعد لدى السوريين أي أمل في هذا المسار الذي ترعاه بالدرجة الأولى روسيا. الروس يشترون الوقت لا أكثر ولا أقل بينما المجتمع الدولي صم آذانه تماماً عن القضية السورية وفي الدرجة الأولى الولايات المتحدة”.
وقال المحلل العسكري: “سورية اليوم مستباحة وساحة لتصفية الحسابات بين الأطراف الإقليمية والدولية، وأي توتر بين الغرب وروسيا، أو بين الغرب وإيران ينعكس سلباً على سورية. الحل السوري معقد نتيجة هذه التجاذبات”.
وأشار الفرحات إلى أن موسكو “تطرح نفسها عراباً للحل في سورية، بينما هي من قامت بتثبيت هذا النظام المجرم في السلطة، واستخدمت الفيتو في مجلس الأمن 17 مرة لمنع إدانة هذا النظام من قبل المجتمع الدولي”، مضيفاً أن مسار أستانة مصلحة روسية وإيرانية للتهرّب من استحقاقات الحل التي أقرّتها الأمم المتحدة، وفق القرارين 2118 (المتعلق نزع السلاح الكيميائي السوري)، و2254 (المتصل بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية).
المصدر: العربي الجديد