أما وقد خرج الوزير جورج قرداحي، من دائرة الضوء، وربما دخل في كتب التاريخ، بإعتباره كان شرارة أزمة لبنانية سعودية حادة، فإنه بات يمكن قراءة البيان السعودي الفرنسي المشترك، الخاص بلبنان، من زاوية أخرى، تسبق واقعة الاساءة، وتعقب واقعة الاستقالة، وتحيل الذاكرة الى الكثير من البيانات المشابهة التي صدرت منذ العام 2000 عن بلدان عربية وأجنبية، وكانت بمثابة إعلان نوايا حسنة، أدت الى نتائج سيئة..
المؤكد أن قصة الوزير قرداحي، لم تكن تستدعي صدور هذا النص، ولا كانت تبرره. لكنها كانت كما يبدو فرصة للتعبير، بإنفعال شديد، عن الموقف الاقصى السعودي الفرنسي، تجاه لبنان، أو بالتحديد تجاه حزب الله، الذي لم يُذكر إسمه صراحة، لكنه كان من السهل العثور عليه في كل جملة وعبارة.. وفي كل مقترح تقدمت به الرياض وباريس، بما في ذلك الدعوة الى الالتزام بالقرارات الدولية، الموجهة ضده.
ولولا الاشارة الى ضرورة الالتزام بإتفاق الطائف كمدخل للاصلاح السياسي الداخلي، وهو بند موجه ضد التيار العوني، لأمكن القول أن الجانبين السعودي والفرنسي دخلا في إشتباك سياسي فعلي مع حزب الله، يعيد الى الاذهان ذلك الاشتباك الذي خاضه الجانبان نفسهما في أعقاب إغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، عنوانه العودة الى قرار مجلس الامن الدولي الشهير الرقم 1559 الذي كان صدوره منعطفاً حاسماً في التاريخ السياسي والامني اللبناني، ما زالت مفاعيله سارية حتى اليوم.
التذكير السعودي الفرنسي بذلك القرار الذي كان في الاصل ثمرة تفاهم سعودي فرنسي، بني على تفسير خاطىء، ليتوصل الى إستنتاج متسرع، أو سابق لأوانه. القرار 1559 الذي يطالب بخروج سوريا وحل الميليشيات في لبنان، لم يكن يتعامل مع حزب الله كميليشيا ينبغي تفكيكها، بل كان يقصد التشكيلات المسلحة غير اللبنانية، الفلسطينية والسورية.. بدليل أن الامم المتحدة نفسها هي التي إقترحت يومها إحالة القوة العسكرية لحزب الله الى الحوار اللبناني الداخلي الذي إتفق على أن يكون البحث تحت عنوان “الاستراتيجية الدفاعية اللبنانية. وكان الامر بمثابة محاولة لإستيعاب غضب الحزب (وشطط سوريا وإيران) وتوجسه من القرار بوصفه مخططاً دولياً لنزع سلاح المقاومة.
ولكي يتفادى الجانبان السعودي والفرنسي أي خطأ في شرح نواياهما الراهنة، جرت إستعادة القرارين 1701 و1680، اللذين يفرضان قيوداً صريحة، وغير مجدية طبعا، على ذلك السلاح وإستخدامه الذي أدرجه البيان المشترك في خانة الارهاب المطلوب محاربته.. في إشارة الى خروجه الى جبهات اليمن وسوريا والعراق وغيرها، مع العلم بأن الحزب على الارجح لن يقرأه إلا بصفته تهديداً جديداً للمقاومة ضد إسرائيل، وسيتصرف على هذا الاساس.
لم يكن البيان المشترك تصفية لحساب سابق، بل فتحاً لحساب جديد. هو لا يطوي صفحة قرداحي ويعتبر أنها صارت من الماضي، لكنه ينسب ضمناً الى حزب الله، المسؤولية عن تلك الازمة اللبنانية السعودية، وعن بقية الازمات التي يعاني منها لبنان، والتي تتطلب إصلاحات لن يقوى المسؤولون اللبنانيون على إقراره طالما بقي الحزب على سلاحه، الذي عاد ليحتل حسب الاشارة السعودية الفرنسية رأس سلم الاولويات والشروط لإستعادة لبنان عافيته.
وفي هذا التقدير المشترك بعض الصواب، الناجم عن التغطية التي يوفرها ذلك السلاح لسلطة يشارك في بنيتها، لكن وضع السلاح كأولوية، لا يعني وضعه جانباً، بل يمكن أن يتسبب بإثارة هواجس الحزب القديمة، مع ما يعنيه ذلك من إحتمال العودة الى حقبة سوداء إستغرقت ثلاثة أعوام من العقد الماضي..وإدراج كل ما يقال في الداخل اللبناني عن ذلك السلاح، وعن الاحتلال الايراني في سياق ذلك البيان الثنائي الصادر من الرياض وباريس.
ذلك هو الحد الاقصى، الذي لا يمكن إستبعاده إلا إذا تعقل حزب الله وإعتبر أن البيان المشترك عاصفة في فنجان، مثلها مثل قصة قرداحي، التي لم يكن يخطر في بال أحد أن تثير مثل هذه الرياح.
المصدر: المدن