يتخوف مراقبون من تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا، التي تم الاتفاق عليها بعد عملية سياسية شاقة، ومن ثم الدخول إلى “طريق مسدود”، بعد الجدل الذي صاحب قانون الترشح للانتخابات ودخول السباق شخصيات متهمة بارتكاب جرائم ضد الليبيين.
وسجل أكثر من 2.83 مليون ليبي من أصل 7 ملايين أنفسهم للتصويت في الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر، فيما قدم 32 أوراق ترشيحهم رسميا، وفق آخر بيانات المفوضية العليا للانتخابات.
ويرى المجتمع الدولي أن إجراء الانتخابات الرئاسية أولا، على أن تليها انتخابات تشريعية بعد شهر، أمر ضروري لتهدئة الوضع في البلاد، لكن إجراء الاستحقاقين في ظل وضع أمني ما زال هشا وخلافات سياسية مستمرة، بما في ذلك خلاف على موعد الانتخابات، يزيد من الغموض حول مستقبل العملية السياسية في البلاد.
وصادق رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في سبتمبر على النص المتعلق بالانتخابات الرئاسية دون عرضه على النواب للتصويت عليه، وهو نص يبدو بحسب البعض أنه “مصمم على مقاس” المشير خليفة حفتر، وطعن عليه المجلس الأعلى للدولة، الذي يتخذ مقرا له في طرابلس، وأدى ذلك إلى تصاعد حدة التوتر بين أطراف العملية السياسية.
لكن رئيس البرلمان اعتبر في تصريحات صحفية أن “هناك جدل في غير محله” بشأن المادة 12 من قانون انتخاب الرئيس، التي تنص على أن يكون المرشح “متوقفا عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر”.
ووضعت المادة، وفق صالح، “حتى لا يستغل المال العام في الدعاية الانتخابية”. وأضاف أن “القواعد القانونية قواعد عامة ومجردة، لا تفصل على شخص، والدليل أن المجتمع الدولي قبلها”.
وشدد رئيس البرلمان، الذي دخل في إجازة من مهامه في سبتمبر (أي قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات) على أن المادة 12 “لا يمكن تعديلها”، ورفض ما يروج في طرابلس حول إمكانية إدخال تغيير على القانون الانتخابي، للسماح لمسؤولين ممارسين لوظائفهم بالترشح.
وتظاهر مئات الليبيين، الجمعة، في العاصمة طرابلس وفي مصراتة غربي البلاد، للتنديد بترشح سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الراحل معمر القذافي، وكذلك القائد العسكري خليفة حفتر للانتخابات، وكلاهما “متهمان بارتكاب جرائم”.
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قالت الخبيرة في الشؤون الليبية في “مجموعة الأزمات الدولية” كلوديا غازيني إن تأجيل الانتخابات “متوقع” بعد الاحتجاجات الأخيرة، وأضافت أن ذلك “ليس بسبب التظاهرات، بل بسبب الوضع المعقد حول الترشيحات للرئاسة”. واعتبرت غازيني أن “في أصل هذه المشاكل، قانونا انتخابيا غير واضح وتشوبه تناقضات كثيرة”.
لكن المحلل السياسي الليبي، المقرب من حفتر، خالد ترجمان قال في تصريح لموقع “الحرة” إن من خرجوا للتظاهرات الأخيرة ينتمون للميليشيات والإسلاميين المتشددين في غرب البلاد، معتبرا احتجاج البعض على حفتر “تحصيل حاصل”.
واعتبر أنه أمر طبيعي أن يحتج هؤلاء ضد ترشح حفتر، لكنه استبعد أن يؤثر ذلك على الانتخابات ومسارها وموعدها، لأنه تم الاتفاق على هذا الموعد “بإرادة داخلية وبدعم دولي، كما أيدت هذا الموعد مفوضية الانتخابات”.
ويرفض المحلل السياسي إبراهيم بلقاسم أيضا تأجيل الانتخابات، لكنه حذر من أنه إذا لم تحدث توافقات بين الأطراف السياسية، وإذا لم يقدم مجلس النواب “تنازلات” قبل الموعد المحدد في 24 ديسمبر، خاصة فيما يتعلق بالمادة 12، “سيتأزم الوضع وسيفشل مشروع الانتخابات”.
وأضاف، في تصريح لموقع “الحرة”، أن لديه تخوفات “مشروعة” من أن القانون خصص من أجل ترشح أطراف وإقصاء أطراف أخرى، خاصة أن أحد من وضعوا القانون، وهو عقيلة صالح، ترشح نفسه في السباق.
وقال إن مجلس النواب أصبح طرفا سياسيا، ويفضل مرشحين على غيرهم، ما يعني أنه “أصبح قاضيا وخصما”.
لكن ترجمان قال إن قانون الانتخابات تمت الموافقة عليه في البرلمان، ووافقت المفوضية العليا للانتخابات على المواد الواردة فيه، ولم يعد هناك إمكانية للتراجع عنه، كما قال رئيس البرلمان.
واعتبر أن الحديث عن تعديل القانون يأتي فقط في إطار “محاولات لا جدوى منها لتأجيل الانتخابات”.
ويرى بلقاسم أن تأجيل الانتخابات يعني العودة إلى المفاوضات “وهو أمر لن يسفر عن نتائج كما حدث في الماضي”، خاصة في ظل وجود أطراف خارجية لا ترحب بمشروع الانتخابات أصلا وترغب في إفشاله.
واعتبر أن هناك فرصة لمعالجة الخلاف حول القانون بتوافق الأطراف، قبل 24 ديسمبر، لكنه استبعد حدوث ذلك “لعدم توافر الإرادة السياسية في المجلس الذي يقول إنه غير قادر على تعديل القوانين، رغم اتخاذه خطوة مماثلة من قبل”.
وقال بلقاسم: “البلاد تسير بشكل سريع وفق هذه القوانين في مسار غير مضمون وسنخرج من هذا المسار إلى انسداد سياسي حقيقي”، فقانون الانتخابات “يقصي بعض الأشخاص الجيدين الذين لا يستطيعون الترشح لأنهم مازالوا في وظائف قيادية، بينما تم السماح لشخصيات مختلف عليها”.
وأشار إلى أن القانون يعطي رئيس الدولة صلاحيات تصل إلى إمكانية حل البرلمان، بينما يستطيع الأخير عزل الرئيس. وهذه الصلاحيات أصدرها مجلس النواب وليست مواد دستورية، وطالما أن البرلمان من وضع القانون، يستطيع إصدار أي تشريع يلغي صلاحيات الرئيس، مما يعني إمكانية حدوث انسداد سياسي في المستقبل.
ويخشى من أنه لو تم استبعاد حفتر أو صالح بعد نظر الطعون، فقد يقومان بتعطيل العملية السياسية، وهما يمتلكان الأدوات للقيام بذلك.
وحذر المحلل من أنه في ضوء هذا الوضع فإن “العملية السياسية برمتها قد تسقط في أي تعثر”.
المصدر: الحرة. نت