لحقت بريطانيا، أخيراً، بالركب الأوروبي والأميركي، إذ أعلنت حكومتها المحافظة عزمها تصنيف حركة “حماس” الفلسطينية بأكملها، أي بجناحها السياسي والعسكري، منظمة إرهابية وحظرها داخل الأراضي البريطانية، على أن تعرض قرارها على مجلس العموم البريطاني الأسبوع المقبل، بحسب ما أكدت وزيرة الداخلية بريتي باتيل. وعلى الفور، سارعت الحكومة الإسرائيلية بقيادة نفتالي بينت إلى الترحيب بالقرار البريطاني، الذي ندّدت به “حماس”. ويعتبر القرار سياسياً بالدرجة الأولى، ويأتي في سياق متواصل من محاولات الضغط الغربي على المقاومة الفلسطينية في غزة، وفي سياق أوسع على كل حركات المقاومة الفلسطينية ومجموعات المقاطعة، ضمن محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتنصل المجتمع الدولي من التزاماته، ولو الكلامية، تجاهها، مع الانحياز الكامل لسرديات الاحتلال والمنظمات الصهيونية حول العالم، واللوبيات الإسرائيلية الضاغطة لمحاولة إثارة قضية “معاداة السامية”. ويخشى أن يضيّق القرار على المؤيدين للمقاومة الفلسطينية في بريطانيا.
وأكدت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل، أمس الجمعة، أن بلادها تعتزم حظر “حماس”، مضيفة في بيان أن “حماس تملك قدرات إرهابية واضحة تشمل امتلاك أسلحة كثيرة ومتطورة، فضلاً عن منشآت لتدريب إرهابيين، لهذا اتخذت إجراءات لحظر الحركة بأكملها”، بموجب قانون مكافحة الإرهاب البريطاني، ما يجعل كل من يعبّر عن تأييده للحركة أو يرفع رايتها أو ينظم اجتماعات لها في بريطانيا مخالفاً للقانون، وقد يكون عرضة للسجن لمدة تصل إلى 14 عاماً.
وكانت بريطانيا قبل هذا الإعلان، تحظر فقط الجناح العسكري لـ”حماس”، “كتائب عز الدين القسام”. وقالت باتيل من واشنطن أول من أمس، حين كشفت عن الخطوة: “لقد وصلنا إلى قرار بأننا لا نستطيع بعد اليوم الفصل بين الجناحين العسكري والسياسي”، واضعة الخطوة في إطار السعي لمحاربة “معاداة السامية”. إلا أنها أكدت أن القرار “مبني على مروحة واسعة من المعلومات، والجهد الاستخباري، وارتباطات بالإرهاب”. وأضافت أن الإعلان “خطوة ضرورية لحماية المجتمع اليهودي (في بريطانيا)”، معتبرة أن “حماس أصبحت معادية للسامية بشكل جذري وشرس”. وقالت إن الخطوة “ستتشدد حيال كل من يرفع علم حماس في المملكة المتحدة، وهو تصرف يجعل المجتمع اليهودي خائفاً”.
وعلى الفور، أشاد رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينت بالقرار. وكتب على “تويتر” أن “حماس تنظيم إرهابي بامتياز”، مضيفاً أن “الذراع السياسية للحركة تُمكّن نشاطها العسكري. هم نفس الإرهابيين، لكنهم فقط يرتدون بذلات”. علماً أن الإذاعة الإسرائيلية ذكرت أمس أن بينت كان طرح الموضوع على رئيس الحكومية البريطاني بوريس جونسون خلال لقائهما أخيراً في قمة غلاسكو المناخية. بدوره، وجّه وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد الشكر للحكومة بريطانيا، معتبراً أنه “لا يوجد جناح شرعي لمنظمة إرهابية”، وأن “أي محاولة للتفريق بين أجنحة أي منظمة إرهابية هو اصطناعي”. وكتب على “تويتر”: “إن القرار تتويج لمحادثات صادقة وناجحة بين إسرائيل والمملكة المتحدة”.
من جهتها، استنكرت “حماس” في بيان لها الخطوة، معربة عن أسفها الشديد “لأن بريطانيا تستمر في غيّها القديم”. واعتبرت أن “مقاومة الاحتلال، وبكل الوسائل المتاحة، بما فيها المقاومة المسلحة، حقّ مكفول للشعوب تحت الاحتلال في القانون الدولي، فالاحتلال هو الإرهاب، فقتل السكان الأصليين وتهجيرهم بالقوة، وهدم بيوتهم وحبسهم هو الإرهاب”. ورأت أن “حصار أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، معظمهم من الأطفال، لأكثر من 15 عاماً، هو الإرهاب، بل جرائم حرب وضد الإنسانية”. كما شدّدت على أن “الاعتداء على المقدسات وترويع الآمنين في بيوت العبادة هو عين الإرهاب، وكذلك سرقة الأراضي وبناء المستوطنات عليها”. وقالت إنه ينبغي على المجتمع الدولي وفي مقدمته بريطانيا “التوقف عن هذه الازدواجية والانتهاك الصارخ للقانون الدولي الذين يدعون إلى حمايته والالتزام به”، وأنه ينبغي على بريطانيا “أن تتوقف عن الارتهان للرواية والمشروع الصهيوني”.
كما شدّد القيادي في “حماس”، سامي أبو زهري، لـ”رويترز”، على أن “القرار البريطاني هو انحياز مطلق للاحتلال، وخضوع للإملاءات والابتزاز الإسرائيلي”. واعتبر عضو المكتب السياسي للحركة حسام بدران، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “حماس لا تبحث ولا تحتاج أن تأخذ شرعية من بريطانيا أو غيرها”، معتبراً أن القرار هو “استمرار في الانحياز للاحتلال على حساب شعبنا الذي يعاني منذ وعد بلفور”.
بدورها، دانت فصائل فلسطينية، أمس، القرار. واعتبرت “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، أنه “يستهدف المقاومة المشروعة لشعبنا، ويأتي استمراراً لموقف بريطانيا المعادي لشعبنا الفلسطيني”. كما اعتبرت “الجهاد الإسلامي” أن القرار البريطاني “عدائي ظالم لا يخدم سوى الاحتلال الصهيوني”.
وتعليقاً على القرار، اعتبر الخبير الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي حاتم أبو زايدة، أنّ ما يجري حالة دعائية، لن يكون لها تأثير على أرض الواقع، لأنّ “حماس” لا تملك مكاتب رسمية ولا غير رسمية في بريطانيا وليس لها نشاط علني ولا سري ليتم تعقبها ومنعها. ورأى في حديث لـ”العربي الجديد” أن إسرائيل تحاول مع الجميع لإلصاق تهمتي الإرهاب ومعاداة السامية بالمقاومة الفلسطينية. وأوضح أنّ إسرائيل حاولت مع كثير من الدول التي هي على الحياد من أجل وسم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، لتشويه صورة المقاومة وربطها بمعاداة السامية، وذلك في اطار محاربتها لمحاولة الفلسطينيين إيصال حقيقية قضيتهم العادلة لكل العالم.
وفي الجهة المقابلة، توقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، حسام الدجني، أنّ يؤثر القرار على الفلسطينيين في بريطانيا والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية، وأنّ يكون هناك تضييق على كل ما يمت لـ”حماس” بصلة. وأوضح الدجني في حديث لـ”العربي الجديد” أنّ تصنيف الحركة على قوائم الإرهاب لا يمكن أن يساهم في حالة السلام والاستقرار، و”حماس” فازت بالانتخابات في 2006 وهي جزء من حالة الاستقرار في المنطقة والاقليم. وأشار إلى أن هذا الأمر يأتي ضمن سياق الضغط الإسرائيلي على دول العالم لشيطنة كل ما هو فلسطيني، فـ”حماس” حركة تحرر وطني يهمها إيصال صوت الشعب الفلسطيني للجميع.
المصدر: العربي الجديد