أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد مرسوماً يمهد لإلغاء منصب مفتى الجمهورية، ويعزز دور المجلس الفقهي العلمي بعد إدخال تعديلات على تركيبة المجلس. ونص المرسوم التشريعي رقم 28 الذي صدر الاثنين، على تأسيس “المجلس العلمي الفقهي” بحيث يتكون من وزير الأوقاف رئيساً، بالإضافة إلى 42 عضواً، اثنان منهم نائبان للوزير.
وبحسب المرسوم، فإن عضوية المجلس تشمل رئيس اتحاد علماء بلاد الشام، والقاضي الشرعي الأول في دمشق، مع ثلاثين من كبار العلماء في سوريا “ممثلين عن المذاهب كافة. كما نص على أن يكون في المجلس ممثل عن الأئمة الشباب، وخمس من عالمات القرآن، وممثل عن جامعة بلاد الشام للعلوم الشرعية، بالإضافة إلى عضوين عن كليات الشريعة في الجامعات الحكومية.
إلغاء منصب المفتي
وإلى جانب التأكيد على أن تشمل عضوية المجلس ممثلين عن كافة المذاهب (الطوائف) فقد كان لافتاً نقل مهمة الفتوى التي كانت مناطة بمفتى الجمهورية السنّي، إلى المجلس، بناءً على إلغاء الفصل التاسع من القانون “31” لعام 2018 المتعلق بمنصب مفتي الجمهورية، المحددة أحكامه في المادة 35. وتنص على أن “يسمى المفتي العام للجمھورية العربیة السورية وتحدد مھامه واختصاصاته بمرسوم بناء على اقتراح الوزير لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد بمرسوم”.
وأضاف المرسوم الجديد إلى مهام المجلس العلمي الفقهي “تحديد مواعيد بدايات ونهايات الأشهر القمرية، والتماس الأهلّة وإثباتها وإعلان ما يترتب على ذلك من أحكام فقهية متصلة بالعبادات والشعائر الدينية الإسلامية (شهر رمضان والأعياد الاسلامية)”.
تشيُّع الإفتاء لصالح إيران
ويرى المحامي عبد الناصر حوشان أن خطورة إلغاء مقام “مفتي الجمهورية” تكمن في أنه لم يعد هناك مُفتٍ لأهل “السنة والجماعة” في سوريا. كما أن المرسوم الحالي يُلغى الفصل التاسع من الباب الثالث المُتضَمن في المادة (35) من القانون المذكور، ما جعل الفتوى من أعمال السلطة التنفيذية (وزارة الأوقاف)، وبالتالي خرجت عن استقلالية مقام الإفتاء واستقلال المفتي، وهما شرطان شرعيان أساسيان لسلامة الفتوى ومصداقيتها. ويقول حوشان في حديث لـ”المدن” أن “المجلس الفقهي بتركيبته الحالية سيضم ممثلين عن عشر مرجعيات شيعية تتبع إيران، يشكلون في الواقع ربع أعضاء المجلس”.
وكان وزير الأوقاف قد أصدر قراراً العام 2011 ينص على اعتماد المرجعيات الشيعية التالية بشكل رسمي في سوري وهي: مرجعية الخامنئي، مرجعية سعيد الحكيم، مرجعية السيستاني، مرجعية صادق الشيرازي، مرجعية محمد حسين فضل الله، مرجعية كاظم الحائري، مرجعية بشير النجفي ، مرجعية محمد تقي المدرسي، مرجعية الوحيد الخراساني.
ويقول حوشان: “بما أن التعديل النصي يقول بضرورة إصدار الفتاوى المسندة بالأدلة الفقهية الإسلامية المعتمدة على الفقه الإسلامي بمذاهبه كافة، ووضع الأسس والمعايير والآليات اللازمة لتنظيمها وضبطها، فإن هذا يعني ضمناً المذهب الشيعي الذي تديره المرجعيات الشيعية في إيران والمرجعيات الشيعية المرتبطة بها في سوريا”.
وعليه، يرى حوشان أن “الشيعة بمن فيهم المجنّسون حديثاً، أصبحوا شركاء وللمرة الأولى في إدارة أملاك الوقف والانتفاع بها واستثمارها، وهذا أيضاً تكريس لجريمة التغيير الديموغرافي التي يرتكبها ملالي إيران وعملاؤهم في سوريا”.
صراع وأدوار
المرسوم الرئيسي يأتي بعد أيام قليلة فقط على اللغط الذي أثاره مفتي النظام أحمد حسون، خلال جنازة المطرب الراحل صباح فخري. واعتبر حسون في كلمة خلال التشييع، أن خريطة سوريا وردت في القرآن الكريم ضمن سورة “التين”، وأن كل من غادرها فإنه سيُرد إلى “أسفل سافلين” حسب تأويله لنص السورة. وهو تفسير أثار غضب واستهجان الكثير، ودفع المجلس العلمي السوري التابع لوزارة الأوقاف إلى إصدار بيان يرفض هذا التفسير، ويهاجم بشدة المفتى حسون بسبب “تحريفه” للقرآن وتفسيره آياته على هواه.
ويعتقد كثيرون أن وزير الأوقاف في حكومة النظام عبد الستار السيد، انتهز هذه الفرصة ليسقط خصمه القوي حسون بعد سنوات من التنافس الشديد بينهما.
وسبق للوزير السيد أن حاول أكثر من مرة التأثير في مكانة حسون وإقصائه من المشهد، وكان آخرها مطلع العام 2021 حين روجت مصادر إعلامية مقربة من السيد عن علاقة اقتصادية وثيقة بين ابن المفتي ورامي مخلوف، رجل الأعمال الشهير وقريب بشار الأسد، الذي تمّت مصادرة أمواله وتصفية أعماله بشكل كامل مؤخراً.
ولذلك، فإن السياسي السوري المعارض، زكريا ملاحفجي، يرى أن الأمر يتعلق بصراعات القوى ومراكز النفوذ داخل النظام، أكثر مما يتعلق بالسعي لنشر التشيع في المجتمع السوري. ويقول لـ”المدن”: لو كان الأمر مرتبطاً بالعمل على تشييع السوريين، فإن أحمد حسون قد لا يوجد من ينافسه في لعب هذا الدور منذ ما قبل العام 2011، لذا فعلى الأغلب أن ما جرى يعبّر عن انتصار وزير الأوقاف والقوى التي تدعمه في النظام على منافسه المفتي والأجهزة التي وقفت إلى جانبه في هذا الصراع”.
ويشير ملاحفجي إلى أن “المرسوم الأخير يقول بشكل ضمني إن دور حسون قد انتهى، وإنه يجب أن يغادر المشهد بعدما استنفد كل ما يمكن أن يقدمه للنظام، بل وأصبح عبئاً عليه، خصوصاً بعد السقطة الكبيرة التي ارتكبها ولم يكن هناك أي مجال لترقيعها، بينما كان على الأغلب يعتقد أنه بما قاله خلال تشيع صباح فخري يقدم مزاودة لصالح النظام لا يمكن لأحد مجاراته فيها”.
انقسم السوريون المعارضون للنظام، حيال المرسوم الأخير، بين من يعتبر أنه يمثل خطوة خطيرة على طريق تشيُّع الدولة بهذا الشكل الصارخ، وبين من يرى أنه لا يستحق كل هذا اللغط، طالما أن منصب المفتي، في ظل حكم آل الأسد، لطالما كان مجرد أداة في يد النظام، مثله مثل أي مؤسسة أخرى فقدت استقلاليتها ومضمونها ودورها الحقيقي.
المصدر: المدن