زيارة بشار الأسد إلى موسكو يوم الإثنين الماضي ذات أهمية خاصة، لأنها بداية لطريق جديد تسلكه المسألة السورية، من خلال أول خطوات التطبيع مع النظام السوري، التي بدأت من لبنان وفتحت له نافذة مع الأردن ومصر، في إطار مشروع أميركي لمساعدة لبنان على تجاوز أزماته، وعلى نحو خاص الطاقة الكهربائية، التي ستمر من الأردن إلى لبنان عبر سوريا وبشروطها وتحصيل ضريبة مالية كبيرة.
وجاء بعد ذلك تشكيل الحكومة اللبنانية وفق شروط إيران، وتراجع فرنسا عن مبادرتها على أساس مقايضة اقتصادية إيرانية فرنسية في العراق. ويعد هذا مكسبا للنظام السوري ليس فقط من خلال توزير بعض القريبين منه مثل وزير الإعلام جورج قرداحي، بل بما يعنيه ذلك من إعادة ضبط إيقاع العلاقة بين بيروت ودمشق على مقاس مصالح إيران وأهدافها ورؤيتها للوضع في الشرق الأوسط.
نجحت طهران في أن تفتح بابا للأسد من حيث لم يكن واردا في حساب أحد، وسجلت نقطة مهمة ضد منافستها موسكو على الإمساك بأوراق القضية السورية، وأكثر من ذلك وجهت رسالة، بوصف ما حصل هو عبارة عن أول إنجاز لحكومة الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي الذي تسلم السلطة في الشهر الماضي. ويريد رئيسي أن يجعل من نجاح تدخله لتشكيل الحكومة اللبنانية مثالا ينسحب على سياسات حكومته في المنطقة، وبيده الكثير من أوراق المساومة في سوريا والعراق واليمن، والتي يريد الضغط بها في مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي، بعد أن تعثرت عند الجلسة السادسة في نهاية حزيران الماضي، بسبب تمسك طهران برفع جميع العقوبات الأميركية، وليس فقط تلك المرتبطة بالملف النووي.
يعيد نجاح طهران سياسيا في الإقليم خلط الأوراق، والتأثير على الحسابات في سوريا، ولذلك عاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى لغة القوة العسكرية خلال استقباله الأسدـ وتحدث بصراحة عندما قال “إن المشكلة الرئيسية تكمن في وجود القوات الأجنبية في مناطق معينة من البلاد”. وهذا سبب عدم استتاب سلطة الأسد، والمعيق الأساسي 13لإعادة الإعمار. ويرى بوتين أن “الجيش السوري يسيطر على أكثر من 90 في المئة من أراضي البلاد (في الواقع 64%)، رغم بقاء عدد من بؤر الإرهاب قائمة.” ويشكل ذلك إشارة صريحة إلى ضرورة استعادة هذا الجزء الذي يحول دون بسط سلطة النظام على كامل الجغرافية السورية، والانطلاق نحو إعادة الإعمار. وهذا يعني أن الضرورة تستدعي اجتثاث “بؤر الإرهاب” التي يحددها الروس في محافظة إدلب ولا يحصرونها في فصيل “هيئة تحرير الشام”، وإنما يرون في كل من يدعو لرحيل النظام إرهابيا. وهم يمارسون ذلك على الأرض من خلال القصف اليومي المتواصل على ريفي حلب وإدلب لمواقع الفصائل الحليفة مع تركيا. وبالتالي لا يمكن فهم تصريحات بوتين إلا بوصفها دعوة صريحة إلى اجتياح محافظة إدلب ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلامة، وهذا يعيد المنطقة إلى وضع أسوأ من ذلك الذي عرفه ريفا حماة وإدلب، وكان نتيجة هجوم النظام والميليشيات الطائفية ودعم روسي، تهجير أكثر من مليون.
كان بوتين يريد أن يتفادى العملية العسكرية الواسعة التي ستقود إلى اجتياح كبير، وراهن على تعويم الأسد بشروطه، ولكنه لقي صدا من الولايات المتحدة التي رفضت تعليق العقوبات على النظام وداعميه حسب “قانون قيصر”، ولكن هذه العملية قد تكون ذات كلفة باهظة إذا قررت القوات التركية الموجودة في مناطق العمليات المشاركة فيها أو في حال تم استهدافها. ولكن أثرها سوف يكون كارثيا على أكثر من أربعة ملايين، القسم الأكبر منهم تم تهجيره من محافظات سورية أخرى، وهذه المرة ستكون دروب الهجرة مقفلة، وهنا الخطر الكبير، الذي يتفاقم في فصل الشتاء.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا