– كثيرًا ما كان يخرج وحده، وأذكر أننى كنت أتلفت خلال الزجاج الذى أرى منه الزعيم الخالد جمال عبدالناصر وتلتقط عينى السيارة نصر 1100 تسير تحت نافدة مكتبى يقودها جمال عبدالناصر وحده ومتجهة خارج المنطقة بلا حراسة .
– اتصلت بالمكتب الخاص للاستعلام عن تحركات طارئه لم اخطر بها فكان الرد من الظابط المناوب ان سيادة الرئيس اخذ سيارة عادية وأمر بالا تخرج معه حراسة ولا سكرتارية ولا تخطر جهاز الأمن بهذا التحرك .
شى غريب لم يحدث من قبل . وظللت اضرب أخماسا فى أسداس ولم استطع فى نفس الوقت ان اتصل بالرئيس لان مثل هذه السيارات لم تكن مزودة بجهاز لاسلكي مثل باقى السيارات .
مرت ساعتان ونصف تقريبا واذا بالتلفون يدق وعلى الطرف الاخر الرئيس يطمئننى مقدراً ما عانيتة خلال هذه الفترة بكلمات رقيقه حانية قائلا : عارف انا كنت فين ؟ كنت مع الناس .
هذا اليوم كان يوم شم النسيم – طبعا لم نكن نعرف خلال 18 عاما شيئا اسمه إجازة او راحة عن رضا وقناعة .
قلت : ناس مين يا فندم .
قال : كنت مع الناس فى الشارع … انا طلعت من هنا على مصر الجديدة على شبرا ونزلت البلد ومنها على حديقة الحيوان ورجعت من ميدان التحرير فالعتبة فشارع الجيش فالعباسية فمنشية البكرى .
وأضاف : شفت الولاد والبنات وهم يلعبوا وشفت الاباء والأمهات وهم يشاركون ابناهم فى الفرحة والبهجة فى هذا اليوم . لم يكن هذا كل ما قاله جمال عبدالناصر عن هذه الجولة بل قال الكثير عن ملاحظاته حول ما يراه فى الشارع فقد كان يجب ان يرى بنفسه , وكانت له جولات منفرده اغلبها فى ايام الاعياد . عندما عاد من هدة الجولة قال لى جمال عبدالناصر :
اكتب ما سأمليه عليك لتتخذ القرارات المناسبة :
1- الطابع الغالب على ألوان الملابس هى الألوان الزاهية ولكن ليس بالدرجات المتنوعة الكافية . ينبه الى دلك شركات انتاج الأقمشة .
2- بعض الحدائق مغلقة وكان الواجب ان تفتح جميع الحدائق العامة فى مثل هدا اليوم .
3- المساكن الشعبية فى منطقة الزيتون والمطرية تحتاج لدهان وإصلاح شبكات الصرف الصحي .
4- وسائل النقل العام ليست كافية .
5- بعض الطرق فى الاحياء الشعبية ليست مرصوفة بطريقه سليمة – حدد أسماء الشوارع والأحياء.
6- الشرطة فى بعض المناطق تحتك بالجماهير بطريقة لا تليق بآدميتهم وخصوصا مع الباعة الجائلين .
7- المراكب النيلية تكتظ بالناس مما يعرض أرواحهم للخطر .
هذه أمثلة من كثير وعديد الملاحظات التى لمسها أثناء جولته فى شوارع القاهرة فى يوم شم النسيم وليس هدا هو المهم إنما الأهم هو ما فاجأني به بعد دلك اد قال ضاحكا :
تصور ياسامى وانا واقف فى اشارة شارع مصر والسودان عرفني الناس فالتفوا حول السيارة ( وبداوا فى الهتاف لى ) واستفسرت منهم عن احوالهم المعيشية واستمعت الى شكاواهم وعايز تكلم الوزراء كل فيما يخصة حول أهم هدة الشكاوى .
1- وزير التربية والتعليم عن الكتب المدرسية ورداءة طباعتها .
2- وزير التموين عن رغيف العيش – وهدا الموضوع له قصص كثيره .
3- وزير التموين عن للاهتمام بجودة صناعة الاحدية المدرسية والعادية والصنادل للبنات والأولاد وأسعارها .
4- وزير المواصلات لمد خطوط جديدة للاحيا محرومة من المواصلات ( حددها ) وغيرهم من المسئولين المعنيين عن مسائل تمس احتياجات الموا\طن اليومية .
تكررت هدة الجولات الحرة فى الأعياد وتكررت فى شم النسيم سنه بعد سنه , وكانت هناك عملية تقييم ومقارنات بين مايراه ويلمسه عاما بعد عام .
اعقد ان لديك كثيرا من الحكايات الإنسانية حول جمال عبدالناصر , ولا نريد ان نستغرق الوقت فى هذه الحكايات , فهدفنا عرض قضايا سياسية بالدرجة الاولى ولكن ذلك لايمنع ان نمر على بعض هذه الوقائع سريعا ؟.
– ذات مره سألني جمال عبدالناصر تلفونيا ..
– احنا بنتعب عشان مين … انا مش فاهم حاجة ابدا من اللى بيحصل ده .
– قلت : خير يا فندم
– قال : ازاى ابن يرفض قبول اوراقه فى كلية الشرطة وما هى الاسباب . عايز اعرف حالا الاسباب والمبررات التى رفضت بنا عليها اوراق هذا الطالب . تكلم شعراوى جمعة دلوقت وترد على فورا .
– قلت : حاظر .
– طلبت الاخ الكريم شعراوى وقلت ماهى الأسباب , فطلب إمهاله فرصة ليبحث ويرد على . وبعد ذلك رد على شعراوى : الحقيقه ياسامى الولد مستوفى الشروط ولائق طبيا لكن اعترض على قبول اوراقه لان ابية سائق سيارة مع انه مساعد فى الشرطة .
– طلبت الرئيس وابلغته ماذكرة المرحوم شعراوى جمعة فقال الرئيس :
– احنا بنقول تكافؤ فرص ومجانية التعليم , يعنى كلام فى الهواء ولا يطبق , وكيف يقبل شعراوى مثل هذا الاعتراض , وهو وزير الداخلية لابن من ابناء وزارته – بلغ شعراوى ان تقبل اوراقه فورا واذا كانت هناك حالات مشابهه اخرى مستوفاة الشروط للقبول , فتقبل كذلك وكلمنى عندما يتم هذا وعايز اعرف كام واحد كان مرفوض طلباتهم وماهى الاسباب .
طبعا بلغت الاخ شعراوى بتعليمات الرئيس وكان هناك 3 حالات اخرى مشابهه فقبلت اوراقهم وكان لهم شرف الانتماء لاسرة الشرطة المصرية العريقة واصبحوا من كبار رجالها الناجحين والحمد لله .
وكثيرا كانت الخطابات الشخصية او قدوم بعض ذوى الحاجات من الفقراء بمنشية البكرى يطلبون ويشرحون ظروفهم المعيشية والأسرية وكان هناك مكتب للرئيس جمال عبدالناصر للشئون الداخلية الى جوار مكتب الشكاوى وكانت حصيلة أنشطة هذين المكتبين تدون فى تقرير اسبوعى يعرض على الرئيس ضمن الافضليات من المواضيع لانها كانت بشكل ما تمثل نبض الجماهير .
كانت هذه الرسائل اغلبها يخاطب الناس فيها جمال عبدالناصر مباشرة بتلقائية ومصداقية يبثون اليه متاعبهم وشكاواهم – وكثيرا ما طلب الرئيس ان يطلع على أصول هذه الرسائل كما وردت من اصحابها – وكان جمال عبدالناصر بحسه يلتقط ويضع إصبعه على تلك الرسائل خصوصا التى كانت تمس شريحة من المواطنين ويطلب بحث المشكلة المثارة ويصدر قراراته بحلها ان أمكن إداريا او اصدر قرارات او تشريعات يكون من شانها حل مشكلة لها صفة العمومية .
اما المسائل الشخصية والحالات الفردية فكان تبحث بواسطة الجهات المعنية وتدرس كل حالة على حدة , ومن تثبت أحقيته كان الرئيس يصدر التوجيهات باستدعاء صاحب الشكوى ويناقشه فيها والعمل على حلها , مع المتابعة التى كانت جزا هاما من أسلوب تعاملة سواء على مستوى الدولة او على مستوى الافراد . وكثيرا ما كانت النوتة الخاصة به تحوى ملخص الموضوع وتاريخ إصدار قراره بشانه ونكلف كلا فى اختصاصه بالمتابعة الشخصية وفى بعض الاحيان كانت المعوقات البيروقراطية والروتينية تقف حائلا دون الحل السريع فكانت المتابعة تتم للمرة الثانية والثالثه .
واذكر هنا على سبيل المثال حالتين :
الحالة الأولى يمثلها شاب خريج كلية الزراعة قسم بساتين وهو من افقر الاحياء والده كان يعمل طورشجى فى السيدة زينب – سأمسك عن ذكر اسمه لانه يشغل الان منصبا هاما – هذا الشاب حضر للمكتب وطلب مقابلة الرئيس فقابلته وشرح لى مشكلته تلخص فى انه لايسطيع ان ينتضر الدور لتعينه بواسطة القوى العاملة ولما حاولت ان اشرح له ان هذه مسالة عامة وتخضع لمبداء تكافؤ الفرص قال لى هذا الشاب ان لكل قاعدة استثناء واستثنائي يقوم على سوء وضع العائلة الاجتماعي التى تتكون من اب طورشجى أصبح عاجزا عن القيام باعباء الاسرة لكبر سنه وام وأربعة أخوات فى سن الزواج – وقال لى هل يمكن ان تجد لى عملا فى نادى الشمس – وكان فى طور الإنشاء – الى ان يحل علية الدور فى التعيين . وعين فعلا هذا الشاب فى نادى الشمس كمشرف على إنشاء الحدائق وقد كان فعلا مثال يحتذي به ومازال حتى الان .
وحالة اخرى لها طابع العمومية تخص إحدى السيدات العرب حيث كانت لها مشاكل مع جهاز الحراسة نتيجة خطاء فى التنفيد ولم يكن بيدها – وكانت البيروقراطية وجمود اللوائح والروتين تقف حجر عثره فى سبيل استردادها لحقوقها المشروعة .
لجأت هذه السيده الى بمنشية البكرى وعرضت مشكلتها الى وضعت تحت انظار الرئيس الذى امر كتابة بان تسترد حقوقها مره اخرى , وقفت اللوائح دون تنفيد تاشيرة الرئيس الذى اصر – – وفق اسلوب المتابعة الذى كان يتبع – على ضرورة وضع الامور فى نصابها لرد حق المضلوم – صاحبة هذه الشكوى لازالت تعيش فى مصر حتى اليوم .
عبدالناصر كيف حكم مصر – الناشر مدبولى الصغير