باتت أخبار اقتناء الجزائر قطعاً حربية تطرح استفهامات حول أسباب “التسلح”، خاصة أن الآلات المستهدفة ليست دفاعية فحسب، إنما تشمل الهجومية التي تتمتع بتكنولوجيا عالية جداً. فما الذي يدفع الجزائر إلى هذا الخيار؟
مقتنيات حربية تثير الاهتمام
فتح إعلان الجزائر عن “اقتناء 6 طرادات ثقيلة من النوع الصيني 56، المخصص للبحرية، ستبدأ في الوصول بداية من 2022 حتى اكتمال الطلب في عام 2023″، ملف التسلح المعتمد منذ تسلم الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة مقاليد الحكم في 1999. وفي حين يربط متابعون الأمر بتنافس مع المغرب، ترى جهات أن التهديدات التي تشهدها المنطقة استدعت هذا الخيار، بينما ذهب طرف ثالث إلى تصنيف العملية في سياق تحديث وترقية الجيش.
وما يثير الاهتمام توجه الجزائر لاقتناء قطع حربية متطورة جداً، حيث أوضح موقع “مينا ديفونس” المتخصص في الشأن العسكري، في حديثه عن الطرادات الصينية، أن “النسخة المصممة للجزائر أكبر مع قدرة تحمل قوية، ومحركات وأنظمة قتالية أفضل تناسب مخطط الدفاع البحري الجزائري، ويبلغ مدى السفينة 6500 كيلومتر”.
ولفت إلى أنها “تحمل ثماني صوامع عرضية لصواريخ ضد أهداف في البحر وعلى الأرض، وأنها تمتلك نظاماً مضاداً للطائرات، إضافة إلى سطح طيران كبير لطائرة هليكوبتر في الخلف”.
أسلحة متطورة بتكنولوجيا عالية
وسبق أن حصلت الجزائر على سفينة “غراب” حربية جديدة تحمل اسم “الفاتح”، من إحدى كبريات الشركات الصينية لصناعة السفن والمعدات البحرية، من أجل تحديث أسطولها البحري والرفع من قدراتها الدفاعية، وفق ما ذكرت وزارة الدفاع، التي أشارت إلى أن “الفاتح” مزودة بأحدث التكنولوجيات في المجال العسكري البحري وقادرة على العمل والتدخل على نطاق واسع لأداء مهام متعددة.
كما تحدثت أخبار عن اقتناء 14 مقاتلة مقنبلة من نوع “سوخوي 34″، إذ أبرزت الجريدة الإسبانية المتخصصة في السلاح “دفينسا”، أن الجزائر قد تكون الدولة الأولى المرشحة لاقتناء هذه المقاتلة بسبب الأفضلية التي تمنحها موسكو لهذا الشريك في البحر الأبيض المتوسط، مشيرة إلى اقتناء “نظام أس 400″، الذي استدعى انتقال وفد أميركي إلى الجزائر، من أجل طلب إبقاء بطاريات الصواريخ بعيدة بمئات الكيلومترات من الشاطئ المتوسطي الذي تمر منه السفن والطائرات الحربية الأميركية.
وحصلت الجزائر على صواريخ “إسكندر” التي تعد أقوى صاروخ باليستي تكتيكي في العالم، ودبابات “تي – 90″، ومنظومات “بانتسير” للصواريخ، والمدافع المضادة للجو، بالإضافة إلى غواصات قادرة على الضرب من قاع البحر، وغيرها من القطع الخفيفة المتطورة والأجهزة التكنولوجية عالية الدقة.
وذكر تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، أن بعض الدول مثل الجزائر ومصر والكويت والسعودية وقطر، ربما اشترت فعلاً صواريخ مجنحة أو أنها على استعداد للقيام بذلك في المستقبل القريب. وأشار إلى أن أهمية هذه الصواريخ تكمن في قدرتها على التخفي من الرادارات والتغلب على الدفاعات الجوية.
فرضيتان لا ثالثة لهما
تعليقاً على الموضوع، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبدالوهاب حفيان، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن خبر اقتناء قطع حربية بحرية أثار العديد من التساؤلات حتى على مستوى الأوساط الدولية، خاصة حول أسباب النزعة في التسلح لدى الجزائر.
وقال إن الإجابة تحمل فرضيتين لا ثالثة لهما، الأولى أن هناك حرباً نفسية تخوضها الجزائر ضد بلدان الجوار والمغرب تحديداً، وضد التهديدات القادمة من ليبيا.
وأضاف حفيان، أن الفرضية الثانية تذهب إلى اعتبار هذا السباق مفروض على الجزائر لتبقى حليفة مميزة للجانبين الروسي والصيني، بالتالي يشتري النظام الجزائري بعضاً من التأييد مقابل إغداق أموال في شكل صفقات تسلح على الشركات الصينية والروسية، موضحاً أن الجزائر تعيش وضعية اقتصادية صعبة، ولا يمكنها أن تصبح قوة إقليمية بجبهة داخلية مترهلة واقتصاد ريعي وصحة وتعليم متدهورين.
السادسة عالمياً والثانية أفريقياً
التقرير الذي نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، حول الإنفاق العسكري، أفاد بأن واردات الجزائر من الأسلحة ارتفعت بنسبة 64 في المئة.
وأشار إلى أن الجزائر ضمن الدول الأكثر استيراداً للسلاح في السنوات الخمس الماضية، باحتلالها المرتبة السادسة عالمياً، والثانية أفريقياً بعد مصر، في ظل تجاهل الحكومات المتعاقبة لإقامة صناعة دفاعية وعسكرية واضحة تسمح بالتخلص من فاتورة الاستيراد المرتفعة سنوياً.
وكشف التقرير عن أسباب تمسك الجزائر بدول معينة في تزويد ترسانتها العسكرية. وقال إن الأمر يرجع إلى تحفظ الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول على بيع الأسلحة للجزائر، موضحاً أن أهم الممونين هم روسيا (67 في المئة) والصين (13 في المئة) ثم ألمانيا (11 في المئة).
أسباب وخيارات
في السياق ذاته، يعتبر مدير موقع “ميناديفونس” المتخصص في شؤون الدفاع والأمن، أكرم الدين خريف، في حديث لـ”اندبندنت عربية”، أن صفقة الطرادات الصينية تندرج في إطار استبدال القطع البحرية القديمة التي ستخرج عن الخدمة مثل طرادات “كوني” الروسية التي اشترتها الجزائر في بداية الثمانينيات، موضحاً أن العملية كانت مبرمجة منذ عدة سنوات.
ويقول إن الجزائر تتسلح لعدة أسباب، الأول هو أنه في التسعينيات كان هناك حظر على بيع الأسلحة إلى الجزائر، ما اضطر الجيش إلى استهلاك كثير من العتاد وإرهاقها وأحدث ثغرة في التصليح لا تزال البلاد تدفع ثمنها إلى اليوم.
أما السبب الثاني وفق خريف، فيرجع إلى تغير معطيات الأخطار التي تحدق بالجزائر، حيث إنه قبل عام 2010 لم تواجه البلاد أي تهديد أو خطر في الجنوب، لكن بعد ذلك اكتظت منطقة الساحل بالقواعد الأجنبية، وأصبحت معرضة للإرهاب، وهذا يعني أن المساحة التي يجب تغطيتها تضاعفت عشرات المرات، وفي هذه الحالات يوجد خياران، إما زيادة الجنود، وهذا مستحيل، أو اقتناء تكنولوجيا تسمح بمضاعفة فاعلية الجيش.
وفي حين يشير خريف إلى أن أغلبية الأسلحة المستوردة دفاعية، يرجح أن تختم الجزائر برنامج تطوير جيشها بعد سنوات قليلة لتعود إلى وتيرة مقتنيات عادية.
ويبدو أن حجم الإنفاق الجزائري في مجال الدفاع لا يسير نحو الانخفاض، فالرئيس عبدالمجيد تبون أكد في نهاية فبراير (شباط) الماضي، على “ضرورة تطوير قدرات الجيش، بالنظر لشساعة بلادنا في ظل التحديات الأمنية المستجدة في دول الجوار، والتي تستدعي تعزيز القدرات الدفاعية كلما زاد تدفق السلاح في مناطق التوتر المحيطة بحدودنا”.
وأضاف، “سنواصل تنفيذ برامج تطوير القوات، علاوة على مواصلة جهود الحفاظ على جاهزية العتاد العسكري وتجديده وتحديثه وعصرنته، لأن ذلك سيضمن تأمين مناطق المنشآت الصناعية والاقتصادية والطاقوية الحيوية، لا سيما في الجنوب الكبير”.
المصدر: اندبندنت عربية