“الحراك الدبلوماسي الأخير وما حدث في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة من انفتاح على دول العالم يحسب له”. فبعد مرور عام على ترشحه لرئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة، أعلن مصطفى الكاظمي أنه وفى بوعده في قرار عدم الترشح للانتخابات المقبلة في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وقال “وفينا بعهدنا أمام شعبنا بإعلان عدم المشاركة في الانتخابات أو دعم أي حزب أو طرف على حساب الآخر”. مؤكداً أن حكومته ستكون جاهزة لحماية العملية الانتخابية برمتها، وأكد للقوى السياسية التزامه تعهداته أمام الشعب.
وأعلن “تيار المرحلة” و “الازدهار”، الحزبان المقربان لرئيس الوزراء العراقي، في وقت سابق، انسحاب الكاظمي رسمياً من الانتخابات المبكرة، وعدم مشاركة أعضاء فريقه وجميع التيارات المقربة منه والتعهد بعدم دعم أي حزب أو مرشح سياسي على حساب حزب آخر.
ومن المعروف أن ترشيح الكاظمي جاء عقب احتجاجات أكتوبر 2019 التي أقالت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وعلى إثر ذلك تغيرت المفوضية العليا للانتخابات التي سيطرت عليها الأحزاب والقوى السياسية منذ عام 2003، التي أدارت المشهد السياسي، بحسب ما يقول المحتجون.
حكومة الظرف الاستثنائي
وفي مايو (أيار) 2020، مُنحت الثقة لحكومة الكاظمي لإدارة المرحلة الانتقالية تمهيداً لإجراء الانتخابات المبكرة، ولعب الكاظمي بعد توليه منصب رئاسة الوزراء دوراً استثنائياً من خلال العمل على عدة أهداف تتلخص في تحقيق رغبات المتظاهرين ودعم إجراء التغيير في البلاد، وخلق قاعدة مؤمنة بدور الدولة والعملية الديمقراطية، والإمساك بزمام الأمور ضد الميليشيات والسلاح المنفلت.
وذكر الكاظمي أن “الحكومة التي تشرفت بتولي رئاستها ولدت في ظرف استثنائي خطير”، موضحاً أن “العراق كان يقف فيه على مفترق طرق جراء أزمة اجتماعية حادة”.
وفي تصريح سابق لرئيس الوزراء قال “جئت لكي أوفر انتخابات نزيهة عادلة ومن غير المعقول، أن أفكر بانتخابات نزيهة عادلة، وأن أكون طرفاً في المنافسة السياسية فيها”.
ورقة الإصلاح التي أعادت الصدر للانتخابات
تبنى الكاظمي ورقة الإصلاح التي وقع عليها رؤساء الكتل السياسية الشيعية والسنية والكردية، وتشكل هذه الوثيقة عهداً بين الأطراف السياسية، جاءت وفقاً لتطلعات التيار الصدري، الذي دعا في الوقت نفسه إلى تطبيق بنود هذه الوثيقة تحت قبة البرلمان.
وعبر مقتدى الصدر عن شكره للكاظمي، وأنه سيعود إلى الانتخابات للعمل على “إنقاذ العراق من الفساد والاحتلال والتبعية” وبين في تصريح له سعي التيار الصدري للحصول على مقاعد أكثر في الانتخابات المبكرة ليكون من حقه الحصول على منصب رئيس الوزراء.
وعلى الصعيد نفسه صرح العضو في التيار الصدري محمد الغزي في لقاء متلفز “أن التيار الصدري باق على منهجه السابق نفسه، وبالتأكيد ستكون هناك مشاركة من القوى السياسية ولا يريد التيار الاستحواذ على الحكومة بأكملها، ولكن تبقى رئاسة الوزراء طموحاً وهدفاً للتيار الصدري”.
عودة متوقعة
يقول الباحث الأكاديمي العراقي، حميد حسون نهاي إن “عودة التيار الصدري كانت متوقعة لأنه تيار شعبي كبير وعدم مشاركته في الانتخابات يفقدها الكثير من القوة والمنافسة، لا سيما وهو صاحب العدد الأكبر لأعضاء مجلس النواب الحالي، فضلاً عما يتمتع به من مركزية كبيرة على مستوى القيادة”.
وعن ترشيح الصدر للكاظمي لمنصب رئيس الوزراء مرة جديدة، أشار إلى أن كل الأمور ممكنة ومتوقعة، ولكن على الرغم من العلاقة الإيجابية التي تربط بين الطرفين، إلا أن مرحلة الانتخابات وما تفرزه من نتائج لها أثرها أيضاً في اختيار شخصية رئيس الوزراء المقبل.
ويتوقع مراقبون ومحللون سياسيون أن المرحلة الحالية بكل ما أفرزته من نتائج قد تلقي بظلالها على تسمية مرشح رئيس الوزراء للدورة المقبلة، وفي هذا السياق يوضح النائب في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم أن “انعقاد مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة كان ضرورة ماسة للعراق حالياً بعد غيابه كعضو فعال في الدول العربية والجامعة العربية، وهو الآن بحاجة ماسة إلى الدعم العربي”.
وأضاف أن “منح الثقة لحكومة السيد الكاظمي كان بسبب عدم توصل المكونات السياسية في بغداد إلى شخص معين، لكن افتقاد الكاظمي إلى كتلة يجعل إمكانية توليه منصب رئاسة وزراء مرة جديدة مستبعدة، مع أنه استطاع النجاح في هذا المؤتمر”، ويستطرد قائلاً “أستبعد حصوله على ثقة النواب من جديد لرئاسة الحكومة”.
وعن نجاح مؤتمر بغداد وانعكاس نتائجه إيجاباً على ترشيح الكاظمي لدورة أخرى، أضاف قائلاً “ليس لترشيح الكاظمي أي علاقة بنجاح المؤتمر، لأنه باختصار الرئاسة الجديدة للحكومة الجديدة على عدد هيئة النواب، والكاظمي لا يمتلك كتلة كبيرة، والكتل الكبيرة هي من الكتل الشيعية السياسية وهؤلاء لهم مرشحوهم، فحتى إن نجح هذا المؤتمر فمن الصعب أن يتولى الكاظمي رئاسة الوزراء مرة ثانية في هذه الانتخابات”.
وقال النائب محمد العبد ربه عن تحالف الإصلاح “نجح الكاظمي في محاولته بأن يعيد العراق إلى مكانته السابقة بفعل التحرك الدبلوماسي نوعاً ما، وأصبح العراق يستطيع أن يجمع كثيراً من الدول المختلفة فيما بينها. ولكن موضوع الترشيح لرئاسة ثانية لا يعتمد فقط على العلاقات الدولية، بل هناك عوامل متعددة أخرى تحيط بالعملية فالتوافق بين الكتل والأحزاب السياسية، والوضع الاقتصادي في العراق، والتدخلات الخارجية، جميعها لها الدور في عملية تسمية رئيس الوزراء، وبالطبع يصعب على الكتل الصغيرة أن تحدد من سيكون رئيس الوزراء، إلا أن الكتل الكبيرة هي من ستتولى الترشيح لهذا المنصب”.
الحصول على مقعد رئيس الوزراء
أما عن إعلان ترشحه للانتخابات، فلم يسبق للكاظمي تشكيل أي حزب أو إعلان المشاركة في الانتخابات، وكذلك الحال بالنسبة إلى التيارات القريبة منه. ويرى البعض أن الكاظمي سعى بشكل جاد للمشاركة في الانتخابات من خلال مرشحين بالتوافق مع كتل سياسية أخرى. ويجد آخرون أن ابتعاده عن لعبة الانتخابات قد تحقق له مكاسب كبيرة، ذلك أن بعض القوى القريبة منه يصعب عليها الحصول على أصوات كافية ولكونه مستقلاً فسيكون ذلك في مصلحته للحصول على مقعد رئيس الوزراء بالتأكيد.
ويوضح حميد حسون نهاي، في شأن توقعه ترشيح الكاظمي لدورة ثانية “طبعاً مسألة ترشحه لولاية ثانية يتوقف على طموحه السياسي أولاً، فإذا كانت لديه الرغبة والطموح السياسي يمكن أن يكون مرشحاً لولاية ثانية”.
وأضاف “سنة واحدة غير كافية لتقييم الأشخاص، ربما الحراك الدبلوماسي الأخير وما حدث في مؤتمر بغداد من انفتاح على دول العالم يحسب له، لا سيما على الصعيد الخارجي، والعراق اليوم يحتاج إلى رئيس وزراء يعطي الأمور الداخلية والخارجية الاهتمام نفسه، لأن أي بلد يسعى للنهوض عليه التوازن في سياسته، وأكرر أن المدة الزمنية قصيرة ولا يمكن إعطاء تقييم دقيق لها، خصوصاً ونحن ننتظر إجراء الانتخابات البرلمانية وهي مهمة الحكومة الرئيسة، بعدها يمكن تقييمه وتقييم عمله بشكل أكثر دقة”.
وفي وقت شديد الحساسية تمر به البلاد مع اقتراب موعد الانتخابات، نظم العراق مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة. وأثبتت حكومة الكاظمي قدرتها على إعادة العراق إلى دوره المهم والمحوري في المنطقة.
وهنأ الرئيس الأميركي، جو بايدن، الحكومة العراقية على نجاح المؤتمر، وقال “هذا النوع من الدبلوماسية أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى، حيث نسعى لتخفيف التوترات بين الدول المجاورة وتوسيع التعاون عبر الشرق الأوسط، وقيادة العراق في هذا الشأن”. مؤكداً مواصلة وقوف الولايات المتحدة إلى جانب العراق “الشريك” والعمل معاً على تحقيق استقرار الشرق الأوسط بموجب “اتفاقية الإطار الاستراتيجي”.
المصدر: اندبندنت عربية