استمر الإضراب شبه العام، لليوم الثاني بمدينة حلب السورية احتجاجاً على ابتزاز عناصر الحواجز الأمنية لأصحاب المحال التجارية، ليكون التشليح (نقاط التفتيش) الشعرة التي قصمت ظهر البعير، بعد سنوات من الصمت والقبول، بالتفقير وارتفاع الأسعار مما حول عاصمة الاقتصاد السوري إلى “مدينة متسولين”.
ويؤكد التاجر مصطفى الصباغ لـ”العربي الجديد” توسّع رقعة الإضراب الذي بدأ أمس الثلاثاء، للحد الذي يمكن وصفه بالعام، بعد الدعوات المتكررة من نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها “صفحة ثورة جياع حلب”، وتأييد من التجار وأصحاب المحال نتيجة انتشار القوى الأمنية بالأسواق خلال الفترة الأخيرة وابتزاز التجار وزيادة “التشليح” ومساومة رجال الأعمال وناقلي البضائع عند الحواجز داخل المدينة، أو عناصر الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد عند مدخل مدينة حلب.
ويضيف رجل الأعمال السوري أن إلزام المحال التجارية بالإغلاق مساء، لتخفيف استهلاك الكهرباء، زاد الضغط حتى وصل أمس للانفجار والتعبير عنه بالإغلاق، بل والدعوة للتظاهر.
ويكشف الصباغ أن دوريات النظام السوري كتبت مخالفات غيابية أمس بحق المحال المغلقة لكن ذلك لم يثن التجار، بل يستمر لليوم حتى تحقيق المطالب وبمقدمتها، الرجوع عن قرار إغلاق المحال مساء وسحب القوى الأمنية من الأسواق وعدم تعرض عناصر الحواجز الأمنية لسيارات رجال الأعمال أو التي تنقل السلع والبضائع.
وحول أثر حصار درعا البلد وتجويع سكانها على الإضراب بحلب، يشير الصباغ أن بعض النشطاء ربطوا بين تردي الحالة الاقتصادية بحلب وبين حصار درعا، وجاءت دعوات لمناصرة درعا، لكن حلب بالأساس “منهكة اقتصادياً بكل معنى الكلمة بعد انقطاع حوامل الطاقة وتراجع الإنتاج وقدرة الشعب الشرائية”، مشيراً إلى أن مخاوف النظام السوري من مظاهرات يوم الجمعة المقبل، لذا الأرجح أن يتراجع النظام عن بعض القرارات والسلوكيات.
وكان ناشطون ومدنيون في مدينة حلب التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد، قد دعوا خلال الأيام الماضية للإضراب العام والتظاهر للضغط على النظام، وذلك عبر إغلاق المحال التجارية وشلل الأسواق ومن ثم للتظاهر.
الأمر الذي أخاف النظام، بحسب مصادر من مدينة حلب، فنشر “أعداداً هائلة” من المراقبين التموينيين وعناصر الأمن” بدأوا بكتابة المخالفات بحق المحال المغلقة” ويتحسبون من خروج سكان حلب لمظاهرات بعد غد الجمعة.
وتقول فطينة حسين من منطقة صلاح الدين لـ”العربي الجديد” إن “الشعب الحلبي المعروف بغناه تاريخياً، يتشهّى اليوم على الخبز والمازوت، بل جاء انقطاع التيار الكهربائي بفترة الحر الشديد، ليخرج الناس عن طورها”.
وتوقعت أن تخرج مظاهرة الجمعة، مستدركة: “هذه مظاهرات لنأكل ونعيش ما بدنا سياسة”.
وحول إغلاق المحال التجارية، تشير السيدة السورية إلى أن معظم الأسواق لم تزل مغلقة حتى صباح اليوم الأربعاء، لكن الفتح الإجباري “بالوعيد والمخالفات” دفع بعض محال الأغذية والمطاعم والخدمات للفتح، مبينة أن من أسباب احتقان أهل حلب، هو الخطف المستمر من عناصر الأمن وطلب فدية مالية بأرقام خيالية.
من جهته، يرى الاقتصادي السوري سمير سعيفان أن نظام الأسد هذه الفترة، ومع مدينة حلب بشكل خاص، يعاني من تناقض وحيرة، فهو من حيث المبدأ والتطبيق والسوابق، لا يمانع بإبادة كل من يخرج أو يتمرد على نظامه بمظاهرات، لكن من يُضرب بحلب وربما يتظاهر، هم أهل جنوده وأهم حوامله الاقتصادية، وبالوقت ذاته، لا يمكن لنظام الأسد أن يلبي احتياجات المضربين، ما سيدفعه وعلى الأرجح، ليتراجع عن بعض القرارات وتخفيف العبء الضريبي ويسعى لتأمين بعض مستلزمات الناس والمنشآت الاقتصادية.
ويضيف سعيفان لـ”العربي الجديد” أن حلب من أهم كلمات السر السورية، الاقتصادية والحواضن الشعبية ورفد نظام الأسد، بالمؤيدين والمال، لذا إن خرجت حلب عن قبضة الأسد الأمنية، فربما تتغير المعادلة السورية برمتها، ملمحاً إلى أن الإضراب من دون الاصطدام، أمر جيد ومنهك لنظام الأسد، كما أنه مرآة لعكس معاناة مناطق الأسد للخارج.
ويشبه المحلل سعيفان الاقتصاد السوري بالبقرة، ولكن لا يوجد علف لإطعامها ولكن يصمم النظام على حلبها، مشيراً إلى أن عناصر الإنتاج تتراجع خاصة بحلب، وربما جاءت ندرة المحروقات وقطع الكهرباء وأخيراً الإلزام بالإغلاق مساء، عوامل مجتمعة أخرجت الناس عن طورها والاقتصاديين عن صمتهم بعد الخسائر الكبيرة التي يمنون بها.
ولاقى قرار المحافظين في محافظات دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس ودرعا والقنيطرة، بإغلاق المحال عند الساعة الثامنة مساء، امتعاضاً وعدم قبول من شرائح التجار والمستهلكين بآن، ما دفع تجاردمشق للتقدم باعتراض إلى غرفة التجارة، يتضمن آثار الإغلاق المبكر، خاصة خلال موسم افتتاح المدارس وتراجع الحركة الشرائية نهاراً بسبب الحر.
وكشفت مصادر إعلامية أن رئيس غرفة تجارة دمشق، محمد أبو الهدى اللحام، نقل الاحتجاج إلى محافظ دمشق الذي أكد أن القرار “تجريبي ولمدة أسبوع وسيتم دراسة الآثار”.
وتبين مصادر خاصة من دمشق لـ”العربي الجديد” أن ما أثار حفيظة التجار، فضلاً عن خسائرهم جراء الإغلاق منذ الساعة الثامنة مساء، الأمر الذي فسره تجار بمؤامرة ليتوجه المستهلكون لمراكز التسوق التي يملكها أو يستثمرها متنفذون مقربون من نظام بشار الأسد”.
وكان المحافظون بالمدن السورية الواقعة تحت سيطرة نظام بشار الأسد، قد أصدروا قبل يومين، قراراً بإغلاق المحال التجارية عند الساعة الثامنة مساء، بهدف توفير الطاقة الكهربائية، كما أعلن نائب رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، عبد الله نصر، بأن “مبررات القرار تأتي بهدف توفير الطاقة وتوجيهها للمنازل وتنظيم الدوام ، وفق وجهة نظر المحافظة”.
المصدر: العربي الجديد