صنع الله إبراهيم: روائي مصري مخضرم يكتب منذ سبعينيات القرن الماضي، له الكثير من الروايات، واكب الواقع المصري والعربي. الرواية ترصد حملة نابليون على مصر في عام ١٧٩٨م، والعمامة رمز غطاء الرأس لرجل السياسة أو الدين في مصر، والقبعة رمز غطاء الرأس عند الفرنسيين.
الرواية تبدأ من خلال سرد على شكل يوميات يدونها بطل الروايه، الذي نعرفه كشاب صعيدي تلميذ عند المؤرخ الجبرتي الذي عاصر الحملة ودونها ايضا.
الشاب يأخذنا مباشرة لقلب الحدث؛ هاهي اخبار الفرنسيين تأتي عن تقدمهم باتجاه القاهرة. وهاهم قيادة المماليك محمد بك وإبراهيم بك يفروا هاربين من المعركة. معاناة الناس من جور المماليك ومن صراعهم على السلطة والمغانم. الناس في كل الأحوال ضحايا. سنكتشف كيف كانت مصر ضحية هؤلاء المماليك وأن الناس لم يكونوا يهتموا لمجيئ الفرنسيين، بل بعضهم كان يبحث عن عدل قد يأتي في مواجهة جور قائم. المماليك أرهقت الناس بالضرائب و استحلال حرمات الناس وأملاكهم. كل شي مباح ومستباح لهم، للناس وجوه دينية أو حرفية كانت في أغلب الاحيان يد السلطان وصوتها، كانت تتقاسم معه دم الناس وتعبهم. في ظل هذا الواقع قدم نابليون الى مصر مع حملته ممتلئا بأحلام عن أرض الشمس والخير، ومعه العلماء وعدتهم العلمية، واستتب له الأمر. تبين انه مختلف فقط بقبعته، فقد بدأ بإرهاق الناس بالضرائب وزادها ونوّعها، وأخذ الناس يترحمون على المماليك ويحنون لهم. (جور اخف من جور). ضرائب على الصنائع و المزروعات والممتلكات والمعاملات.
جاء نابليون معه عدته العلمية التي لم يكن يعرفها المصريون. وبدأ بدراسة تاريخ مصر ، ودراسة نهر النيل و امكانيات زراعة حوضه. رسم خرائط النيل وبحث كل إمكانيات استثماره. جاء يحمل بذور الرأسمالية الاولى ومؤسسا لعصر الاستعمار الحديث، مجندا للناس مستغلا لكل إمكانيات المجتمع والطبيعة.
صديقنا التلميذ يعمل عند الجبرتي يكلّفه بتقصّي الأخبار ليدوّنها ويدوّن هو ايضا. سنعرف أن الجبرتي نفسه واحد من هذه الطبقة الواسطة بين الحاكم ايا يكن مملوكا او فرنسيا وبين الناس، يداري ويداهن ويعظم مصالحه. في كثير من الأحيان يكون ضحية عندما لا يدرك توازن القوى ويلتحق بالاضعف ويسقط معه. الجبرتي من مجلس “العقد” عند المماليك وعند الفرنسيين، يتحرك على حد السيف خوفا من السقوط. يتابع صاحبنا فعل الفرنسيين ويلتحق بمكتب الترجمة وبحوثهم العلمية. سيجد ان مع الحملة علماء؛ هذا يفكر بربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط؛ (ستتحول الفكرة لقناة السويس لاحقا)، وآخر يدرس تاريخ الفراعنه ويكتشف حجر رشيد: أول ابجدية في التاريخ. وجد معملا للسلاح، استنبات الدجاج و و..الخ. يعرف أن نابليون يفكر ببناء امبراطورية له هنا. قال نابليون إن اليهود أبناء المنطقة ويجب ان يعودوا إليها؛ (وهذا اول طرح غربي أوروبي عن فلسطين وطنا لليهود في التاريخ الحديث). يجهّز حملة على بلاد الشام سيرافقها صاحبنا. سنجد أننا امام الوحشية بالتعامل مع البشر؛ القتل الجماعي، ولا رحمة لطفل او امرأة أو عجوز. قرى كاملة ومدن تباد ويُقتل أهلها بكل برود ليخدم مصلحة الفرنسيين. سيدافع الحكام عن مواقعهم وسلطاتهم (الجزار رجل الأتراك في عكا). سيكون قتل وقتال وقتلى. ويصعب على نابليون دخول عكا، سيموت من جنوده بالالاف ويهاجم جيشه مرض الطاعون. ويعود خائبا، ان حلمه بالتوسع في فلسطين وبناء امبراطوريته بات مستحيلا. بكل الاحوال الناس هم الضحايا. صديقنا سيحب فرنسية متزوجة من جندي فرنسي، تعمل مترجمة و يتواصل معها جسديا، سنعرف ان هذا عند الفرنسيين عادي فهي عشيقة نابليون وزوجته نابليون عشيقة آخر، والكل يتبادل الملذات دون عقد.؟!!. نحن أمام منطق جديد في الحياة، والمصريين ما زال بينهم الجواري المستباحات، وهناك دور الدعارة والأمور ليست أفضل انسانيا. كلهم مجرمون وضحايا.
سيعود نابليون لفرنسا ويأخذ مكانه نائبه كليبر وينحصر هم الفرنسيين بالحفاظ على غنيمتهم مصر. يؤسس لصناعة قوة طاغية، يرهق الناس بالضرائب والسخرة، يعيد تخطيط المدينة لتخدم وجودهم وحركتهم واستمرارهم، ويظهر أنهم مستمرون للابد. أخذ الناس بالتكيف مع هذا الوضع كما هو الحال مع كل الغزاة، مئات من السنين مرّ عليهم وهم وقود الغزاة وأدواتهم وضحيتهم. لكن الانكليز والأتراك يتوافقوا على إخراج الفرنسيين من مصر وعودتها للأتراك، الإنجليز وقتها وقتها منافسين جدييّن للفرنسيين بتقاسم النفوذ على العالم، وتبدأ معركة بين الطرفين وتستمر وقودها الناس فهم الضحايا و يفترسهم الطاعون والجوع والموت المجاني. يدخل الفرنسيين والأتراك والإنجليز في مفاوضة رحيل الفرنسيين عن مصر عند هزيمتهم، ويرحلوا تاركين وراءهم اسوأ ذكرى؛ قتل وتخريب و ضحايا وفناء، ويعود الاتراك والانكليز . تبدأ رحلة المأساة نفسها عند الناس استباحة البشر والمال والأعراض وارهاق بالضرائب والسخرة. إن الناس عبيد في كل الأحوال، تغيّر السيد فقط، سيكون صاحبنا مطّلعا على مقتل كليبر بيد سليمان الحلبي وسيشارك بالتنديد بالفرنسيين ويدخل سجنهم. سنعرف أن بين الناس من كان ضد الظلم والجور والقهر، لكنهم من القلة بحيث أنهم ضائعون بين الشعب المستعبد وبين الغازي القاهر. الوجهاء المستفيدين من جموع الناس، بكونهم أصحاب قطيع الناس وليس أحرار الناس وحقوقهم كاحرار وذوي كرامة ومن بني الانسان.
نحن أمام مشهد مؤلم لكنه حقيقي، فنحن ضحايا منذ القدم بين حاكم ظالم تابع وبين غازي يتعاطى معنا على أننا استثمار واستعمار، دون أي اعتبار لإنسانيتنا.
جذور الربيع العربي تغوص عميقا في التاريخ.