يدخل الجنوب السوري مرحلة جديدة بعد اتفاق أبرمه نظام بشار الأسد، برعاية روسية، مع اللجان المحلية الممثلة عن أحياء “درعا البلد”، التي تعتبر آخر البقع الجغرافية الخارجة عن سيطرته الفعلية في المحافظة، وأبرزها من ناحية “الرمزية” المتعلقة بالثورة السورية.
وقضى الاتفاق بفرض “تسوية جديدة” للمطلوبين أمنيا وتسليم السلاح الخفيف الموجود بيد عدد من الأشخاص، على أن يتم لاحقا إعادة انتشار عناصر من قوات الأسد في 3 مناطق يراها أبناء المحافظة “استراتيجية”، ومن شأنها أن تتيح لقوات الأسد إحكام قبضتها الأمنية والعسكرية على المنطقة كاملة.
ومنذ توقيع “اتفاق التسوية” في محافظة درعا، أواخر عام 2018 لم تتمكن قوات الأسد وروسيا من فرض سلطتها على الأحياء المذكورة، على خلاف باقي المناطق الموزعة في الريفين الشرقي والغربي.
لكن حصارا شهدته الأحياء منذ أكثر من شهر، كان كفيلا بإجبار من يعيش فيها على القبول بالمطالب التي فٌرضت عليهم.
وبحسب ما يقول مصدر إعلامي من “درعا البلد” في تصريحات لموقع “الحرة” فإن بنود الاتفاق دخلت حيز التنفيذ منذ صباح الاثنين، مشيرا إلى أن قوات الأسد أقدمت على فك الحصار عن الأحياء من منفذ وحيد يصلها مع أحياء “درعا المحطة”.
وتنقسم الأحياء في مدينة درعا إلى قسمين، الأول يسمى “درعا المحطة” والثاني “درعا البلد”.
وبينما بقيت الأولى تحت سيطرة النظام السوري منذ مطلع أحداث الثورة السورية عام 2011، خرجت الأحياء الأخرى عن سيطرته، وبقيت على ذلك حتى وقتنا الحالي.
“قوات بالآلاف”
في مقابل الإعلان عن “اتفاق التسوية الجديد”، سواء من جانب النظام السوري، أو اللجنة الممثلة عن درعا البلد كانت هناك تطورات لافتة على الأرض.
واستقدمت قوات الأسد خلال اليومين الماضيين قوات من “الفرقة الرابعة” تقدر أعدادها بـ”الآلاف”، مع عشرات الدبابات والمدرعات، بحسب ما أعلن عنه قائد شرطة محافظة درعا، العميد ضرار دندل في تصريحات لوسائل إعلام روسية.
وأشار دندل، الاثنين، إلى أن التعزيزات العسكرية تأتي تمهيدا “لإطلاق عملية محدودة وضبط الفلتان الأمني وعمليات الاغتيال المستمرة في هذه المحافظة المحاذية للحدود مع المملكة الأردنية، ومنطقة الجولان”.
من جانبه يؤكد الصحفي، أحمد المسالمة، المقيم في العاصمة الأردنية عمّان، ومصدر إعلامي آخر يقيم في الأحياء، وصول التعزيزات إلى مناطق متفرقة من مدينة درعا.
واعتبر المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه في حديثه لموقع “الحرة”، أن “أرتال الفرقة الرابعة تعتبر الأضخم والأولى من نوعها التي تصل إلى جنوب سوريا، منذ توقيع اتفاق التسوية أواخر عام 2018”.
“فرض السيطرة الكاملة”
ولم تعرف الأماكن التي ستستهدفها تعزيزات “الفرقة الرابعة”، سواء النقاط الثلاث التي تم تضمنيها في بنود الاتفاق الجديد أو أخرى سواء في ريف المحافظة الشرقي أو الغربي.
ويوضح الصحفي أحمد المسالمة أن تسليم النقاط الثلاث (جمرك درعا القديم، بريد درعا، المدخل الواصل بين المحطة والبلد) لقوات الأسد يعتبر “أمرا هاما” من ناحية إعادة السلطة الأمنية والعسكرية للأخيرة إلى المنطقة.
ويقول المسالمة لموقع “الحرة”: “النظام سيسيطر بذلك على طول الشريط الحدودي مع الأردن. القوات التي وصلت تعادل فرقة عسكرية كاملة لمنع أي مظاهر ثورية في المرحلة المقبلة”.
ما تعيشه أحياء “درعا البلد” في الوقت الحالي، كانت مناطق عدة في الجنوب السوري قد عاشته، وبالأخص عقب توقيع “اتفاق التسوية” عام 2018.
واتبع نظام الأسد، بدعم روسي منذ تلك الفترة، سياسة تفضي إلى إجبار الأهالي الذين رفضوا الخروج إلى الشمال السوري على تسليم أسلحتهم المتبقية، ومن ثم توقيعهم على “تسويات” جديدة.
ومن بين شروط “التسويات” الالتحاق بالخدمة الإلزامية وتسوية أوضاع المطلوبين أمنيا وجنائيا، بعد تسليم أنفسهم.
وقد تختلف “درعا البلد” عن باقي مناطق الجنوب السوري من نقطة عدد العائلات الكبير الموجود فيها.
بالإضافة إلى أنها تحظى برمزية كبيرة في الثورة السورية، حيث لم تنقطع المظاهرات المناهضة للأسد فيها، خاصة تلك التي خرجت مؤخرا من أمام المسجد العمري في يوم تنظيم الانتخابات الرئاسية.
ماذا بقي؟
في سياق ما سبق، وفي حال إحكام النظام السوري سيطرته على درعا البلد، لن يبقى أمامه من مناطق “ساخنة” سوى بلدة طفس في الريف الغربي، ومدينة بصرى الشام ومحيطها التي تنتشر فيها قوات القيادي السابق في فصائل المعارضة، أحمد العودة.
ويعرف القيادي العودة بقربه من روسيا، ويندرج عمل قواته ضمن “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس”، وهو التشكيل الذي أسسته موسكو وتدعمه ماليا، منذ سنوات.
ويستبعد الكاتب والصحفي السوري، محمد العويد أن يكون الهدف من وراء تعزيزات قوات الأسد إلى درعا بدء “عملية عسكرية واسعة”.
ويقول العويد في تصريحات لموقع “الحرة”: “تقديري أن ما يجري من عمليات حشد عسكرية هي رسائل للضغط أكثر من خطة للاجتياح”.
ويضيف: “قد تكون محاولة لنزع أوراق جديدة من يد المفاوضين، خاصة أن مجمل المعطيات التي حصل عليها النظام السوري في الأيام الماضية ليست مرضية له كطرف”.
لكن الصحفي أحمد المسالمة يرى التطورات غير ذلك، معتبرا أن “تعزيزات الفرقة الرابعة” تأتي في إطار التجهيز للانتشار العسكري في كل من درعا البلد ومناطق أخرى في المحافظة.
ويقول المسالمة: “تصريحات المسؤولين في النظام السوري تؤكد على ذلك أيضا. يمكننا القول إن النظام السوري يمضي على طريق السيطرة الأمنية والعسكرية الكاملة على الجنوب السوري”.
“فلتان أمني”
وكان النظام السوري قد وجه رسائل عدة وصفت بـ”المطمئنة” لأهالي الجنوب، في الأشهر الماضية.
ومؤخرا خرج محافظ درعا، اللواء مروان شربك، بتصريحات وصف فيها الوضع الأمني في درعا بـ”الجيد”، مشيرا إلى أنه في تحسن مستمر سواء داخل المدينة أو في ريفها.
وأضاف شربك، الذي كان قد عينه رأس النظام، في مايو 2020، أن محافظة درعا تشهد حاليا حالة من الاستقرار الأمني، معتبرا أن ما يجري في الوقت الحالي “عمليات اقتتال بين المسلحين أنفسهم بسبب خلافات مادية”.
ومنذ أواخر 2018 دخلت محافظة درعا في حالة “فلتان أمني” غير مسبوقة، تمثلت بعمليات اغتيال وتفجيرات، طالت مدنيين وعسكريين سواء من جانب قوات الأسد، أو الذين عملوا سابقا ضمن فصائل المعارضة.
وسبق أن قالت مصادر حقوقية من الجنوب السوري لموقع “الحرة” إن محافظة درعا تشهد شهريا، بمعدل وسطي، من 30 إلى 60 عملية اغتيال. وإذا ما تم أخذ هذا المتوسط الحسابي، وقورن بالأشهر السابقة على “اتفاق التسوية”، فقد يزيد عدد القتلى من جميع الفئات عن ألف شخص.
وتتنوع الاغتيالات ما بين إطلاق الرصاص المباشر والاستهدافات بالعبوات الناسفة والألغام، بالإضافة إلى اغتيالات تأتي بعد عمليات خطف لعدة أيام.
المصدر: الحرة. نت