لنا عبد الرحمن روائية لبنانية متميزة، وهذه الرواية هي الأولى التي أقرأها لها. تبدأ الرواية من كابوس تعيشه بطلة الرواية ندى؛ كابوس ترى من خلاله نفسها وعمتها المجنونه في حالة مأساوية وفي أجواء رعب. تصحو على إنهاكها من هذه الكوابيس والحياة التي تعيشها نفسها. ندى الفتاة التي تستعيض عن حياتها الواقعية اليومية بعالم الكمبيوتر والإبحار به. الفتاة التي تعيش عند جدتها لأبيها مع والدها، أمها المطلقة التي كانت قد هربت إلى دبي من ايام الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي، تزوجت رجلا ثريًا وأنجبت ولدين منه. الطلاق الذي كان سببه إدمان الاب على الكحول، الذي سيؤدي به لاحقًا الى الموت المبكر. ندى تعيش في بيت تُعشعش فيه المآسي وتتوالد كوابيس. العمه التي أصيبت بالجنون وأصبحت نزيلة مشفى الأمراض العقلية، التي مات خطيبها بالحرب وحيث عاشت حياة قاسية أصبحت على إثرها نزيلة المشفى. أب يعيش وحدته فمن عمله لمنزله لكحوله على هامش الحياة. ندى تعيش حياة عادية وسط مجموعة اصحاب منذ الطفولة، أحدهم سيكون خطيبها ثم تتركه بعد أن تكتشف انه لا يمثل طموحها العاطفي والنفسي، وبعد ان توطد علاقتها بشغف كبير ب(محمدو) ذلك الشاب الافريقي الذي جاء ليكمل دراسته في بيروت، وتتعمق علاقته بها، ثم تتخلى عن هذه العلاقة بعد أن تتوطد ويقرر محمدو أن تنتقل العلاقة من عابرة الى دائمة. لا تستطيع أن تخطو هذه الخطوة وتتركه، وتترك خطيبها ايضا وتدخل بالوحدة. لعمتها المجنونه بصمة قاسية في حياتها، وكذلك لوالدتها التي لم تستطع ان تعيش معها شعور البنوة اتجاه امومتها لها رغم اندفاع الأم اتجاهها ودعمها بالمصروف والهدايا. لم تستطع غفران ذنب حياة فرضت عليها كابنة لمطلقين، وهي غير مسؤولة عن ذلك. ولها صديقتها التي تعيش معاناة انها ابنة والدين من دينين مختلفين. معاناة لاحقتها نفسيا واجتماعيا. وانتهت بها وحبيبها المختلف دينيا -أيضا- أن يسافروا إلى قبرص ليتزوجوا مدنيا. حياتها عادية فهي لا تعمل، تعتمد على ما تبعثه والدتها لها. كانت تعيش مع جدتها ووالدها ، وعندما توفيت جدتها (امها الفعلية) احست باليتم الحقيقي. بعدها بعامين توفي والدها. صارت وحيده، وعمها الذي لا يعرف كيف سيأخذ البيت منها. كل من تقاطع معها بالحياة له ازمة. خالها الذي انتحرت زوجته. صديقتها التي قتلها زوجها لشكه بالخيانة. عمتها التي تسكنها الكوابيس في الليل بسببها، وفي النهار تزورها بالمشفى ورعب الحالة التي تعيشها عمتها. تكتشف نفسها اخيرا انها زائده في هذه الحياة، وترتعب خوفا من أن ترث عمتها بجنونها.
تنتهي الرواية عند حرب تموز في لبنان، وهي مضطرّة أن تخرج من الضاحية الجنوبية خوفا من الحرب. يبدأ القصف (الاسرائيلي)، تهرب وتحاول أن تطمئنّ على عمتها، وتكتشف انها ماتت فجر ذلك اليوم وتدخل في دوامة نفسية لا تعرف كيف تخرج منها.
في تحليل الرواية أقول:
الرواية تغيّب العام في حياة اشخاصها، وإن حضر يحضر كعابر. تشدد الرواية على الغربة والاغتراب في المجتمع والذات. يصفعنا احساس العبث وعدم الجدوى. يحزننا أن يكون الأشخاص ضحايا لعلاقات ومفاهيم وأفكار تجعل من الكل ضائع. أما الجو العام عندما يحضر فإنه يحضر ككارثة من خلال الحرب. ونفهم أن الشأن العام وراء كل تفاصيل الحياة التي نعيشها. وتعيد سؤال الوجود الأول لماذا نوجد ؟. ولأجل ماذا ؟.