بينما نستذكر كسوريين وفلسطينيين يوم الأرض الفلسطينية بل العربية، ونعيش الذكرى تلك التي تدفعنا للتمسك بأرضنا، وتحيلنا إلى عاشقين حقيقيين للأرض المسلوبة منا قسرًا، سواء من قبل الكيان الصهيوني الاستيطاني، أو من قبل عصابة أسدية فاجرة، طالما استمرأت الذل والهوان وهي تسلم الأرض السورية للمحتل الروسي تارة، أو المحتل الإيراني تارات وتارات. فإننا نعيش أيضًا اليوم في 30 آذار/ مارس الذكرى العشرين لرحيل قامة وطنية مهمة سورية وعربية أيضًا، عملت على الوقوف في وجه الاستبداد الأسدي، وحرصت على المضي قدمًا، نحو بناء سورية الديمقراطية التي يسودها القانون ولا شيء سواه. لعلنا هنا نشير إلى الذكرى العشرين لرحيل الدكتور جمال الأتاسي، الذي ما برح وخلال سني حياته ال 78 على إنتاج حالة وطنية ديمقراطية مناهضة للاستبداد كل أنواع الاستبداد، مهما كان ومن أي جهة أتى. فإن كل سوري اليوم مازال يعيش أوضاع القهر والاستبداد الأسدي، حيث ما انفك هذا (الاستبداد المشرقي) حسب وصف المفكر جمال الأتاسي يمارس غيه وحقده، ويشتغل بدوره الوظيفي المرتبط بمصالحه الذاتية كنظام، وليس مصالح الشعب السوري، وهو الذي ربط مصالح بقائه ببراغماتية إقليمية ودولية، تفعل فعلها للجم النزوع السوري الشعبي نحو الحرية. هذا التطلع والنزوع الذي انفجر في وجه الجلاد أواسط آذار / مارس 2011، معلنًا أن لا رجعة عن المطالبة بكنس الجلاد الطائفي الاستبدادي القاهر لشعبه، لكن المآلات الإقليمية والدولية اليوم، وبعد مضي ما ينوف عن تسع سنوات من عمر الثورة السلمية الشعبية السورية، قد أضحت غير منشغلة بما انشغل به الشعب السوري، وغير مهتمة بما اهتم به من أجل حريته وكرامته، وهي تعيش ظروف وباء الكورونا، ومن ثم حالة الفشل الكبير في التعاطي معها، واتخاذها كذريعة للتنصل من التزاماتها الدولية والعربية تجاه السوريين. الذين يعانون من فيروس هو أشد فتكًا ودمارًا، من فيروس كورونا، بكل المقاييس، بل أشد ضررًا على الحالة المجتمعية السورية برمتها. ولا يبدو أن هناك من شفاء منه، إلا باستئصال كامل لكل أركان النظام الذي يمارس الفتك والدمار والقتل والاعتقال بحق شعبنا السوري ومازال.
لعل نظرة واعية للأوضاع الدولية، تشير إلى عدم وجود إرادة دولية فاعلة، لا قبل وباء الكورونا، ولا بعده، وصولًا إلى إنتاج حالة انتقال سياسي تتكئ على مسار جنيف وبيانه الأممي، حيث يُترك الحال السوري للروس ومن معهم ليعبثوا فيه، ويمارسوا الاحتلال الكولونيالي البغيض، وسط صمت عالمي معولم، لا قدرة لأحد على إيقاظه من ثباته الشتوي أو الصيفي.
تستغل الدولة الروسية المحتلة ومعها الصين أوضاع وباء الكورونا، كذريعة سياسية مفضوحة، لإعادة تأهيل المجرم الطليق، والعمل على إنهاء العقوبات الأممية عليه، دون النظر إلى حال الشعب السوري، ودون التحرك الجدي من أجل إطلاق سراح ما ينوف عن 400 ألف معتقل، يعيشون داخل معتقلات وزنازين النظام السوري، وهم معرضون (لا قدر الله) إلى أسوأ كارثة إنسانية في تاريخ البشرية، فيما لو انتشر مرض وبائي ما وهو اليوم الكورونا، حيث تكتظ السجون والمعتقلات بالسوريين، في غياب كلي وكامل لكل أنواع عوامل الصحة أو المعالجة الصحية، ومنع نهائي لأي خروج من المعتقل لأي كان، حتى لوكان على حافة الموت.
يُدرك السوريون جميعًا وكل المتابعين للوضع السوري أنه لا توجد إرادة دولية في الوقت الحاضر لمعالجة المسألة السورية، ولا سياسة استراتيجية، لا طويلة المدى ولا قريبته، على المستوى الأممي أو الدولي، لإعادة مسار جنيف إلى سكته التي توقف عندها، في وقت يعجز هذا (العالم المتحضر) عن ممارسة أي ضغط على نظام الإجرام الأسدي، من أجل إفراغ السجون الموبوءة من ناسها المخطوفين والمحتجزين قسرًا، ومعتقليها المعارضين لنظام الاستبداد، أو من بقي منهم على قيد الحياة. حيث يتفرج العالم أجمع على استطالات متتابعة للنظام وإيران وروسيا في الجغرافيا السورية، تمارس سياسة الإفقار والتجويع السيء على الشعب السوري، ممن شاءت له الظروف القمعية أن يكون تحت سيطرة حكم آل الأسد. ولسان حال السوريين يقول: إن كان كورونا قادم إلينا لا محالة وبسرعة، فالأولى أن يتم الضغط الدولي الجدي على نظام القمع لإطلاق سراح السجناء، وتأمين قوت يوم السوريين الذين لاهم لهم اليوم إلا تأمين لقمة العيش، في المدن والقرى التي يسيطر عليها الأسد ومن معه.
المصدر: المدار نت