انخرطت إيران الحليف الرئيسي التقليدي للنظام السوري، بشكل متزايد في التنافس على الهيمنة في سورية والوصول لأدوات القوة والتأثير من الفرق العسكرية الرئيسية إلى موارد الاقتصاد السوري، لاسيما بعد أن أصبحت لإيران فرص كثيرة للسيطرة عقب تعزيز وجودها العسكري، وبات النظام مرهونًا لها وهذا حال القوى المعاونة كما قال ميكافيلي عندما تستعين بقوى تعاونك تصبح مرهون لتلك القوى التي عاونتك، ورغم كل العقوبات الأميركية والأوربية على إيران إلا أنها استمرت بشكل كبير في حماية النظام السوري وبالتالي حماية هيمنتها وأهدافها الاستراتيجية في الأطماع والنفوذ والتمدد انطلاقاً من عقلية نفوذ وتمدد امبراطوري بأدوات دولة متعثرة يعاني شعبها الفقر والحرمان لكن القوى المستبدة لا يعنيها الإنسان بقدر ما يعنيها بسط النفوذ والهيمنة، متحديةً كل العقوبات والمخاطر لاسيما إذا لم تكن المخاطر جدية.
كانت أهداف إيران الرئيسية في سورية تأمين الطريق البري بين أراضيها مروراً بالعراق وسورية إلى لبنان والحفاظ على نظام صديق في دمشق وبحال خسرته فسوف تكون سورية على علاقة بعمقها العربي المناهض لإيران وعلاقة متقدمة مع تركيا المنافس لها في المنطقة وهذا مالا تريده إيران، ولهذا كانت معظم استثمارات إيران العسكرية وغيرها للحفاظ على الوضع كما هو مواجهة إرادة قسم كبير من الشعب وتسعى لتطويع القسم الآخر فلم تدخر جهداً من القوى الصلبة والناعمة إلا واستعملتها، حيث قامت بتمويل وتدريب وتجهيز عشرات الآلاف من المسلحين الطائفيين في الصراع السوري، وقامت بتدخلات مالية واقتصادية كبيرة. وحسب دراسة أجراها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن إجمالي إنفاق إيران في سورية والعراق واليمن 16 مليار دولار بينما تنفق 700 مليون دولار سنوياً على مليشيات حزب الله في لبنان، وإيران وفرت معظم احتياجات البلاد من المنتجات النفطية المكررة والتي تنقلها عبر بواخر غير إيرانية وغالباً (بنما) إلى موانئ اللاذقية، وأرسلت أطنان عديدة من السلع والمعدات، وتطوير بعض الصواريخ والأسلحة الكيميائية في مصياف التابع للبحوث العلمية، رغم العقوبات الدولية المفروضة على النظام، مقابل التزامها بضمان بقاء الأسد.
بالمقابل طالبت إيران بالوصول إلى فرص استثمارية كبيرة في القطاعات الرئيسية للاقتصاد السوري ولاسيما ممتلكات الدولة من النقل والاتصالات والطاقة والفوسفات والأمن الغذائي، وكان السلوك الدولي لا يتعدى لغاية اليوم بُعدين: الأول وهو عقوبات اقتصادية والثاني إبعادها نوعاً ما عن استثمارها بوجودها العسكري قرب إسرائيل، ولم يكن في خَلَد المجتمع الدولي أن يكون الاعتبار الأساسي هو البعد الإنساني حيث التوحش والعبث والإجرام الذي تقوم به في سورية ضد السوريين، فالمقاربات الدولية ليس فيها كف هذا الإجرام في سورية ومنعه ومحاسبته وإنما تشذيبه ومراقبته وإدانته القولية، وعجز العمق العربي المهدد من إيران أصلاً من أن يشكل ضغطًا حقيقيًا جادًا يوقف هذا التوحش الإيراني فتتمدد إيران بتمثيلها الدبلوماسي لتوجد قنصلية في حلب وإقامة الحسينيات في المحافظات واستمالة العشائر العربية لاسيما التي لم تنخرط في مواجهة النظام لتعزز الحالة العشائرية لتطوعها، وبعثات للطلاب السوريين وأبناء المسؤولين حيث بلغ عددهم قرابة 2800 طالب في الجامعات الإيرانية، عدا عن المساعدات الإنسانية التي لم تتوقف لأبناء المذهب من السوريين بالدرجة الأولى وبهذا تزيد من الشرخ الاجتماعي والتغيير الديمغرافي ولا تترك مفصل من المفاصل الرسمية والاجتماعية والثقافية إلا وسعت للتدخل فيه فاليوم تدخلت بكل مديريات الأوقاف في المحافظات السورية لتوجه بشكل مباشر أو غير مباشر المنبر الديني الذي أصبح يسبح بحمد إيران والسلطان بآن واحد..!
لكن في الضفة المقابلة لقوى الثورة والمعارضة والنخب السورية دائمة التنازع ومايزال العقل الاستراتيجي والوعي الاستراتيجي غائب عن الساحة، وكل طرف يلقي اللوم على الآخر صاعداً بمنبر الوعظ كي لا يناله هو الوعظ والنقد وأن الآخر هو المسؤول وحسب، لكن الآخر هو كلنا وفي صراع كهذا نحتاج إلى عقل جمعي واعي يتجاوز صغار الأمور لكبارها وصغار المشاكل لأعظمها، فالمخاطر المحدقة كبيرة وتتوسع ويتسع الخرق على الراقع، لكن الراقع عن الخرق لمنشغل.!
المصدر: اشراق